فارس حامد عبد الكريم
مقدمة لابد منها:
جيش العراق جيش أصيل وباسل ومقدام، هذا ما نعرفه عن جيشنا، جيش العراق منذ طفولتنا، وهذا ما كنا (ولا نزال) نعتقد به ونؤمن به بقوة وإيمان لا يتزعزع، وبإستثناء فترة حكم الطاغية الذي زج جيشنا في حروب عبثية داخلية وإقليمية، أدت في النهاية الى زعزعة قيم ومبادئ كانت ثابتة عبر الزمن عند جيشنا، فإن صورة جيشنا، مع ذلك، بقت جميلة وبراقة في ذهننا، وبقيت عبارة (الجيش سور للوطن) هي الأصل الذي تتهاوى خلفه الاستثناءات البغيضة.
وإذا كان جيشنا قد انسحب من الكويت في ليلة وضحاها، فإننا لم نفقد المبرر والعذر لذلك الجيش، فقد كانت حرباً عدوانية بإمتياز على شعب عربي جار آمن تربط اهله بالعراقيين الكثير من وشائج القربى والنسب فضلاً عن الوشائج الدينية والقومية، ولم يكن اغلب افراد الجيش والشعب مؤمناً بتلك الحرب العدوانية، فضلاً عن انه (انسحب) امام اكثر من ثلاثين دولة من بينها دول عملاقة تملك تكنولوجيا عسكرية هائلة لا قبل لجيش دولة نامية بها وقد عانت من الحصار طويلاً وتستورد جل معداتها العسكرية، ومع ذلك كان انسحاباً منظماً قلل الى حد كبير من حجم الخسائر المتوقعة في مثل تلك الظروف والوقائع.
فما بال جيشاً جراراً يمتلك احدث الاسلحة واكثرها تطورا،ً على الاقل في منطقة الشرق الاوسط، فضلاً عن انه تدرب على يد خبراء متخصصين، وبكلف مالية خيالية، نقول ما بال بعض فرق هذا الجيش ينسحب في أول مواجهة غير متكافئة لصالحه امام شراذم لا تفقه من علم العسكرية شيئاً، إنسحاباً أخجل جميع العراقيين وأوقعهم في حرج شديد ومس كرامتهم في الصميم، انسحاباً ابكى بدمع مر حتى اطفالنا، الذين طالبونا ببراءة الطفولة ان نأخذهم الى جبهات القتال لرد الكرامة والعزة الوطنية.
كان ابني الصغير، ابن الثانية عشر منهم، ولأول مرة اراه يترك العابه وهو يستقبل عطلته الصيفية ليجلس امام شاشة التلفاز ويتابع الأخبار بإهتمام بالغ، ويجادلني ويتساءل عن الاحداث والأسماء والشخصيات المحلية والدولية، وكلما سمع خبراً جديداً جائني راكضاً ليبلغني به. كان يفرح لأخبار الانتصارات ويحزن عندما يسمع خبراً سيئاً.
قبل ايام كان جالساً امام التلفاز وقت الظهيرة بينما كنت مستلقياً وقت الظهيرة بعد يوم شاق من الامتحانات النهائية، جاء وايقظني قائلاً (بابا ... بابا ... المالكي في سامراء) فقلت عظيم ....
قال ... لماذا يذهب المالكي الى سامراء .. الا يخاف ان يقتله الارهابيون .... قلت له يا ابني انه يذهب ليرفع معنويات جيشنا العراقي .... ثم انه لا يخاف لأنه القائد العام للقوات المسلحة العراقية، فالخوف والتردد ليس من شيم العراقيين.
الاسباب .. أو بعض الاسباب:
ولو القينا نظرة عامة على اوضاع بعض فرقنا العسكرية التي تكونت مما سمعناه من العديد من الجنود والمراتب العسكرية المنسحبة، التي كانت تبرر بخجل واضح انسحابها المر، لتبين لنا ان السبب الاساس في كل ما حدث، هو الفساد.
وكما يبدو لنا، من خبرتنا في مجال علوم مكافحة الفساد، والشواهد كثيرة على ذلك، منها ما هو مستمد من تاريخنا الإسلامي في عهوده المتأخرة، ان الفساد قادراً على ان يهزم اكبر الجيوش وأكثرها عدة وعدداً بل ويفتت الدول ويضعف القيم الاخلاقية وعلى رأسها القيم الوطنية.
وقبل ان ندخل في تفاصيل ذلك، وردتنا الاخبار ايضاً عن مواقف شجاعة وأصيلة لضباط وجنود ومراتب واجهوا الفئات الارهابية بكل قوة وبسالة حتى نفذت ذخيرتهم، بعد من خذلهم العديد من زملائهم.
الذي سمعناه بانفسنا او نقله لنا بعض اصدقائنا ممن استضافوا بعض اولئك المراتب، انهم يتحدثون عن ضباط يستلمون مبالغ (تافهة) مقابل الوقوف في السيطرات العسكرية لتمرير عجلات الارهابيين المفخخة التي تنتشر في العراق لتضرب أهله وأطفاله.
وهناك من يدخل الإرهابيين القذرين الى داخل العراق او يخرجهم منه بعد تنفيذ عملياتهم الارهابية مقابل حفنة من الدولارات بشكل دائم ومستمر بلا حسيب او رقيب.
هناك ضباط لا يتجاوز راتبهم المليون ونصف دينار شهرياً ولكنهم اصبحوا من ملاك العقارات الضخمة والعجلات الفارهة التي يتفاخر بها ابنائهم وبناتهم امام زملائهم في المدارس والكليات، ومصدرها بيع الدم العراقي لأعداء العراق.
هناك من يقبض نسبة من راتب الجندي مقابل ان يبقى الاخير عند أهله وينشر الموجود في معسكره بأنه الف مقاتل مثلاً في حين ان الموجود الحقيقي لا يتجاوز العشرات.
ان عجلات الارهابيين منها ما دخل الاراضي العراقية امام اعين من كان يفترض انه مؤتمن على شرف العراق وكرامته، وبعضها تم تجميعه في مناطق معينة بعد شرائه من السوق المحلية خلال فترات زمنية متباعدة قدرها البعض بسنة.
والبعض يقوم بإعتقالات بحجج الارهاب والهدف هو الإبتزاز مقابل اطلاق سراح المعتقل.
ان ما تقدم من معلومات اصبحت متداولة بين عامة الناس، يفسر لنا بوضوح سبب الانتشار المفاجئ والكثيف للمجموعات الارهابية مقابل انسحاب سريع لقطعات عسكرية مدججة بالأسلحة الثقلية كان بإمكانها ان تسحق اضعاف مضاعفة من اولئك الغربان.
فالكثير من (الدواعش) هم خلايا نائمة لم يدخلوا نينوى من الخارج وإنما خرجوا منها وانتشروا وفتحوا ابواب نينوى امام من قدم من الخارج، وهكذا فعل بعض الخونة في المناطق المجاورة.
والخبر المفاجئ للكثير هو ان اولئك الضباط والمراتب من ضعاف النفوس لا ينتمون الى قومية او طائفة بعينها أو حزب منحل سابق فقط كما هو الاعتقاد الخاطئ السائد لدى الكثير، بل انهم من قوميات وطوائف ومذاهب متنوعة،تجمعوا على الفساد وخيانة الوطن مقابل ثمن بخس مهما علت قيمته.
هذا ما سمعناه من الجنود والمراتب التي تركت ارض المعركة لتتحدث لنا عن فساد ضخم ضرب جزءاً من المؤسسة العسكرية لدرجة اننا لم نكن لنصدقه لولا اجماعهم عليه.
هذا جزءاً صغيراً مما سمعناه، وربما ما خفي كان اعظم....
ان ما تقدم ولاشك اخبار سيئة، ولكن الاخبار السعيدة توالت بعد ذلك:
ـــ ان شعبنا الحي بكل قومياته وطوائفه انتفض انتفاضة رجل واحد ومزق احلام الإرهاب والأعداء واوقفها عند حدها وها هو يستعد لسحقها بمباركة من مرجعية رشيدة وطنية خاطبت بحكمة كل العراقيين بغض النظر عن انتمائاتهم ومعتقداتهم.
ــ ان جل قواتنا العسكرية تعمل بمهنية ونزاهة ومهنية ووطنية عالية وهذا ما اثبتته الوقائع على الارض عندما اندفعوا بقوة لسحق الارهاب وأهله من الدواعش القادمة من وراء الحدود أو تلك المحلية التي خرجت من تحت انقاض الدكتاتورية البغيضة مستغلة تسامح العراقيون معهم وهم لا يستحقون ذلك، فالداعشي روحاً ومضموناً لن يكون رجلاً صالحاً ولو حاولنا معه الف مرة.
ان الانتصار العراقي القادم بإذن الله بإرادة العراقيين سيجعل اعداء العراق يفكرون الف مرة قبل ان يتقدموا خطوة واحدة تجاه حدود العراق المنيعة.
بعض الحلول:
ـ ان بناء جيش ضخم يمتلك المبادئ الوطنية قبل ان يمتلك العدة والعتاد يتطلب من بين ما يتطلب ان تكون هناك رقابة فعالة مستقلة على اداء وسلوكيات هذا الجيش، تضمن تخليصه من الشوائب وضعاف النفوس الذين يبيعون دماء ابناء جلدتهم بثمن بخس.
ـ ان اعادة نظام الخدمة العسكرية الالزامية سيعيد للوطنية العراقية وجهها المشرق، ويجمع بين ابناء العراق بمختلف قومياتهم وطوائفهم في معسكر خدمة علم العراق ويكسر الحاجز النفسي المصطنع بين ابناء الوطن الواحد.
ـ الاستماع بكل دقة إلى مظالم أهل السنة بشكل مباشر والتي تحققت بفعل بعض العسكريين الفاسدين ممن تخاذلوا في أول مواجهة وهذه هي شيم الفاسدين، فقد وصلتنا الكثير من القصص المحزنة من العديد من اصدقاؤنا وزملائنا في العمل وكيف مارس بعض هؤلاء صلاحياتهم العسكرية في القبض والتحري لأغراض الكسب غير المشروع والابتزاز.
اننا ندعو القيادات السياسية والعسكرية لفتح تحقيق شامل والاستماع للمراتب كافة وتجميع المعلومات ودراستها بدقة وعناية ووضع خطة متكاملة لإعادة بناء جيش عراق وطني يقوم على المبادئ الوطنية الحقة يكون قادراً على حفظ كرامة العراقيين ودمائهم وشرفهم من أي اعتداء.
وختاماً نقول تحية لكل عراقي شريف من ابناء جيشنا الباسل الذي يقوم اليوم بأشرف مهمة وطنية وشرعية وهو يطهر مدن العراق من أولئك الارهابيون المجرمون، ويعيدوا لأطفالنا بسمتهم واعتزازهم بجيشهم وهم يحققون الانتصار تلو الانتصار على الفئات الضالة المنحرفة.
____________
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
http://farisalajrish.blogspot.com/
1006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع