أواه من المرحلة الانتقالية

                                             

                             خالد القشطيني

كثيرا ما يقال في أن سر مصائبنا الحالية يعود للمرحلة الانتقالية التي نمر بها من عصور التخلف إلى الحياة المعاصرة. أنا أتفهم ذلك جيدا فقد مررت بها شخصيا في سن المراهقة، المرحلة الانتقالية من الطفولة إلى الرجولة. ما دخلت غرفة الحريم طمعا بالكعك إلا ومسكتني أختي الكبيرة ودفعتني خارجا: «روح على أبوك! من الآن وصاعدا تقعد ويا أبوك. لا تجي هنا بين النسوان».

«لكن أبويه قال روح عند النسوان عندهم كعك. وأخويه إحسان يقول عيب تقعد بين الرجال. أنت بعدك طفل».
لكن أختي طردتني من الحريم! قالت «روح اقعد في جهنم. لا تجي هنا»!
قالت وأوصدت باب غرفة الحريم في وجهي. مضيت أجرجر قدمي حائرا لا أدري أين أتوجه. وقفت عند باب الديوان أسترق السمع لكلام الرجال. سمعت عمي ناجي يتلو شيئا من الشعر. لم أفهم منه كلمة ولكن الجمع انفجروا بالضحك. وطفت أفكر وأتساءل. لماذا في المدرسة علينا أن نصفق عندما ينتهي أحد من قراءة قصيدة وهنا كل هؤلاء الأساتذة يغصون بالضحك كلما تلا أحدهم بيتا من الشعر. انتظرت حتى خفت الضحك وانقطع السعال فتسللت ودخلت.
بادرني والدي فورا «ها! رجعت؟ قلت لك تروح على أمك»!
«زينب تقول صار عندي حب شباب بوجهي ولازم بعد ما أقعد بين النسوان! يمكن يخافن أعديهم».
أشرت كبرهان على ما أقول إلى الدملة الصغيرة على خدي الأيسر. وكان ذلك إيذانا بعاصفة من الضحك. ولكنه كان نوعا آخر من الضحك والتصفيق. وجرني أثناء ذلك الشيخ مصطفى إليه وقبلني من خدي الأيسر وقال: «والله يا ليت تطلع على خدي حبة شباب واحدة مثل هذي! يكون فضل كبير من الله». قال وأصر أن يجلسني بجانبه. جلست أتطلع بشوق إلى الحكايات والأشعار التي كانت تثير فيهم الضحك. ولكنهم لم يفعلوا. راحوا بدلا من ذلك، يتناقشون في مصير الصبيان بمثل عمري. قال المعلم حمدي: أحسن شيء مفيد وسليم لولد بعمر خالد أن يساعد أمه بتنظيف البالوعة وكنس البيت. أشياء يتعلمها من أمه بدل ما يطلع ويختلط بالأشرار والقمرجية في الشارع.
وتحدث جارنا أبو عفيفة فقال: «وأهم شيء ولد بسن خالد لازم يبتعد عن السينما. هذي الأفلام ما تعلم غير الفساد. وطفل بهالسن ما يفهم مقصدها».
وأضاف عدنان الضابط: «والراديو! لا تنسوه! كل هالأغاني والغراميات أكبر خطر على الصبيان. احبك يا ملازم أول! ليش يعني إذا ملازم ثاني ما تحبه عفيفة إسكندر؟ نعم الأناشيد الوطنية لا بأس بها». وهنا أصر الحاضرون على أن أنشد لهم شيئا منها. لم أملك غير أن أغني لهم هذا النشيد: نحن الشباب لنا الغد ومجدنا المخلد.
خرجت وشعرت بقلق مرير من هذا العالم الذي ينتظرني، عالم الرجال. هرعت لأختي أتوسل بها: «بس اليوم. بس آخر مرة أقعد وياكم».

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

683 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع