جابر رسول الجابري
كانت ليلة من ليالي الشتاء البارد , وكان الثلج يُغطي الطُرقات وأوراق الشجر , وكنت أغط في نوم عميق لكني إستيقضتُ فجأةً وجسدي يَرتجِفُ برداً كإرتِجافِ سعفَ النخيل من الريح ,
رحتُ أُلَمْلِمُ جسدي تحت الغطاء السميك وأنا أرنو الى عقاربِ الساعةِ المعلقة على جدار الغرفة فوجدتها تشير الى الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل , أحسست بحاجةٍ ملحة لتشغيل التدفئة المركزية للبيت علها تقلل من شدة وطأة البرد , نهضت من فراشي متثاقلا وكان علي التوجه الى الطابق الأرضي لأن مِرجَل المدفأة يقبعُ في المطبخ , فتحت باب الغرفة وبخطوات مترنحة اخذت أنزل فيها درجات السلم , كان الهدوء والظلام يطبقان على البيت إلا من مصباح خافت بالكاد كنت من خلال ضوئه اتلمس طريقي لأصِلَ الى بابِ المطبخ , وما أن مددت يدي الى قبضة الباب وكانت مغلقة حتى انتبهتُ أن هناكَ نورا ينبثق من داخل المطبخ ليتسرب من خلال ثقب المفتاح , أدركت بعدها اِني قد نسيت أن اطفيء مصباح المطبخ قبل أن أذهب الى النوم , وما أن فتحت الباب حتى تَسمّرتُ في مكاني بلا حِراك وبدأ الدمُ يتدفق بغزارة في عروقي وضَرباتُ قلبي تشتدُ وتسرع أكادُ أسمعُها كأنها صوتُ طبولٍ تُقرَع , تفاجأت بوجود فأرة كبيرة في داخل المطبخ تقف عند حاوية الازبال مُفترِشةً الارض وتَقْضِمُ قطعةً من خبز , وما أن شاهدتني في حالة ذهول حتى توقفت عن الأكل وأخذت تنظر لي باستغراب كاني بها تحدثني مستفسرة عن سبب استغرابي فهمست لها متمتما بصوت خافت :
--- كيف دخلتي الى هنا ؟؟
فاذا بها تستدير وتنظر صوب النافذه التي كانت هي الاخرى قد نسيتها مفتوحة فتيقنت انها تشير اِليَّ بسبب وجودها ومُجيبةٌ على سؤالي , شعرت حينها اني عاجز عن الاِتيان بأي حركة أو تفكير حيالَ تلك الفأرة وإني أراها تعود لتنهمك في قرض بقايا قطعة الخبز التي امامها وغير مبالية بوجودي , ثم تمالكت نفسي ورحت احدثها علها تهدأ وتقنع بما حصل :
--- دع هذا الفأرة تاكل ماقسم الله لها من رزق كصدقة .
عندئذ خَطوتُ من فوري بخطىً هادئةً نحو مكان التدفئة وضغطت زر التشغيل فيها وعدت قافلاً الى الباب الذي دخلت منه , استدرت لأرقُبها بنظرة فاذا بها تقف على رجليها وترفع يديها الى أعلى وهي تلوح لي مودعة حتى خيل اِلي أنها نطقت في قول :
-- تصبح على خير
فركتُ عيناي لعلي أستيقظُ من هذا الحلم ثم فتحتها لاجد الفأرة مستمرةٌ في التلويح لي وبلا شعور رفعت انا أيضاً يدي ملوحا لها و رادا على تحيتها وبصوت عال :
--- تصبحين على خير حبيبتي
بل زدت على ذلك فَرِحتُ أُقبل كفي وأبعث لها القبل واحدةً تلْوَّ الأُخرى وانا في غمرةِ فرحٍ وسرور وفي لحظة من لحظاتِ همسِ الجنون ثم أبتسمت وأغلقت الباب , وما أن استدرت الى الخلف حتى تفاجأت بوجود زوجتي تتجه نحوي والغضب يسيطر عليها وراحت تنهال علي بالاسئلة :
--- مع مَنْ كُنتَ تتحدث ؟-- ومن هي التي تَقول لها حبيبتي --- ومن هي تلك التي تُرسل لها القبلات ؟ ---- أجبني
وقفت مرتبكا من شدة هول المفاجأة وعلني أجِدَ التفسير المقنع كي اخرج من هذا المأزق --- فاستدركت نفسي وعدت فاتحا الباب لأُريها الفأرة لكني اكتشفت انها غادرت المطبخ .
بيرمنجهام - المملكة المتحدة
465 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع