حلو الفرهود لو يصير يومية

                                         

بقلم : د. حبيب تومي / اوسلو
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

كان عنوان المقال بالأمس الفرهود اليهودي واليوم الفرهود المسيحي والحبل على الجرار ، لكن ارتأيت ان اضع احد الأهازيج الشعبية عنواناً للمقال والذي يعني : كم هو الجميل الفرهود حبذا لو يتكرر يومياً .

في الحقيقة لا نريد الكتابة في مثل هذه المواضيع التي تدمي القلب قبل العين ، إنها نقاط معتمة من سلوك الأنسان اتجاه اخيه الإنسان ، لكن حجم الماساة والظلم الذي يتعرض له المسيحيون والمكونات الأخرى من اتباع الديانات الأخرى غير المسلمة ، تحرك المشاعر ولا تقبل السكوت ، يقول نابليون :
 العالم يعاني كثيراً ليس بسبب ظلم الأشرار ، لكن بسبب صمت الأخيار .
اجل ان اضعف الأيمان هو التعبير بشتى الطرق عن الأحتجاج واستنكار الظلم والقهر والقمع والتهجير القسري ، والفصل العنصري الديني  الذي يتعرض له شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن وبقية المكونات غير الإسلامية في بلد اسمه العراق .
في الحقيقة إن ثقافة الفرهود اي النهب والسلب كانت دائماً قائمة ، لكن اشير اليها دائماً على انها من الشرور ، وقد اعطي لهذا النهب والسلب اسماء اخرى لتصبح عمليات مقبولة شرعية ، فالعرب قبل الإسلام رغم ان جواً من حرية الفكر والمعتقد الديني كان سائداً في جزيرتهم قبل مجئ الإسلام ، حيث كان المسيحية واليهودية وعابدي الأصنام والأوثان يتعايشون جنباً الى جنب بوئام وسلام الى مجئ الإسلام ، حيث وضع حد للتعددية الدينية وفرض الدين الواحد في جزيرة العرب .
المهم ان طبيعة النهب والسلب كانت قائمة في المجتمع العربي قبل الإسلام لشن غزوات فردية وعشائرية ضد بعضهم البعض ، بغية تحقيق بعض المكاسب المادية عن طريق المباغتة والغزو . وهذا الفكرة تطورت بعد الإسلام تحت مسمى الغنائم لتتطور وتتوسع لتشمل النساء والأطفال والرجال إضافة الى النقود ومصوغات الذهب وغيره . وهذه الثقافة ظلت قائمة على مدى عصور ، كانت على شكل فتوحات إسلامية ، واليوم تحاول دولة الخلافة الإسلامية داعش تطبيق هذه النظرية بحق الناس المسالمين العزل من المسيحيين ومن غيرهم من اتباع الأديان الأخرى غير الإسلامية في الوطن العراقي .
قرأنا الكثير عن الفرهود اليهودي الذي وقعت احداثه الرهيبة يومي الأول والثاني من حزيران عام 1941 ، وكانت تلك الأحداث نتيجة احداث سياسية لا مجال لذكرها ، افرزت فراغ امني جرى استغلالها من قبل تلك المجاميع للهجوم على المكون اليهودي و( فرهدة ) ممتلكاتهم

وشن حملة تنكيل ونهب وسلب ضد المكون اليهودي الأصيل الذي يعود تاريخه العراقي 2500 سنة ومنذ سقوط الدولة الكلدانية ، حيث تعاقب على حكم بلاد ما بين النهرين عهود : الفرس واليونان والساسانيون ثم الأحتلال او الفتح الإسلامي والدولة العباسية والمغول والتركمان والصفويون والأتراك ، والأحتلال البريطاني ، والعهد الملكي حيث جرى تسفير اليهود عام 1950 وكان يبلغ تعداد اليهود منتصف القرن العشرين ( قبل التسفير ) اكثر من 180 الف نسمة معظمهم في بغداد ( مير بصري ـ يهود العراق ). وفي يومها يتغنى الشعراء بالتعايش والتسامح بين الأديان ، فيقول الشاعر جميل صدقي الزهاوي :
عاش النصارى واليهود ببقعة               والمسلمون جميهم اخوانا
لقد كتب الكثيرون عن ذلك الحدث الرهيب ونتائجه ونقتبس من إعداد مازن لطيف في :
التاريخ المنسي ليهود العراق المستدرك من ذكريات انور شاؤل ، دار ميزوبوتاميا ، سنة 2013 بغداد ص54 :
( .. تعرض المواطنون اليهود الى ملاحقات ومضايقات واعتداءات لم يسبق لها مثيل انتهت بتلك المجزرة الرهيبة في 1 و2 حزيران 1941 التي ذهب ضحيتها من اليهود ، حسب الإحصائيات التي توفرت في حينه ، 179 قتيلاً و2118 جريحاً ، وبلغ عدد ما نهب من الدور 1000 بيت ، ومن الحوانيت 2500 حانوت ... اما عدد الأشخاص الذين تضرروا نتيجة النهب فقد بلغ 40 الف متضرر .
 لقد شاعت في تلك الفترة بين العوام المستفيدين من هذه الظروف ذهنية الفرهو د وسلب اموال الناس فقد وردت اهازيج ومنها :
حلو الفرهود لو يصير يومية التي وضعها عنواناً للمقال واهزوجة اخرى بنفس المعنى :
الله اشحلو الفرهود يا إسلام       يا ريتة يعود كل سنة وكل عام .
نعم هكذا عاد الفرهود بعد 73 سنة اي 2014  في مدينة الموصل ، وكان الدور من حصة المسيحيين هذه المرة ولم يكن بتلك الفوضى التي تم في عام 1941 بل كان مدروساً هذه المرة وتم على يد قوات الدولة الإسلامية او ما عرف بداعش التي باتت تسيطر على مناطق واسعة وسط وشمالي العراق .
مدينة الموصل اليوم تعيش ايام الفرهود ، إن كانت داعش لا تفتك بالمسيحيين فإنها تجردهم من املاكهم ومقتنياتهم وكرامتهم وتفرض عليهم الهجرة القسرية كبديلاً لإبقائهم على دينهم وعدم فرض الجزية عليهم . في الموصل قصص مؤلمة مليئة بالخوف والأنكسار والعبثية والأستهتار بإنسانية الأنسان وكرامته وحقه في الحياة والتملك وحرية المعتقد .
بعد الأستيلاء على بيوت المسيحيين وكل ما داخل البيت من اثاث وملابس ومقتنيات كانت الحملات السرقة واللصوصية تكمل فصولها في في نقاط السيطرة ، وفي الوقت الذي ينبغي ان تكون تلك النقاط ( السيطرة ) مكان لحفظ امن المسافرين لكي لا يتعرضوا للاعتداء والسرقة في الطريق ، فإن افراد السيطرة نفسها يقومون بإعمال اللصوصية والسرقة تماماً كأي قاطع طريق ، ولكن هنا اللصوصية تكون مغلفة بالإطار الديني ، فكل ما يملك هؤلاء المساكين من نقود إن كانت دولارات او دنانير عراقية ومن مصوغات ذهبية حتى خاتم الزواج وموبايلات وباسيكلات اطفال وزجاجات حليب الأطفال وأدوية مرضى القلب ، وبعد كل ذلك سيارة العائلة ، اجل السيارة مهمة  فجميع هذه هي من ممتلكات الدولة الأسلامية عليهم تركها في السيطرة ، وعلى رب العائلة وبرفقة عائلته ترك كل ذلك والترجل مع افراد عائلته حيث يشاء ودون اعترض ، إنهم يطبقون شريعة الله .

دير مار بهنام
نحن لا نتطرق هنا الى الهيمنة على الأديرة والكنائس والعبث بمحتوياتها التاريخية وقدسيتها الدينية منها دير مار بهنام قرب بغديدا ودير ماركيوركيس في الموصل ودير مارميخائيل الكبير التاريخي في الموصل وغيرها من الأديرة والكنائس ، فكانت هناك ناحية اجتماعية تناقض ناموس الحياة في كل المذاهب والأديان والأعراف والقيم الأجتماعية في كل المجتمعات البشرية ، وهي وقوف الجار مع جاره اوقات الشدة والمحن ، ورغم سماعنا لبعض القصص بوقوف الجار المسلم مع الجار اليهودي في الفرهود الأول وفي الفرهود الثاني الذي كان مع المكون المسيحي ، إلا ان الجار المسلم بشكل عام كان الصمت المطبق يلفه حين الأعتداء على جاره المسيحي ، بل يكون هو الدليل للايقاع بجاره المسيحي . وهنا اقتبس فقرة من مقال سوسن الأبطح في الشرق الأوسط بتاريخ 27 /07 تكتب :
«داعش» ليس تنظيما أرعن، يوزع الموت والخراب في صحراء معزولة، لولا البيئات الحاضنة والسكوت المطبق، وأحيانا الدعم المحلي. أحد الفارين من الموصل يبكي قهرا أمام الكاميرا وهو يتحدث عن جيرانه الذين فرحوا بنبأ إخلاء المنزل: «أسعدهم أن يستولوا على بيتنا». كاتب من الموصل سطر رسالة مبكية يخاطب فيها المسلمين قائلا:
«نغادر الموصل مطرودين وقد أذلنا حاملو راية الإسلام الجديد، نغادرها لأول مرة في التاريخ، لا بد لنا أن نقدم شكرنا لأهلنا فيها، الذين كنا نعتقد أنهم سيحموننا كما كانوا يفعلون، وسيقفون بوجه عتاة مجرمي القرن الحادي والعشرين ويقولون لهم إن هؤلاء هم الأصلاء وهم الذين أسسوا هذه المدينة. كنا نطمئن النفس في أن لنا جارا عزيزا، وابن محلة شهما، وإخوانا تبرز أخلاقهم يوم الشدة... لكننا خُذلنا».
وهناك قصص كثيرة سمعناها لا مجال للتطرق اليها حيث تدل على معنى التفرقة الدينية بأبشع صورها ، وهذا يذكرني بالفصل العنصري الذي كان سارياً في جنوب افريقيا ، فأثناء عملي البحري حيث عطلت باخرتنا  قبالة سواحل مدينة كيبت تاون التابعة لجنوب افريقيا ، المهم في القصة اننا طاقم الباخرة نزلنا الى المدينة ونحن مجموعة اردنا دخول احد البنوك فلاحظنا اعتراض الشرطي امام الباب على احد بحارتنا واسمه حسين ، حيث كانت بشرته سمراء الى مائلة الى السواد ، فأخذت أجادله بأننا عراقيين وهذا عراقي ، وبعد إصرارنا وأخذ ورد سمح للبحار حسين بالدخول الى البنك الذي لا يسمح للسود بالدخول فيه .  
تتعرض الاقليات من مسيحيين وغيرهم للاضطهاد على ايدي "الدولة الاسلامية"

ونقرأ عن حوادث مماثلة في اواخر الأربعينات من القرن الماضي بأن نلسون مانديلا كان يسافر برفقة ثلاثة من اصدقائه الهنود الملونين الذين كان يسمح لهم بالركوب في نفس الترام مع المواطنين البيض على يجلسوا في الدور الأعلى من القسم الخلفي للترام ، اما المواطنين السود فكان لهم ترام مستقل لهم يتوقف تشغيله ليلاً . لقد حاول جابي التذاكر ان يطردهم من الترام مخاطباً العمال الملونين الهنود  : القانون لا يسمح لكم باصطحاب شخص زنجي حيث لا يمكن لأي شخص ان يفعل ذلك سوى المواطنين البيض فقط .
طبعاً هذه تصرفات مشينة قد مضى زمنها ، ولكن يبدو ان الفصل العنصري الديني هو اشد قسوة وظلماً من الفصل العنصري على اساس بشرة الوجه ، والعجيب كل العالم كان يستنكر تلك التفرقة العنصرية ولا احد يستنكر ويشجب الفصل العنصري الديني الذي نعاني منه .
بقي ان نقول ما يخص موضوعنا إن فرهود الأمس كان جلياً واضحاً من يقوم به من العامة المسلحين بالسلاح الأبيض ، وإن من يقوم بفرهود اليوم هم نفس العامة لكنهم يحملون الأسلحة المتطورة الحديثة ، ويقومون بتلك الأفعال تحت برقع داعش ، ولو كشفنا عن هذا البرقع سيظهرون العامة أنفسهم فداعش ليسوا مقطوعين من شجرة وليسوا تنظيم منبوذ إنما هو تنظيم مرحب به في بيئة الموصل المجتمعية ، وإن البيوت التي صودرت من المسيحيين ستكون من الغنائم لأهل الموصل من الدواعش .
نعم المسيحيون بحاجة الى حماية دولية وإلا سيكون مصيرهم في حكم المنتهي ما دامت عقلية الفرهود ( الغنائم ) هي السائدة في هذا المجتمع .
ودمتم بخير
د. حبيب تومي / اوسلو في 28 / 07 / 2014

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

622 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع