منهج التكفير المعاصر

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 18 آب/أغسطس 2014 16:12

كتب بواسطة: د.وليد الراوي

                         د.وليد الراوي

                


قال تعالى:
( من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون) (1)
صدق الله العظيم

المدخل:
اتسع الخلاف الفكري في الفترة التي عقبت رحيل أئمة المذاهب مع بداية القرن الرابع الهجري حيث تحول الخلاف الفقهي إلى فتاوى وتحريض على التكفير والقتل ,وقد حدثت أحداث كثيرة يذكرها لنا التأريخ من تكفير بين المذاهب .
مع بداية القرن العشرين ظهرت مناهج فكرية إسلامية أدت إلى تكفير السلطة التي لا تحكم بما انزل الله والبعض الآخر تجاوز السلطة بتكفيرالمجتمع الإسلامي بالكامل. أن ظاهرة تعميم التكفير ودون ضوابط شرعية ادى الى اتساع هذه الظاهرة والى بروز مناهج تكفيرية معاصرة أدت إلى ولادة حركات وأحزاب تدعي الإسلام وتقوم باستباحة دم المسلم باسم الإسلام .

التكفير لغتاً :
التكفير بالفاء المفتوحة المشددة عني التغطية والستر ومنه (كمثل غيث أعجب الكفار نباته) (2)
أي الغراس حيث أنهم ينشرون الحبوب داخل التربة , ومثله لانه يغطي قلبه بكفره ومنه الكفارات لأنها تكفر الذنوب أي تسترها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)سورة الروم الآية (44).
(2)سورة الحديد الآية (20).
التكفير اصطلاحا :
هو نسبة احد من أهل القبلة الى الكفر وهو نقيض الإيمان وهو الجحود ومنه قوله تعالى ( قالوا انا بكل كافرون) صدق الله العظيم (1) أي جاحدون .
مفهوم التكفير:
هو الحكم على الأشخاص المعينين بالكفرالمخرج عن الملة وهو ما يسميه العلماء بتكفير المعين وكذلك الحكم على غير المعينين بالكفر والخروج عن الملة سواء كانوا جماعات أو أهل مذهب أو قوم وهو ما يسميه العلماء بالتكفير المطلق , مثل تكفير تنظيم القاعدة إلى كل من لايواليهم .
منهج التكفير:
إن منهج التكفير الذي نراه الآن في المذاهب الإسلامية لهو منهج قديم , حديث,حيث استمدت ديمومته من أقوال وفتاوى بعض الفقهاء , فنرى أن الجماعات التكفيرية تستند في دعاواها على مفاهيم وأطروحات قادتهم الشاذة في تكفير مخالفيهم بالرغم من وضوح النصوص القرآنية في أن قائل الشهادتين قد حصن نفسه وماله من الأذى.لقد حرم الاسلام الدم المسلم وحتى دم الذمي والمعاهد, قال الله عز وجل (من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فسادا في الارض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم ان كثير منهم بعد ذلك في الارض لمفسدون)(2)
قال الرسول محمد( صلى الله عليه وسلم )(ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وهم يد على سواهم, فمن اخفر فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل منه يوم القيامة صرف ولاعدل).(3)
 وقال الرسول صلى الله عليه وسلم( كل المسلم على المسلم حرام .دمه وماله وعرضه) (4)
وقال الرسول( صلى الله عليه وسلم) ( لايحل لمسلم ان يروع مسلما) (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القصص الاية (48).
(2) المائدة الاية( 32).
(3) رواه البخاري في صحيحه.
(4) كذلك.
(5) كذلك.
 ولنا في حوادث التاريخ الاسلامي الادلة الكبيرة  التي تؤكد على حرمة دم المسلم الناطق بالشهادتين. قتل اسامة بن زيد( رض) رجلا من المشركين بعد ان نطق هذا بكلمة الاسلام وهو في المعركة,فقال  اسامة : يا رسول الله انما قالها خوفا من السلاح.فقال ( افلا شققت عن قلبه حتى تعلم اقالها ام لا).(1)
ويقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس وشهادة ان لا الله الا الله وان محمدا رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان.
وقد سؤل الشيخ تقي الدين ألسبكي( ت756 )عن حكم التكفير فأجاب (إن كل من خاف الله عز وجل استعظم القول بالتكفير لمن يقول اشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله).
ولكن المصالح الدنيوية استدعت استمرار حركة التكفير والرمي بالارتداد ومن الملاحظ انه كلما ضعفت السلطة الحاكمة انفلت عقال الجماعات التكفيرية لممارسة اهدافها ولاشباع رغباتها في القتل ولنا في حال العراق مثال لما يحدث حيث دأب التكفيريون من اهل السنه في تكفير الشيعة ونعتهم بالروافض وبالمقابل كفر التكفيرين الشيعة اخوانهم السنة ونعتوهم بالنواصب فلا النواصب نواصب ولا الروافض روافض كلهم مسلمون .

القول الفصل في منهج التكفير استناداً للقران والسنة النبوية :
لقد امرنا الله عز وجل عند التنازع بالرد اليه والرد اليه يعني الرجوع الى كتابه وامرنا كذلك بالرد الى رسوله والرد الى الرسول هو الرجوع الى سنته الشريفة .
وقال الله عز جل ( فان تنازعتم في شيء فرده الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تأويلا) صدق الله العظيم (2).
وقال عز من قال ( ان الذين فرقوا دينهم شيعا لست منهم في شيء) صدق الله العظيم  (3) .
وقال تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم) (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-المناوي، فيض القدير ج6 ص 447
2- النساء    الآية (59)
3- الانعام   الآية (159)
4- النساء   الآية (115)

فتوعد الله  من اتبع غير سبيل المؤمنين جهنم فدل على أن اتباع سبيل المؤمنين في فهم الشرع واجب ومخالفته ضلال.
وقال رسول الله (ص): (من رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله) "رواه البخاري في صحيحه"  
لقد سار على  هذا المنهج صحابة رسول الله (ص) والتابعون والأئمة من بعدهم بعدم تكفير المسلم الذي لا يستحق الكفر، هذا هو رأي  الشرع في مسألة التكفير التي جاء بها الخوارج أول الامر ثم سار عليها  قوم أرادوا بهذا النهج تفرقة المسلمين وجعلهم مثلا سيئا للانسانية بعد أن كانوا مثلا يقتدى به.
أسباب ظهور الفكر التكفيري:
يمكن تحديد أسباب بينية أعتبرها الكثير من المختصين بهذا الشأن على انها الخطوات الاولى في الولوج في منهج التكفير هي:
1-البعد عن دين الله.
2-الغلو  في الدين.
3-الجهل بكتاب الله.
4-الجهل بسنة الرسول محمد (ص).
5-عدم الرجوع إلى أهل العلم.
6-إنتشار الفساد والإلحاد في المجتمعات الإسلامية دون محاسبة.
7-الإسراف في التحريم والألتباس في المفاهيم.
8-الإتجاه الظاهري في فهم النصوص.
 سمات الفكر التكفيري المعاصر:-
1-أنه منصوص عليه في كتبهم المعتمدة.
2-أنه يشمل كل من يخالفهم ويخالف معتقداتهم.
3-أن جميعهم يؤمنون بذلك المنهج.
4-لم يذكر لنا التاريخ وجود منهج وسطي أو منهج معقول أو إرشاد وتوعية  كي ينشئ حوارا حقيقيا مع الطرف المضاد للوصول إلى قناعات ورؤى تحد   من حدة المنهج التكفيري وبالتالي القبول بالراي الآخر( وهذا الامر ليس له علاقة بمحاولة التقريب بين المذاهب).

الخاتمة:
إن الجماعات الاسلامية المتشددة  التي تكفر المعارضين لها والتي تلجأ إلى العنف في تحقيق أهدافها. كانت غالبا ما تستهدف الوصول إلى السلطة في بلدانها لتحقيق دولة الخلافة الإسلامية , لقد تاثر المنهج التكفيري لاحقا بفعل تأثيرات اهمها:-
1-القضية الفلسطينية.
2-الثورة الاسلامية في ايران
3-القضية الافغانية.
4-الاحتلال الامريكي للعراق.
 ان اليأس الذي أصاب المجتمعات الاسلامية  من النماذج  البائسة للأنظمة الحكم   وعجزها عن معالجة مشاكل الامة . أدى بها إلى اللجوء للنموذج الاسلامي هذا النموذج الذي لم توجد له ضوابط قانونية وهيكلية تحكمه لان الاسلام دين وليس منظمة سياسية. فنتيجة لكثرة الاراء وأختلاف  الفقهاء أدى ذلك  إلى الانتقائية في النماذج والافكار مما  انتج ظاهرة التكفير. وأسال ( ماهو الوجه الشرعي فيمن يفجر سيارة في طريق او مكان مكتظ بالناس الابرياء او اين الجهاد فيمن يقلع العيون او يجدع الانوف ويثقب الجسد بالمثقب الكهربائي" الدريل ") .

الدكتور
وليد الراوي