د. مؤيد عبد الستار
في مسار جديد للعملية السياسية في العراق ، طويت صفحة دورتين لرئاسة الوزراء وسط خلاف حول تسنم الدورة الثالثة التي عارضتها القوى السياسية والاقليمية والدولية ، وفي هذا الاعتراض دلالة على عدم ملائمة التشبث بالسلطة ، خوف نشوء دكتاتورية جديدة على انقاض الدكتاتوريات المعهودة في الشرق الاوسط واشهرها دكتاتورية صدام المتخلفة .
اثر هذه المماطلة المريرة تسنم السيد حيدر العبادي مهمة تأليف الوزارة الجديدة ، وعليه ان يتقدم بها لمجلس النواب خلال ثلاثين يوما.
ولا بأس ان نذكر ان الشهر الموعود لتأليف الوزارة يعد مدة طويلة قياسا بزمن تأليف الوزارات في العهود السابقة ، يوم كانت الوزارة تؤلف خلال ساعات ، ليصدر بيان مجلس قيادة الثورة يعلن تسمية السادة ووزاراتهم وهم لا يعلمون شيئا عنها ، بل ربما يكونون غارقين في مخادع النوم لينهضوا مذعورين عند سماع تكليفهم من الاذاعة .
المهمة الاولى امام السيد حيدر العبادي في تأليف الوزارة كونه من ابناء بغداد ، ومن عائلة علمية ، فقد كان ابوه طبيبا معروفا ببغداد ، وهو من خريجي الاعدادية المركزية في السبعينات ، واذكر يوم كنت طالبا فيها في الستينات ، يوم كانت لها مكانة مرموقة بين الثانويات ، لما لاساتذتها وادارتها من كفاءة مشهودة - تراجعت بعد تسلط البعث الصدامي الذي لم يترك للاساتذه مكانة واحتراما يستحقونها الا وبهذله عمدا وقصدا .
كانت الاعدادية المركزية امنية الطلبة الراغبين في تحصيل دراسي علمي مكين ، فكان مدرسنا في علوم المثلثات الاستاذ القدير محي الحسيني الذي كان يقدم المحاضرات في التلفزيون لعموم طلبة العراق ، واذكر سألته متذمرا من تعقيد درس المثلثات الذي كان يشرحه لنا : ما فائدة جيب وجيب تمام وغير ذلك من مصطلحات لا اجد فائدة عملية في استذكارها ؟
فاجابني مازحا : لكي اعيش من تدريسها .
كما كان من اساتذة الفيزياء مؤيد سعيد وكان ايضا يدرس الفيزياء في التلفزيون لطلبة الاعدادية ، يقدم المادة الجافة بتشويق كبير ، وكذلك الاستاذ مهدي الربيعي استاذ الكيمياء الذي كان علما من اعلام الكيمياء في العراق ، وقل مثل ذلك عن استاذ الجبر علاء ، والاستاذ ايليا ، واستاذ الانجليزية متي ،واستاذ العربية فرهاد وهو كردي ولكنه ضليع في العربية .
ارجو المعذرة لاني لا استطيع ذكر جميع الاساتذه واعلام الطلاب والاحداث التي رافقت تلك المرحلة من اضطرابات واضرابات ، لنترك ذلك الى فرصة اخرى قد تجود بها الايام ، والذي يهمنا الان هو السيد حيدر العبادي خريج هذه الاعدادية الشهيرة التي رفدت الساحة العلمية العراقية بعلماء واطباء وادباء تركوا بصمات بارزة على خارطة العراق سواء بعلمهم او ادبهم او اخلاقهم او اعمالهم .
حيدر العبادي خريج بغداد وبريطانيا ، بكلوريوس وماجستير ودكتوراه في العلوم ، ورجل بهذه المعرفة قد يكون كما اظن بعيدا عن عالم الخرافة ، قريبا من العلم والمعرفة ، فالخرافة والميتافيزيقيا تمثل الليل الذي تسكنه الطناطل والسعالى والاشباح والشياطين ،بينما تمثل العلوم والمعارف النهار الذي يشع بنوره ليقدم المعرفة عن هطول الامطار وحركة الكواكب ودوران الارض وشروق الشمس وبزوغ القمر وتوالي الليل والنهار .
لذلك اطمح ان اجد في السيد حيدر العبادي الذي يحمل شهادة الماجستير والدكتوراه في العلوم من بريطانيا ، ان اجد فيه الرجل المناسب لمنصب رئيس الوزراء على شرط ان يختار الرجل المناسب في المكان المناسب في وزاراته التي سيكون مسؤولا عنها خلال الاربع سنوات القادمة وان لا يخجلنا ويشيع الفساد في وزارات الدولة ، وتشيع المحسوبية والمنسوبية والرشوة .
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .
439 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع