زينب حفني
مع بدء شهر رمضان، تتسابق القنوات التلفزيونيّة لتقديم أطباق شهيّة من البرامج والمسلسلات لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين وبالتالي ترتفع نسبة الاعلانات التي تُدرُّ أموالاً هائلة على مالكيها. وتنقسم آراء الشارع دوماً ما بين فئة تُعبّر عن إعجابها بها، وأخرى تُهاجم محتواها كونها لا تُراعي حرمة الشهر ولا تحترم مشاعر الصائمين، وثالثة تُعلن مقاطعتها لها وتفرغها التام للعبادة.
من المسلسلات المصريّة التي أثارت جدلاً واسعا مسلسل «سرايا عابدين» وهذا يعود أولاً للدعاية الضخمة التي خُصصت له على مدار أسابيع وجعلت المشاهد العربي يترقّب عرضه بلهفة وفضول. الأمر الثاني استياء المثقفين المصريين من اختيار كاتبة كويتيّة لكتابة أحداث المسلسل من منطلق أن أهل مكة أدرى بشعابها، وخاصة أن المسلسل يتحدّث عن تاريخ مصر الحديثة التي تأسست على يد الوالي محمد علي، وعن حقبة مهمة تنحصر في سيرة الخديوي إسماعيل الذي قام إبّان عهده بعدد من الإصلاحات السياسيّة والإداريّة والاقتصاديّة.
إغفال أسماء مصرية لامعة لها خبرتها في هذا النوع من الكتابة، مثل الكاتبة لميس جابر التي كتبت قصّة الملك فاروق وحقق وقت عرضه نجاحاً ساحقاً يرسم علامة استفهام كبيرة عن سبب تجاهلها من جهة، واحتواء المسلسل منذ الحلقة الأولى على الكثير من المغالطات التاريخيّة من جهة ثانية، دفع عدداً من المثقفين المصريين إلى المطالبة برفع قضية على كاتبة العمل ومخرج المسلسل كونهما أظهرا الخديوي إسماعيل كزير نساء وبالتالي أساءا لتلك الحقبة المهمة في تاريخ بلادهم.
من وجهة نظري هناك مأخذ تُلام عليه الكاتبة هبة مشاري حمادة! فمن خلال متابعتي للمسلسل لاحظتُ تأثرها بمسلسل «حريم السلطان»، ومسلسل (THE TUDORS) الذي عرض سيرة حياة ملك إنجلترا هنري الخامس بإخراج رائع وجعله من أفضل المسلسلات الأجنبيّة التي تمَّ عرضها على قنوات «الشو تايم» بالسنوات العشر الأخيرة.
أنا لا يعنيني إن كتبت أحداث المسلسل مصرية أو من تحمل جنسية أخرى، فلو عدنا لصفحات التاريخ، سنجد أن الكثير من المستشرقين الغربيين الذي عاشوا في بلداننا العربيّة ووقعوا في عشق أرضها، كتب بعضهم عنها بإنصاف وحياديّة وتعدُّ كتبهم مرجعاً مهماً لكل باحث وراغب في التنقيب عن ماضي بلاده، وهناك من تغلّبت عنصريتهم عليهم ونظروا لمجتمعاتنا نظرة المستعمر الفوقيّة فقللوا من شأنها وشوّهوا الحقيقة!
المؤرخ والباحث المصري في تاريخ مصر الحديث د. ساجد فرج، رفض هو الآخر أن يكون اعتراضه نابعاً من كون كاتبة العمل غير مصرية، مؤكداً أن أفضل الباحثين في تاريخ مصر كانوا من المستشرقين الذين قدّموا نتائج علميّة وحقائق تاريخيّة ولم يقوموا بالاعتداء على تاريخ مصر.
كاتبة العمل بررت الإسقاطات التاريخيّة بالقول إنها لم تهتم بالتوثيق التاريخي وإنما بالدراما الدائرة خلف أسوار القصر، وهو ما جعل البعض يُعلّق على كلامها بأنه كان يجب عليها أن تكتب ذلك في مقدمة العمل بأن الأحداث من خيال مؤلفة العمل ولا تمت للواقع بصلة.
مجتمعاتنا معروف عنها المهارة بتعتيم كل شيء! وفي ثقافتنا تعودنا عندما نُمسك بخيوط شخصية ما، أن نُمزقها بوحشية ثم نُهيل التراب عليها غير آسفين! أو نحسب لورثتها ألف حساب ونقوم برفعها لمرتبة القديسين و«الملائكة» ونترك المشاهد المسكين يقع في الفخ مُصدقاً ما يراه على الشاشة أمامه!
ليس كل الناس من هواة قراءة التاريخ، وستخرج الأغلبية بانطباع راسخ عن شخصية الخديوي والمحيطين به مما تابعته في حلقات المسلسل. الفن رسالة مهمة وخطيرة وما يتم عرضه يرسخ سريعاً في أذهان الناس خاصة عندما يتعلّق الأمر بتاريخنا. احترموا عقلية المشاهد العربي.
701 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع