توجان فيصل
لسنا ضد أي لجوء إنساني للأردن، ولكننا حتما ضد تحويل الأردن لفندق للصفقات المشبوهة ! وهذا القول يصح حرفيا في ضوء حديث الصحافة عن " إقفال حجوزات فنادق فئة الخمس نجوم مع وصول شخصيات بارزة ومرافقين وعائلات" ممن يسمون "طبقة الكريما العراقية "..
وهذا غير الذين نشر انهم نزلوا في فلل وقصور ودور إقامة خاصة بهم كانت منشأة من قبل تحسبا لأحداث طارئة! ورغم تسيير 27 رحلة جوية استثنائية لهؤلاء في الأيام الثلاثة الأخيرة والشكوى تتعالى لعدم كفاية هذا لنقل "الميسورين العراقيين" لعمان، حيث سبقهم نواب وشاغلو مناصب عليا ميسورون أيضا.. ولا حديث لحينه عن فقراء هاربين من القتل سيرا للحدود، بل حديث عن دفع للجيش الأردني والدرك إليها.. وإن ظهر "مانحون"، قد يتفق على زعتري آخر في عمق الصحراء.
الحكومات الأردنية، بدءا من تلك التي في عهدها جرى احتلال العراق، تعاملت بتمييز يسقط عذر الحالة الإنسانية التي وحدها تبرر قبول تدفق أعداد غفيرة من مواطني بلد آخر. ففي حين عملت على إعادة ترحيل كل فقراء العراق ليصبحوا ضحايا للاقتتال الدموي الذي تلا الاحتلال، أبقت أسر كبار مسؤولي العراق من كل الأطياف السياسية في الأردن، كون هؤلاء جميعا موسرين. وهذا ساهم في إطالة أمد الاقتتال الداخلي والاعتقال والتعذيب ،كون عوائل من يقودونه كانوا ينزلون لدينا في فلل وقصور وتوفر لهم حماية أمنية مكلفة على حساب دافع الضرائب الأردني.
وما خرجنا به من سياسة استثمار احتلال العراق هذا هو أزمة الطاقة الحقيقية والمزعومة. الأزمة الحقيقية تمثلت في وقف النفط المجاني ومخفض السعر الذي كان يأتينا من العراق ولم تؤثر فيه ولا مرة تقلبات سياسة الأردن الرسمي تجاه العراق، ليحل محله حقد المالكي وزمرته الموظفة لتطرف وعنف طائفي لا يقل عما تفعله داعش، لكون الملك عبد الله الثاني كان حذر من "الهلال الشيعي"! وبالمقابل لم تفدنا -كشعب ووطن- لا الدول النفطية الذين أفادهم ذلك التصريح، ولا أفادنا فتح أرضنا فندقا ومنتجعا محروسا للموسرين من نهب العراق في الأغلب.
بل إن هؤلاء "الموسرين" أضافوا عبئا سكانيا على البلد أدى لتفاقم الأزمة الاقتصادية باقتسامهم معنا موارد شحيحة (كالمياه) وسلعا وخدمات مدعومة أو يزعم انها مدعومة (كالكهرباء والطحين) .. والأهم انهم اعاقوا السير الطبيعي لقوانين السوق التي وحدها كانت تلجم حكومات غير مؤهلة او فاسدة. فمن قبل كان رفع الحكومات الجائر للضرائب خدمة لخزينة مخرومة لجهة المتنفذين، أو للأسعار خدمة لشركائها وواجهاتها التجارية ويؤدي لتراجع القوة الشرائية للمواطنين بما يؤدي لتراجع أرباح التجار وكم الضرائب غير المباشرة (التي تستهدف محدودي الدخل) الواردة للخزينة، ما يلزم بخفض الأسعار تلقائيا. وهذا لم يعد متوفرا بوجود أعداد ضخمة من العراقيين بقوة شرائية عالية.
والأسوأ أن هؤلاء أصبحوا مستفيدين، دونا عن غالبية الشعب الأردني، من إعفاءات ضريبية عدة بتسميتهم مستثمرين، كالسيارة بدون جمرك والشراء من الأسواق الحرة، والإعفاءات لغالبية إن لم يكن لكل انشطتهم التجارية من الضرائب .أو بالأحرى أصبح الشعب يمول الخدمات المقدمة لهؤلاء، كما يرفد تجارتهم بأسعار عالية يدفعها فقراؤه ومحدودو الدخل فيه.
فكل ما كان يلزم لنيل امتيازات المستثمر أن يودع أحدهم مبلغ ثلاثين إلى خمسين ألف دينار في حساب شركة يسجلها بكلفة زهيدة ( بخاصة الشركات العقارية) فيستاجر أو يتملك شقة أو بيتا (ما رفع أسعار وأجور العقارات على الأردنيين وضمن أرباح شركات العقار هذه)، وفي الأغلب كان هؤلاء يشرعون بالسحب من المبلغ المودع حال حيازتهم امتيازات الإقامة والإعفاءات الضريبية. ويتداول عن الفساد المتعاظم أنباء عن تجنيس العديد من هؤلاء.
ومؤخرا صدر قانون "يبيع" الجوازات لمن يسمون مستثمرين بخمسة عشر ألف دينار، ويجدد لهم بالآلاف.. وزعم أن جواز المستثمر بلا رقم وطني لا يمكن الركون إليه، فبعد قبول مبدأ بيع جواز السفر لا شيء سيمنع تسلل التجنيس الذي سبق ومورس، بإضافة رقم وطني! ولا يقلل رفع كلف التجنيس من خطر الوافدين علينا من كل حدب وصوب ليصبحوا مواطنين، بل هو يزيد من سعة الهوة بين الفقراء الذين هم غالبية الشعب الأردني، وبين الفئة التي اغتنت من احتكار مناصب الحكم والفساد، إذ لا يعود الفارق فقط في الإمكانات المادية بين أناس ذوي خلفية مشتركة، بل يتكرس ويعمق الفارق في الانتماء المفقود لدى أصحاب هكذا سياسيات.. فسيان ما بين وشائج العروبة التي ربطتنا بعراقيين خاضوا معنا حروبنا لأجل فلسطين، و"باعوا القدر" لإطعامنا واقتسمنا معهم مؤونة بيوتنا حين جرى حصارهم، وبين من يعتبرنا فندقا يعقد فيه صفقاته الفاسدة وقصرا محروسا يحميه من غضبة شعبه..والأسوأ من يعتبر الوطن والمواطنة على الجانبين، استثمارا ومصدر إثراء ولو من البلاء !
467 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع