د .أكرم المشهداني
لعلها ظاهرة عراقية لايشارك العراقيين فيها شعب آخر من شعوب الأرض، ففي الأول من تموز تستطيع أن تقول لأكثر من نصف العراقيين هابي بيرثداي (عيد ميلاد سعيد!)، لأن دفتر نفوس معظم العراقيين يحمل تاريخ تولد 1/7
وليس معنى هذا أن جميع هؤلاء قد ولدوا يوم 1/7 حقا!!
إلا نسبة ضئيلة لاتكاد تذكر من بين هؤلاء الملايين! ويمثل مثل هذا اليوم الميلاد الرسمي (غير الحقيقي) لملايين العراقيين الذين قدموا إلى الدنيا قبل عدة عقود، واضطروا إلى اختيار هذا التاريخ لجهل آبائهم بموعد ميلادهم الحقيقي
والسبب في هذه الظاهرة العراقية الخالصة أن آبائنا وأجدادنا يرحمهم الله جميعا، كانوا لايكترثون لتسجيل تاريخ ميلاد اي مولود يولد لهم، بل يتماهلون في التسجيل وقد تمر سنوات لحين استحقاق الولد دخول المدرسة او وصوله الى سن التجنيد الالزامي فتتم مراجعة دائرة النفوس، فتسجله حسب ادعاء الوالد على السنة التي يتذكرها وغالبا ماتكون السنة مقترنة بحدث ما، مثل (دكة رشيد عالي) ليقصد بها عام 1941!، أو عام مقتل الملك غازي، أو هكذا.. وحيث لا يتذكر الوالد اليوم بالضبط الذي ولد له مولوده فيه فتضطر دائرة النفوس (الأحوال المدنية) كمعالجة وسطية للأمر وحتى لايغبن الولد سواء بالتسجيل بالدراسة او السوق لخدمة العلم، إلى إعتبار يوم 1/7 يوم ميلاد الشخص، فجرت العادة ان يعتمد يوم الاول من تموز يوم ميلاد اعداد هائلة من العراقيين.. إن "آباءنا وأجدادنا كانوا حتى عام 1957 لايكترثون لتسجيل تاريخ ميلاد أي مولود يولد لهم، بل يتمهلون في التسجيل، وقد تمر سنوات عديدة لحين استحقاق الولد دخول المدرسة أو وصوله إلى سن التجنيد الإلزامي، فتتم مراجعة دائرة النفوس، فتسجله بحسب ادعاء الوالد على السنة التي يتذكرها، وبتاريخ 1 يوليو/ تموز". وان الحكومة العراقية حين عزمت في عام 1957 أن يكون تاريخ ميلاد الطفل غير المسجل هو اليوم الأول من يوليو/ تموز، "كان بسبب اختيار حل وسط لكي لا يغبن حق الأبناء غير المسجلين في المدارس أو إكمال المعاملات أو التجنيد الإلزامي، فكان الحل الوسط هو اختيار منتصف العام تاريخاً لمولدهم؛ حرصاً منها على مستقبلهم".
وقد لاحظتُ ان بعض البلدان العربية (ومنها دول الخليج العربي) وغيرها لجأت الى اختيار يوم 1/1 لتسجيل تولد من لايعرف بالضبط يوم مولده من السنة، فانني كنت احمل (جواز سفر أس) مذكور فيه سنة التولد وليس يوم التولد، فتقوم سلطة الاقامة بتسجيل تولدي وغير من العراقيين يوم (1- 1) لان جوازاتنا القديمة كانت تحمل سنة التولد وليس يوم التولد. ولكننا في العراق وكمنهج وسطي ولعدم الإضرار بالشخص المُسجل، وبالاخص في موضوع التسجيل في الدراسة التي تتطلب بلوغ الست سنوات، أو تحديد تاريخ السوق لخدمة العلم، فقد لجأت الدولة إلى إعتماد اليوم الوسط في العام وهو يوم 1/7 لتسجيل المواطن الذي لايملك وثيقة تؤكد يوم ولادته بالضبط..
هكذا كانت الامور تجري في العراق والى سنوات قريبة حيث معظم العراقيين لم يهتموا بتسجيل يوم الولادة بالضبط الا في العقود الثلاثة الاخيرة، فكان اختيار الاول من تموز هو الحل الوسط والعادل، لذلك تستطيع ان تهنئ نصف العراقيين من اعمار الخمسين عاما فما فوق يوم 1/7 (هابي بيرث داي) دون ان يسألك الشخص: ومن اين عرفت تاريخ مولدي؟؟؟
انها ليست حزورة؟ ولا نكتة سمجة! بل حقيقة تثبتها وثائق الولادة وهويات الأحوال المدنية (أو دفاتر النفوس سابقاً)، لملايين من العراقيين، ان تاريخ ولادتهم في (1 تموز) من كل عام... ولااظن شعبا آخر في العالم يشارك العراقيين إحتفالات أعياد ميلاد نصف عدد الشعب بالأقل في يوم 1 تموز بعيد مولدهم!!
في يوم الاول من تموز، وبغضّ النظر عن أيّة مناسبة أخرى قد يعنيها أو يرمز لها ذلك اليوم في مسلسل (حدث في مثل هذا اليوم!)، فإن اقامة (أعياد ميلاد مشتركة) لاعداد كبيرة من العراقيين في يوم الأول من تموز هو أمر مستحب .... وحبذا لو تبادر له جهات عديدة معنية بإشغال الناس وإجبارهم على نسيان أو تناسي مايدور حولهم من مآسي ومحن ومعاناة!!.. فبعيدا عن آلام المعاناة، وضغوطات التدهور الامني في البلاد، والشكوك التي تساور الناس من بعضهم البعض، أدعو العراقيين إلى التفاؤل وليجعلوا يوم 1 / 7 عيداً لهم، يوما للتفاؤل والثقة في المستقبل. ونظرا لما عاناه العراقيون من تمزق وشتات يفترض من الحكومة العراقية أن تجعل تاريخ 1 يوليو/ تموز مناسبة سنوية؛ لحث أبناء العراق على توحيد الصفوف وإيجاد قاسم مشترك لحياة يتساوى فيها أفراد المجتمع كجسد واحد.
ولنرفع اكفنا بالدعاء في الاول من تموز ان يحمي العراق واهل العراق ومنهم من ولدوا في الاول من تموز... وعسى أن لايبقى الحال على ماهو عليه، فألف مبارك لكل من ولد حقيقة في 1 تموز ولكل من سجلته النفوس في 1 تموز رغما عن أنفه.. فلنراجع دفاتر نفوسنا ونحسب كم عدد الذين يجمعهم التولد في الأول من تموز؟
تفسيرات خاطئة!!
يحاول البعض من الكتاب ان يفسر هذه الحالة ناسبا ذلك الى الدكتور علي الوردي وانا اشك في ذلك لقوله ((ان سبب ذلك يعود لان يوم تسجيل العراقيين في احصاء عامي 1947 و1957 صادف في اول يوم من شهر تموز لذلك سجل اغلب العراقيين مواليدهم على تاريخ يوم الاحصاء)) وهذا غير صحيح لأن معظم الاحصاءات العراقية جرت يوم 15 تشرين الأول وليس في تموز... .
989 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع