إبراهيم الزبيدي
تخولني معرفتي العميقة والدقيقة بالدكتور برهم صالح بالحديث عنه وعن مواهبه وكفاءاته وإخلاصه ووطنيته (العراقية) الصادقة التي لا تقل عن وطنيته (الكردستانية) عقلانية واعتدالا وموضوعية.
وفي آب/أغسطس من عام 2010 كتبت عنه أنه " سياسي عاقل، رائق، علماني، ديمقراطي، تكنوقراط، نظيف اليد والقلب واللسان. ومن عرفه عن قرب لابد أن يكون قد لمس عراقيته الصادقة". وقد أثبت الزمن أنه ما زال كذلك وأكثر.
رافقته أياما قليلة وهو رئيس وزراء، لا ينام إلا قليلا. ويسافر كثيرا. همه البناء والرخاء. ولأنه مسالم بطبعه، وغير مشاكس، فهو لا يتوقف عن إقامة جسور المودة والصداقة، أو ترميمها، بينه وبين مواطنيه، وبين (إقليمه) وشركائه في الوطن وجيران دولته العراقية الواحدة ودول العالم الأخرى، بلا كلل ولا ملل. لا يعاديه أحد، ولا يسعى لكسره أحد.
ورغم أن الطبخة الشائطة نفسها، بالتمام والكمال، ما تزال تدور علينا من أول سقوط نظام صدام وإلى اليوم، فقد حان أن يترجل الفاشلون ويتولى قيادتنا رجال من خامة كاكا برهم وأمثاله الكثرين.
وكان زلزال الموصل على أيدي حثالت داعش، ومن لف لفها، جديرا بإشعال الغيرة والشهامة والوطنية، ويجعل السياسيين المتصدرين للقيادة، شيعة وسنة، عربا وكوردا، يرمون جميع مصالح أحزابهم وعوائلهم وأبنائهم في أقرب سلة مهملات، ويجتمعون على الفور لبحث هذه المهزلة وأسبابها، ويتفقون على أقصر الطرق وأفضلها وأسرعها لانتشال الوطن من هذه الورطة المقيتة.
وكان أول ما انتظره شعبنا أن يبادر القائد المقصر والمسيء والفاسد والغبي إلى الاستقالة، على الفور، ,ان يعتذر لشعبه ويغادر السفينة، وأن يسارع الوطن كله إلى اختيار قيادة جديدة صادقة شريفة شجاعة نزيهة تدير الأزمة وتقلب الموازين وتحشد الناس جميعا وراءها ووراء جيشها وأمنها وشرطتها لإعادة الهيبة لهذه الدولة العزيزة دون إبطاء ولا جدال ولا محاصصة ولا نزاعات طائفية وحزبية وشخصية معيبة.
ولكن الذي حدث أن المسؤول الأول عن هذه المصيبة لم يستقل، ولا يريد أن يستقيل، بل ما زال مصرا على نفس ونفس خطابه وعدوانيته وطائفيته وغبائه الذي مزق الوطن وقربه من الضياع.
وفي عز هذه المحرقة ما زلنا ندور في نفس الساقية، وما زلنا نقبل أيدي نفس السياسين ذوي الوجوه المملة العقيمة الذين صنعوا المشكلة لكي يبحثوا لنا عن حلول. وكأن العراق عقم ولم يعد فيه، سواهم، رجال مخلصون وصادقون وأصحاب خبرة وكفاءة وعلم وديمقراطيون بحق وحقيقة ليتولوا قيادتنا في هذه الأيام السوداء الخانقة، وإخراجنا من هذه المسخرة.
لم يكن على السياسيين جميعا، عربا وكوردا، شيعة وسنة، أن يبُقوا مراكز القيادة أسيرة المحاصصات الطائفية والعرقية والمناطقية، فيصبح (مقام) رئيس الجمهورية موضع سمسرة وصفقات ومجادلات، ويبقى أسير حزب من الأحزاب وقبيلة من القبائل، ويصير في إمكان شخص واحد أن يمنع الأصلح الوحيد لا لرئاسة الجمهورية بل لرئاسة الوزراء أيضا كالدكتور برهم صالح من أخذ مكانه المناسب.
ولا أشك في أنه سيتخطى العوائق العابرة، ويصبح رئيسا لجمهورية العراق، ولكن.
لقد افرغ الإحتلالان، الأمريكي والإيراني، منصب رئيس الجمهورية من كثير من وهجه وقوته وفاعليته وهيبته. ولكنني واثق من أن كياسة برهم صالح وقوة عزيمته وعمق ثقافته وصلابة شخصيته كفيلة بأن تحرر كرسي الرئاسة من قيوده، وأن تخرجه من سكونه وسكوته. وبلا أي شك فإن كاكا برهم سيكون رئيسا لكل العراقيين، وفاعلا وقادرا على ضبط الكثير من شطط الحكومة والبرلمان، وإعانتهما على فعل الخير والصواب.
ورغم أن كاكا برهم سيتولى الرئاسة في منعطف تاريخي صعب، وفي ظروف غير هادئة وغير آمنة، تحد من قدرته على العمل القيادي الكامل في خدمة شعبه إلا أن أحدا لا يشك في أن القليل الذي يتيحه الوطن لكاكا برهم أفضل من الصبر على الفاشلين والأميين والفاسدين، وأشرف كثيرا من البكاء والشكوى من الزمن الرديء.
297 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع