لماذا التحرش الجنسـي؟

                                         

                 بقلم الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر

        أستاذ جامعات بغداد  والفاتح و صفاقس / سابقاً

                

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التحرش الجنسي في عدد من الأقطار العربية وخاصة عندما يستخدم المتحرش العنف في أشباع نزواته ، والتي قد تسبب انهيارالحالة النفسية للضحية  أوعاهة جســدية  أو الأغتيال من أجل طمرآثار الجريمة ، وخاصة عندما تكون الضحية على علم بهوية الجلاد!, وقد كتب موقع راديو سوا في 6/ 18 /14
حدثت أكثر من جريمة لتحرشات  جنسية هزت الشارع المصري ولا تزال ردود أفعالها تتوالى على حادثة الاعتداء على صحافية في ميدان التحرير خلال الاحتفالات بتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد، وقد  نـشـرعلى مواقع التواصل مقطع فيديو لواقعة تحرش جديدة ، وآخر لاعتداء ضابط على سيدة،وآخر عن حادثة تناوب 10 مراهقين على اغتصاب مراهقة !  
موضوع التحرش الجنسي ليس بالسهل، أذا ما أراد الباحث التحدث عنه بأسهاب، لأنه يختلف وفق الجغرافية والوازع الديني والأجتماعي وقوة السلطة في المجتمع،.. كما أنه مرتبط بالمستوى المهني والأجتماعي للطرفين ،  فيتحمل الضعيف الضرر، ويحاول ألتسترعلى ما أصابه ، حتى لا تتفاقم المشكلة وتصل الى العائلة !
عُرفَ التحرش الجنسـي في الموسوعة الحرة، على أنه مضايقة او فعل غير مبرر  وغير مرغوب فيه من جنـس على الجنـس الآخر، يظهر بهيئة أنتهاكات قد تتطور الى مضايقات اكثرعُـنفاً تتضمن ألفاضاً جنسية غيرلائقة, او قل أباحية,.. ولذا أعتبر التحرش عملاً مشيناً غير مباح في كل القوانين والأعراف الدولية, .. لأنه يسبب الأذى الجنــسي والنفــسي للضحية!
كما عَرفَ المركز المصري لحقوق المراة ،..على انه :
" كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو يعطيها أحساساً بعدم الأمان"، وانني أؤكد كشاهد عيان ان التحرش قد يكون من الأنثى وقد يصل الى حالة الأجرام!
وخير شاهد على ذلك قصة سيدنا يوسف عليه السلام لما راودت أزليخه أمرأة العزيز فتاها عن نفسه، وأبى أن يستجيب لها!
كما ذكر(فرويد، عالم الجنس),أن استخدام سطوة الرجل في ممارسة الجنس بالأكراه أي من دون رغبة الأنثى، حتى لو كانت زوجته ، يُعتبرأغتصاب ، وهو شكل من أشكال العُنف النفسي .. يوسم به الشخص الذي يجبرغيره بتلبية رغباته ، فيـسبب صدمة نفسية قد تؤدي الى القلق او الأكتئاب !
رغبت في تدوين ما تسببه هذه الظاهرة من بلاء، حيث سجلت مشاهداتي ودونت العديد من القصص التي كانت تنشرها الصحف والمواقع الألكترونية التي يتقزز منها الأنسان السوي .. كما دونت الكثير من الملاحظات كشاهد عيان عند تجولي كسائح أومقيم في عدة أقطارعربية ، وما تنشره الفضائيات عن التحرش في الأقطارالأجنبية ,
 ووجدت أن من أصعب المتاعب التي يعانيها الكاتب تحدث عندما يتطرق لموضوع يمـس الجنـس في المجتمعات الأسلامية والعربية, حيث يعتبرها البعض,.. أن  الكاتب يقدم لقمة سائغة للأعداء حتى يشمتوا فينا ويعيبون علينا حياتنا،..  ولذا نجد انتشار كتاب مقالات َجلد الذات، من دون تقديم اية وصفة مُجدية لحل المشكلة التي يطرحونها ومثلهم مثل الطبيب الذي يشخص المرض ولا يصف العلاج!
كافة المجتمعات منذ فجر التاريخ الى يومنا هذا فيها الحسن والقبيح!،ومن لم يستوعب ذلك عليه بقراءة الكتب التاريخية التي تتحدث عن تسلط الحكام المستبدين على الرعية، وقد شـاهدنا أمثلة على ذلك في المسلسلات التركية مثل حريم السلطان أو فاطمة عندما كانت تتحرش بأبن زوجها بالتبني بطريقة يحرمها العرف والدين  !
لا أريد أن أسرد العديد من الأمثلة حتى لا أبتعد عن الموضوع .. . وسأسرد حادثة مؤلمة وقعت مع معلمي المدرسة الأبتدائية الغريب في ناحية (.....)، فقد كان يمر ظهر كل يوم على أمرأة خبازة تقطن مع ابنتيها في أحد الأحياء الشعبية .. ليشتري منها الخبز الحار! .. ومن سوء حظه أن الخبازة أصابتها وعكة في أحد الأيام, ولم تكن قادرة على تسليم الأستاذ أرغفه الخبز، ولذا طلبت من أبنتها المراهقة بتســليم الخبز للمعلم من وراء الباب!،حتى لا يشاهدها أحد المارة، الا أن جينات الأنوثة تفجرت او قل هاجت، وأطلت البنت بكامل تضـاريـس جسدها الثائر!, فبادلها المعلم الأعجاب، وأستلم منها الخبزبأمتنان وبعبارات منمقة هزت أشجانها، وراح يردد بصمت أغنية المرحوم ناظم الغزالي :

يم العيون السود ما جوزن أنا
خدك القيمر أنا أتريق مـــــــنه ...
لابسة الفستان وقاتلتني أنـــــــا
حلوة مشيتها تتمشي برهدلــــه
لو تحب خادم خادمـــــــــها أنا
لكنس الموقد وأعوف الزنــكلة
واقفه بالباب تصرخ يا لطيـف
لاني مجنونه ولا عقلي سخيف
من وراء التنور تناوشني الرغيف
يا رغيف الحلو يكفينــــــــي سنة 

                       

ومن سوء حظه أن يمُر في تلك اللحظة أحد أبناء المحلة ،.. و تقع عينه على المعلم وهو (يتناوش) أي يستلم أرغفة الخبز الحار بنار التنور ونار عيونها, .. ويستنكرهذا المشهد المعيب, وينتشرالخبر في ارجاء المدينة مؤطراً بأشاعة قذرة حول علاقة سرية بين المعلم والخبازة للتمهيد لصفقة زواج أبنتها من المعلم, ولهذا هرع أصدقاؤه لتسـفيره من المدينة ، لأن المرأة الخبازة هي طليقة أحد شيوخ العشائر المحيطة بالمدينة والبنت تعتبرعُرفاً خطيبة لأحد أبناء عمومتها، وأذا ما وصل الخبرالى شيخ القبيلة، فسوف يأمر أولاده بقتلها لغسل العار!،..  وأستباحة دم المعلم ! ، ولذا  طلب منه الأصدقاء بمغادرة المدينة,.. وتم تسفيره بصورة سـرية ليلاً, ووصل الخبر الى الأم ولجأت وأبنتها الى دار (مختار المدينة), من أجل حمايتها وابنتها من القتل، وهذا مايعرف بـ (الدخيل)، ولكن ولسوء حظ البنت عثرت أحدى الفتيات من الجيران على كراستها  المدرسية, وراحت تتصفحها, وكان مكتوباً في أحد صفحاتها بيت شعر:
ياعتبة التنور صيري مشـوفه =
                         كل الهموم تزول ولفي من أشـوفه
المشوفه = المرآة / ولفي = حبيبي
وعلى أية حال, شاء القدر أن تصل الكراسة الى أحد أبناء عم أبنة الخبازة, وصار بيت الشعر دليلاً تفوح منه رائحة العلاقة الغرامية المحرمة في عرف القبيلة, وهكذا قضي الأمر وتمكن أثنان من ابناء العم من قتل الأم والبنت ، .. وكنت شاهد عيان لجنازتهن أثناء وضعهاعلى سطح سيارة الأجرة (التكسي),.. ومغادرتها من أمام دار المختار متوجهة الى مركز اللواء (المحافظة)، لأجراء فحص الطب العدلي، وبعد أيام تبين أن البنت لم يمسها بشر، أي (بُاكر)،..  و راحت الأم وابنتها ضحية التحرش الجنسي,.. حيث أعتبرتصرف ذلك المعلم جريمة وعملا مخلا بالـشرف بعرف القبيلة آنذاك!

      

في العطلة الربيعية لسنة 1961 , اشتقت لزيارة الأهل والتقيت بكل زملاء الطفولة، وغاب عن الجمع واحداً ممن كنت بعلاقة حميمة معه, منذ الأبتدائية, ولما سألت عنه, قيل لي أنه مشلول!,  فصممت على زيارته ،.. وبانت على وجهة الفرحة,  وبطريقة الأشارة راح يسرد قصته .. ألا أنني لم أفهمها بصورة واضحة, ولما خرجت حدثني قريب له عن النكبات التي ألمت به ,.. وما حدث لزوجته عندما تحرش بها رجال الأمن, ودافعت عن نفسها، وكادت أن تقتل من هَمَ بأغتصابها، فتعرضت لأبشع العقوبات!،.. وقد وصف تلك  القصة الشاعر(أمحيسن) ببعض الأبيات التالية :
سمعت ليلاً عواءاً للكلاب  = وطرقاً على الباب .. بلا هواده
فخرجت بملابس النوم مذعورة = وفتحتُ الباب من دون أرادة
وأذا بزمرة الرفاق تطوقني= وقالوا اركعي لأصحاب السيادة
 ونادي على زوجك بسرعة = فأشرت لمشـلول راقداً على السجادة
فشعرتُ بلطمة على خدي = وطرحتُ أرضاً بلا وسادة
وهم بقوة لمضاجعتي فأبيتُ = وصرختُ بعبارات العبادة
وبقوة الحق رجمتُ الزاني بصخرة = وراح يزحف، كالجرادة !


   

خلاصة هذا الموضوع ان" التحرش الجنسي" ليس معناه ان يكون الجلاد رجلاً والضحية أنثى، وانما العكس صحيح، والروايات التي سمعتها وشاهدتها وقرأت عنها تحتاج الى كتيب لأدون فيها كل حدوثات ظاهرة التحرش , كما في قصة  بائع الخُمُر ( جمع خمار ) السـود,الذي باع جميع ألوان الخٌمُر إلا الخُمُر ذات الألوان السوداء فظل حزينًا ورآه أحد الشعراء فسأله ما بالك حزينًا فشرح قصته أن بيعه لم يربح منه بسبب عدم بيع الخٌمُر السود فقال له سأعطيك هذه الأبيات وأنشد بها فى السوق وسترى ما يحدث وكانت الأبيات على النحو التالي:

                        

قل للمليحة ذات الخمار الأسود  
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبــــــــد ِ
قد كان شمّر للصلاة ثيابــــــه
حتى وقفت ِ له بباب المسجدِ
ردي عليه صلاته وصيامـــــه
لا تقتليه بحق رب محمـــــــد ِ

فأنشدها فسمعها الرجال واخبروا نساءهم فى البيوت بتلك الأغنية التي تردد فـتـُعجب النساء,.. فبيعت جميع تلك الخٌمُر للجميع  لـشدة تأثير الخمار على العابد !   
أما حوادث "الأغتصاب الجنسي" فهي جرائم بكل معنى الكلمة، وفي الجعبة قصصاً يقشعر البدن منها حدثت في الدول التي أقمت بها ، ومافيش حَد أحسن من حَد!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

704 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع