عدنان حسين
بصراحة.. بمنتهى الصراحة، لا أمل في الكشف عن الحقيقة كاملة في ما يتعلق بمجزرة مسجد مصعب بن عمير في منطقة إمام ويس بمحافظة ديالى يوم الجمعة، ولا يقين في تحديد هوية المجرمين الحقيقيين، ولا ثقة في القبض عليهم وتقديمهم الى القضاء، ما دام أمر التحقيق قد أُنيط بضباط في وزارة الداخلية.
التجربة علمتنا ان مئات الجرائم من هذا النوع بقي الفاعلون فيها مجهولين وظلوا طلقاء يواصلون ارتكاب جرائمهم الواحدة تلو الأخرى، لأن التحقيق وُضع في أيدي ضباط الداخلية، والداخلية كما الدفاع والتجارة والثقافة والصحة، وسائر الوزارات من دون استثناء، ليست خارج دائرة الشبهات.. شبهات اختراق الفاسدين والإرهابيين.
مواطنون وقوى سياسية في محافظة ديالى اتهموا ميليشيات بتنفيذ المجزرة التي قتل فيها العشرات من المصلين انتقاماً لعدد من عناصر هذه الميليشيا قتلوا في انفجار مفخخة في المنطقة، ولا مصلحة لأحد في اتهام البريء وتبرئة المذنب.. اما وزارة الداخلية التي أعلنت عن تشكيل لجنة تحقيق من "كبار الضباط" قالت في بيان ان عنصرين من (داعش) كانا على ظهر دراجة نارية فتحا النار على المصلين في المسجد.
لا نتوقع من اللجنة الوزارية تقريرا ختامياً بوقائع مختلفة بعد أن تنجز تحقيقها، فمرتكبو الجريمة لن يسلّموا أنفسهم إلى السلطات ولن يمثلوا أمام ضباط اللجنة ليعترفوا بجريمتهم ويعيدوا تمثيلها أمام المحققين، وبالتالي فان أسهل الحلول، كما حصل كثيراً في الماضي، أن يُلقي المحققون بالمسؤولية عن الجريمة على عاتق (داعش).
لا يمكن أبداً استبعاد أن يكون (داعش) هو المجرم الحقيقي، فقد ارتكب المئات من المجازر الشنيعة في شتى مناطق البلاد، ولم يستثن دور العبادة ولا المدارس ولا المستشفيات ولا الأسواق العامة.. لكن مع وجود اتهامات وروايات ممن يصفون أنفسهم بأنهم شهود عيان، بان الجريمة من صنع إحدى الميليشيات الناشطة في المنطقة، يتوجب تشكيل لجنة تحقيق موسعة ومحايدة.. ولجنة من هذا النوع ينبغي أن تضم، بالإضافة الى ضباط الداخلية، ممثلين عن مجلس النواب (لجنة حقوق الإنسان ولجنة الأمن والدفاع) وعن مفوضية حقوق الإنسان، آخر الهيئات المستقلة المحترمة لنجاحها في الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية.
بالطبع لا لجنة الداخلية ولا اللجنة المقترحة ستعيد الأرواح الى الضحايا أو تضمد جراح المصابين أو تخفف آلام العائلات المنكوبة، لكن اللجنة الموسعة المحايدة لابدّ أن تلحظ ان وجود ميليشيات مسلحة عاملة في المنطقة ليس أمراً شرعياً، ويقتضي الأمر منعها وعدم التساهل معها، في الأقل حتى لا تختلط الأوراق، كما هو حاصل الآن.
وجود الميليشيات يتعارض تعارضاً تاماً وصريحاً مع أحكام الدستور، وكما من مسؤولية الدولة التصدي لـ (داعش) وسواه من المنظمات الإرهابية، من واجبها أيضاً وضع حد فوري لظاهرة الميليشيات التي تفشت على نحو منفلت في عهد الحكومة المنتهية ولايتها.
واهمٌ الى أبعد الحدود مَنْ يتصور ان في وسعه بناء دولة أو تحقيق أدنى مستوى من الأمن والاستقرار والتنمية بوجود الميليشيات.
475 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع