جابر رسول الجابري
باديء ذي بدءٍ لابد لنا من أن نتعرف على معنى كلمة الدين سواء كانت هذه المعرفة لغوية او نابعة من تاويل مصدرها ,
(دان له او يدين له) هي افعال لغوية ( لغة العرب ) وتعني (اطاعه) او ( يطيعه ) , قال الشاعر عمرو بن كلثوم ( عصينا الملك فيها ان ندينا ---- وايام لنا ولهم طوال ), ومن تلك الافعال اشتقت كلمة الدين ( الطاعة ) او الديان (المطاع ) او المدان (المطيع او المنقاد ذليلا ) , قال ذي الاصبع (عني ولا انت دياني فتخزوني .... لاه ابن عمك لا افضلت في حسب ) اي بمعنى ولا انت مالك امري فتسوسني , والدين هو حدث حيث لابد من ارتباطه بصفة او اسم كقولك دين الله او دين الاسلام او دين النصارى....الخ, ولان الدين هونقطة ارتباط فكرية وعقلية أي عقيدة معرفية فسوف يكون عبارة عن معلومات ومنهج فكري وبمثابة حلقة الوصل بينالمتدين ( المطيع او العابد ) وبين الديان (المطاع اوالمعبود) , كما وان الدين هو صفة دالة للسلوك الإنساني العاطفي الموصوف بالخير مثلا سلوك الرحمة والعطف والبر والمحبة والسلام ومساعدة الناس فيوصف بانه سلوك ديني لان الديان اطلق على نفسه تلك الصفات النبيلة مثلا ( السلام المؤمن الرحيم الكريم الودود البر التواب الغفور اللطيف .....الخ من الصفات المفعمة بالافعال الحسنة ) تلكالصفات يؤجر فاعلها ان تمثل بها ويوصف بالمتدين ويحاسب الغافل عن فعلها ولا يوصف بالمتدين , أما الصفات التي تظهر القوة أو التسلط او الحكم والسلطان مثل ( الجبار المتكبر الباريء الخالق المصور الشديد القوي ... الخ ) وهي اسماء وصفات لايؤجر من يعمل بها بل يحاسب لأنها من فقط من اختصاص الخالق ولا يسمح للمخلوق ان يتحلى بها ,
والدين هو منهج فكري يحتوي على براهين وحدود ومقاييس ومعايير تتيح للمتدين أن يصحح سلوكه وصولا الى السلوك الامثل والمقبول عند الديان , ولان الفكر هو المسؤول عن توجيه السلوك أو تصحيح مساره( أفلا تتفكرون ... ألم تر ... الرؤية تعني رؤية الفكر وليست البصر ... ألم ترَ كيف فعل ربك باصحاب الفيل .... حيث أن الرسول (ص ) لم يشاهد اصحاب الفيل بل قص الناس عليه اثرهم ) فلذلك لابد من تهذيب الفكر أولا ليتم تهذيب السلوك وهو المنشود ( أن الدين عند الله الاسلام ... ان الدين معاملة ) أي ان الدين فعل حسن مع الناس ,
الدين الاسلامي كدين لا يختلف من حيث المبدأ والمعنى عن بقية الاديان الانسانية كمنهج فكري الا انه يختلف في تسمية وتوصيفالديان والاعتراف بصفاته التي اسلفنا شرحها , اما كلمة الاسلام فهي تسمية تطلق على العلاقة المنهجية الفكرية بين الانسان كتابععابد من جهة وبين الله الديان كخالق معبود من جهة اخرى (لغويا مستمدة من التسليم وتعني الانقياد والقبول فعند قولك ,,,, اسلمت امري اليك اي قبلت بما تحكم انت وتأمر به ) أي القبول بحكم وتقديرالخالق والرضوخ لمشيئته , هذا المنهج الفكري قسم منه سلوك غيبي غير ملموس انما هو مدرك استنتاجي عقلي تم ادراكه عن طريقالاستنتاج من خلال سلوكيات ظواهر ودلالات مادية محسوسة تمكن المستنتج من ادراك حقيقة الوجود ومساره وحقيقة الخالق والمخلوق (,,,,افلا تعقلون ,,,,افلا تدركون ,,,, افلا تبصرون ,,,,) اي يعتمد على ما قبلها من إستنتاج , ان هيكلية الدين الاسلامي ترتكز على ثلاثأعمدة فكرية وهي مترابطة ومتصلة مع بعضها البعض , وأن أول تلكالأعمدة هو الاس والثوابت الرئيسية لمعنى الدين والتي أسموها باصول الدين , والعمود الثاني هوالمنهج السلوكي وهو العقدة الرابطة مع المنهج الفكري وأطلقت عليه تسمية فروع الدين , اما العمودالثالث فهو مقياس ومعيار وجود العمود الثاني وهو عبارة عن نسيج يتكون من ضوابط وحدود واحكام ومعايير تحدد اتجاه ومسار سلوك المتدين وكمقياس للمتدين يقيم فيه مسار سلوكه وهو ما يطلق عليه بالاحكام والحدود الشرعية ,
اما مراحل الانتماء للدين الاسلامي فهي ثلاث مراحل , تعتبر المرحلة الاولى فكرية بحتة حيث يكون الايمان بالعمود الاول ( اصول الدين )كمنفذ للحصول على صفة الانتماء للدين لكن تلك القناعة الفكرية يتم استدلالها عن طريق السلوك وهو النطق اعترافا بوحدانية الله ورسالته ( الشهادتين ) , ثم يتجه فورا للانتقال الى المرحلة الثانية التي هي منهج سلوكي بحت فيؤدي السلوكيات التي تربطه بالمرحلة الاولى ( أداء الصلاة وصوم رمضان وايضا الحج والزكاة على المقدرة ) حينهايكتسب المتدين صفة المؤمن حيث وردت تلك التسميات من الذكر الحكيم ( ....قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا .... ) , المرحلة الثالثة وهي اعلى مراحل الارتباط العقيدي فيوصف فيهاالمسلم المؤمن بالمطمئن كما وردت في القرآن الكريم (قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) حيث تحصل وتتضح الرؤية الفكرية ,
الاحكام والحدود الشرعية ما هي الا مقياس للعابد المؤمن في توجيه سلوكه الحسن نحو قبولية المعبود بها وهو مقياس فقهي بحت ومشروط يستند الى الاستنتاج في ايجاد الحلول والمقاييس ولا علاقة لهابزيادة او نقصان التقييم والقبول لسلوكيات انسانية محددة والفصل فيها يعتمد على المحاسب الخالق لا غير او هناك تخويل ( انما عليك البلاغ وعلينا الحساب ), ولهذا اختلف الفقهاء فيها لكن اسسها واضحة فالحلال بين والحرام بين غير ان الطوائف والملل الاسلاميةاعتبرتها مطية الوصول الى الدين كل حسب ما يراه ومن يخالفهم في رؤياهم فهو خارج عن الدين ولهذا تكفر الطوائف والملل احداها الاخرى بالرغم من انهم كلهم يحملون صفة المسلم الا انهم تخلوا عنالتمثل بالصفات النبيلة التي هي اساس الدين وراحوا يتمثلون بصفات الطاغوت والسلطة والجبروت التي هي فقط صفة يكره الخالق ان يتصف بها غيره فاصبح المسلم يقتل باسم الله ويهتك العرض ويسرق ويهجرالناس ويفسد باسم الله ظنا منه انه مخول بالحكم والحساب وان افعاله مباحة حسب منظوره ونسوا حظا مما ذكروا به ونسوا ان الرسول لم يبيح لنفسه الحكم الا مجبرا كما حدث مثلا في اعتراف الزاني والحاحه بالقصاص وتهرب الرسول (ص) من تنفيذ الحكم , وفي الاخير ان كل فعل وسلوك لا يتطابق مع الصفات النبيلةالتي ذكرها الله لا ينتمي مطلقا للدين سواء كان ذلك السلوك من شيعي ام سني ام سلفي ام داعشي وان الدين منه براء ولا ينتمي الى الله .
بيرمنجهام - المملكة المتحدة
23 تموز عام 2014
630 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع