هيفاء زنكنة
هل سلم رئيس الوزراء ، وأمين حزب الدعوة، نوري المالكي العراق الى رفيقه في حزب الدعوة حيدر العبادي، كما أخبرنا في خطابه، يوم 13 أغسطس / آب ، اثناء اجتماعه مع قادة القوات الأمنية والعسكرية الجالسين حول طاولة طويلة قائلا بانه حقق الكثير من الانجازات، فانهمكوا غير مصدقين يكتبون، كما التلاميذ ، كل ما تفوه به؟
كرر نوري المالكي ما معناه ان كل شيء في العراق تحسن في ظله وظل حزبه ، يوم اجباره على التخلي من منصبه ( 14 أغسطس / آب) ، قائلا : «اطلقنا مبادرات وحققنا قفزة نوعية في المجالات كافة»، ليحصر سبب كل المصائب التي اصابت العراقيين خلال سنوات حكم حزب الدعوة بخيانة السياسيين المشاركين معه بالعملية السياسية وهي تهمة طالما كررها في خطبه الاسبوعية ، والسبب الثاني هو وجود الارهابيين والقاعدة وداعش. وقد غطت جرائم داعش على الجرائم التي ارتكبها حزب الدعوة خلال فترة حكمه ومنحته صك غفران اعلامي ، قد يدفع بعض الناس الى الاعتقاد بأن تغيير المالكي برفيق دربه الحزبي حيدر العبادي ، ومع وجود ذات النظام المهترىء فسادا وطائفية، سيكون علامة خير وتفاؤل. وعلى الرغم من انني اود ومن كل قلبي ان اقف في صف المتفائلين بالتغيير، وان كان سطحيا، الا ان معرفتنا بالشخصيات المشاركة في العملية السياسية واستمرارها في تغيير الوانها حسب رغبة السيد ، يجعل من الأماني ، مهما كانت حاجتنا اليها ماسة في السنوات العجاف، اوهاما.
ان حزب الدعوة ، متمثلا بأمينه العام رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لم يسلم العراق الى حيدر العبادي، القيادي في ذات الحزب، وهو يعاني من الخلاف السياسي والعنف فحسب. بل سلمه عراقا يشبه المنخل في كثرة الثقوب وبكل المستويات الاساسية المكونة للدولة. قد يقول قائل بان هذا هو ما استلمه حزب الدعوة من حزب البعث. هنا ساترك الاجابة لتقرير كتبه أنطوني كوردسمان ، بعنوان « العراق في الحضيض» . يترأس أنطوني كوردسمان كرسي أرليه بورك في الشؤون الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وهو حاصل على ميدالية الخدمة المتميزة من وزارة الدفاع الامريكية ومتخصص بشأن الطاقة، وخطط الولايات المتحدة الاستراتيجية والدفاعية، والبرامج والميزانيات الدفاعية، ومكافحة الإرهاب، وأمن الشرق الأوسط، وما يسمى بالصراع في العراق. أي انه ليس بعثيا ، ارهابيا ، اسلاميا داعشيا . يتناول التقرير، الصادر بداية مايس ، اي قبل اجراء الانتخابات العراقية ، الوضع العراقي في ظل حكومة المالكي ، ويطرح جملة توصيات، ذكرت في تقارير سابقة، تصب في صالح الحكومة وكان بالامكان ان تؤدي الى تحسين ادائها فيما لو تم الأخذ ببعض جوانبها. يستند التقرير في رسم صورة الوضع وتحليله الى مجموعة تقارير واحصائيات صادرة عن مؤسسات ومنظمات عالمية من بينها منظمات الامم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة النزاهة الدولية .
يعالج التقرير فشل النظام العراقي ، متمثلا بأمين حزب الدعوة والتحالف العامل معه ، في النواحي التي لا تتطرق اليها اجهزة الاعلام ، عادة، لأنها ، على اهميتها القصوى، لا تصلح بالمفهوم الاعلامي الاستهلاكي ، كمادة اخبارية مثيرة. هذه الجوانب هي التعليم والاقتصاد والطاقة وادارة الدولة والجندر. ان معرفة وفهم هذه الجوانب ضروري ، اذا ما وجدت اية جهة تريد ايجاد حل حقيقي لمصائب العراق.
تؤكد النقاط الرئيسية في التقرير الى ما يلي: أولا ، على الرغم من تمتع العراق بالثروة النفطية وزيادة الصادرات بشكل كبير، الا انه لم يتطور انمائيا وبقي فقيرا اذ ان مدخول الفرد هو الأوطأ في اية دولة خليجية باستثناء اليمن. ثانيا، العراق هو الاكثر فسادا في المنطقة باستثناء اليمن وليبيا ، حسب البنك الدولي. ثالثا ، انه أحد الدول الاكثر فسادا في العالم وحكومته الاقل نزاهة في المنطقة، حسب منظمة النزاهة الدولية. رابعا، يصنف البنك الدولي الحكومة العراقية بانها امن بين الاقل فاعلية في العالم وانها لم لم تحدث أي تقدم حقيقي من 2008 الى 2012 على الرغم من انتهاء الجولة الاولى من الصراع الاهلي. خامسا، انه البلد الاقل استقرارا والاكثر عنفا وهو اسوأ تحت نظام المالكي مما كان عليه تحت نظام صدام حسين، حسب البنك الدولي.
سادسا، يضع البنك الدولي العراق في اسفل الامم فيما يتعلق بتطبيق القانون ويصنف ادائه بالاسوأ تحت المالكي مما كان عليه تحت صدام حسين. سابعا، تضع الامم المتحدة العراق بالمنزلة 131 في التنمية البشرية وتعتبره الاسوأ في المنطقة باستثناء اليمن وعلى الرغم من ثروته النفطية الكبيرة.
ثامنا، يبلغ معدل سنوات التعليم ما يقارب الست سنوات فقط ومعدل التحسن بالعراق ليس افضل من سوريا على الرغم من الحرب الاهلية المدمرة هناك. ثامنا، ادت السياسة الحكومية الى تغيير خطير في التوزيع السكاني. ثامنا، العراق من بين العشر دول الاولى في كثرة الاعمال الارهابية.
تاسعا، انخراط الحكومة ، والقوات الامنية والشرطة وجهاز القضاء في انتهاكات ممنهجة لحقوق الانسان، مما يزيد من حجم الاعمال الارهابية والاقتتال الطائفي حسب تقرير وزارة الخارجية الامريكي السنوي. عاشرا، يؤكد تقرير وزارة الخارجية البريطاني ذات تفاصيل خروقات حقوق الانسان في تقريرها الصادر في آذار/مارس 2014.
ومع ان قراءة تقارير حقوق الانسان الصادرة من جهات رسمية حكومية امريكية وبريطانية يجب ان تتم بحذر، وان يبقى القارئ متمسكا بنظرته النقدية، الا ان مقارنة هذه التفاصيل مع تقارير اخرى صادرة من منظمات حقوقية دولية مستقلة مثل مركز جنيف الدولي للعدالة وهيومان رايتس ووتش يدل على ان التفاصيل الواردة موثقة وصحيحة بما لايقبل الشك.
يأتي هذا التقرير كتكملة او اضافة نوعية الى تقرير المجموعة الدولية للأزمات وعنوانه: « العراق: اتفاق مع الشيطان في الفلوجة» ، المترجم والمنشور في مجلة المستقبل العربي، ولعل اهم نقطة في توصياته، لكسر دورة العنف وطرد تنظيم داعش، عراقيا وليس عبر الاستنجاد بقوات الاحتلال من جديد ، كما فعل النظام ، ولكن عبر التوقف عن التأجيج الطائفي وتأليب الناس على بعضهم البعض والاهم من ذلك التوقف عن الاسـتـخـدام العشوائي لعبارة «الإرهــــاب»، ومايترتب على ذلك من اعتقالات وتعذيب واعدامات، فـي الإشـــارة إلــى كــل مـن المجلس العسكري وثوار العشائر المطالبين بتحقيق العدالة ومنظمة داعش واخواتها. كما ان ادانة جرائم التطهير المذهبي والديني والعرقي، سواء كان مرتكبها ارهابيا حكوميا او داعشيا او ميليشياويا، من اولويات التمسك بالقيم الانسانية. بدون ذلك ، لن يكون استبدال نوري المالكي بحيدر العبادي أكثر من ملهاة تراجيدية يتم فيها مقايضة جلاد، استنفد دوره، بجلاد آخر.
457 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع