أ.د.شموئيل (سامي) موريه
سقط آخر عمالقة الشعر العربي في اسرائيل، سميح القاسم رحمه الله، في صراعه مع المرض اللعين، وكنا نقول الاعمار بيد الله، واليوم اصبحت الاعمار تطول بمساعدة الاطباء والطب الحديث، بعدما اخفق العطارالقديم في اصلاح ما افسده الزمان.
قبل سنتين قدمت شاعرة كبيرة تبحث عن جذور يهود العراق، دوخت صدام حسين وكبار الشعراء العرب واحيت ثورة ادبية وشعرية بتلقيحها الشعر العربي بالشعر الالماني، وجمعت الشاعر النوبلي جنثر جراس بكبار الشعراء العرب من المتطلعين الى هذه الجائزة الفريدة في تاريخ الانسانية التي استحوذ عليها الكثير من علماء اليهود كعادتهم، فهم عبدة عجل الذهب في كل زمان ومكان والى اليوم، ومات بعض الشعراء العرب بحسرتها ولا يزال شيوخهم يحلمون بها عن طريق التزلف الى اليهود، وكان اول ما طلبته الشاعرة الفاتنة العراقية عندما افلتت من براثن المستجوبين الصهاينة في مطار اللد الاسطوري بمؤازرة شيخ المحنكين العراقيين في لندن واميرهم الذين له نحن من الشاكرين، زيارة الشاعر الكبير سميح القاسم فزيارته من مناسك الادب في هذه البلاد، فهو رمز المقاومة والصمود والعزة العربية، في داره الشماء في قرية الرامة في الجليل الاعلى. زرناه وهو على فراش مرضه، زرناه بامل الشفاء مع الشاعرة العراقية الكبيرة المغتربة والشاعر الفتي الواعد الاستاذ احسان عبد الرحمن من قرية ابو غوش السلمية التي ترفل في احضان وديان باب الواد الخصيب الممتد والى مشارف أورشليم-القدس بمطاعم ومحلات تجارية عملاقة. ويتهم المقدسيون من سكان ما بعد حرب الايام الستة فاتنات البلدة وحسناوتها بالتبرج ورجاله بالتهود، فقد علموا "بتهود الفلك" منذ العهد الفاطمي، ولكي يكبحوا جماح الفلك المتهود، بنى الشيشان جامعا غوشيا بمآذنه الاربع الشامخة كالعيدان في عيون الحساد، لابطال سحر عجل الذهب الذي يغري النساك، جزاهم الله خيرا في الدنيا والاخرة، فمن بنى مسجدا كفحص قطاة في الدنيا بنى الله له دارا في الجنة، فكيف بمسجد جامع فخم يحاكي جامع أيا صوفيا، ومن هذا البلد الذي يرفل بحلل الحرير وصياغة الذهب وصولا الى مدخل اورشليم – القدس، حيث الجسر المعلق كجناح نسر من فصيلة الرخ السندبادي. وهناك حيث تثير فيها صلاة الجمعة بين المسلمين الرغبة في الحظوة بجنان الخلد، فتحريرها عند البعض يعادل حياة مليون عربي ومسلم من الشهداء الابرار، واليوم ارتفع الثمن فاصبح اليهودي يعادل الالف من الاغيار. والعجيب في هذه الايام الغريبة، ايام ياجوج وماجوج، ان يكون رضوان جنة الاقصى من غزاة اليهود والدروز الذين لا يجوز الترحم عليهم لانهم غير مسلمين، من حرس الحدود الاسرائيلي. وعش رجبا ترى عجبا !
سقط سميح الشاعر بطل الصمود وسقط قبله الكثير من شهداء الشعر الفلسطيني بعد أن أرّخوا مع توفيق زياد وراشد حسين ومحمود درويش وغيرهم من شعراء المقاومة، عذاب ان تكون رافضا لواقع أرادوه مرارا وتكرارا ان يحسم بالسيف لا بالحوار السلمي، ويعيدون الكرة الى اليوم واليوم تأجج حماسهم اكثر يصرخ هل من مزيد؟ لارغام اليهود على حمل موتاهم والخروج من هوائها وارضها، لتصبح طاهرة كخيام اللاجئين في جميع البلدان العربية.
واليوم اتساءل، هل البراميل المتفجرة وصواريخ الجرف الصامد وزحف داعش الرهيب المدمر لمقدسات الماضي التي حافظ عليها المسلمون الاوائل، هي أصداء لشعر المقاومة الفلسطيني البطولي؟ ولكن لماذا ينكر الكثير من المثقفين العرب كيف حقن المغفور له محمد انور السادات والمغفور له الملك حسين بن طلال الهاشمي، دماء العرب واليهود، واليوم يعيد الكرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لحقن دم الفلسطينيين، ولماذا يبدأ الخصوم بالتفكير البـَنـّاء بعد ان يدركوا أن حسناء الحرب هي شمطاء مكروهة للشم والتقبيل؟، ولا نجنح للسلم وهو يمد يده لانقاذ الاجيال الفتية القادمة الا بعد ان يبلغ السيل الزبى، ويضطر المجاهد البطل الى وضع "وليده تحت إجريه"، كما فعلوا بالميت الحي الفتى محمد الدرة؟ وما الضرر في ان نجرب شعر السلام والاخاء مرة تلو الاخرى؟ هل يعني هذا خضوعا للمغتصبين، ام نضوجا عقلانيا انسانيا بنـّاءً لمستقبل افضل للانسانية نتفرغ فيه لانقاذها من الاوبئة والجهل والمرض والتصحر واغراق القارات بذوبان ثلوج القطبين والبلاد الاسلامية بدماء الكفار والخوارج. ألم يمضِ عصر التعصب الديني وعصر القومية الضيقة التي قادت الى بحار الدماء واهدار ثروات الشعوب وتقديم الشباب الغض ضحية على مذبح الهمجية والاحقاد والانتقام والقتل محتفلين ببيارق النصر العشوائي؟ وقبلهم: ايقظ شعر طوقان والعبوشي وابو سلمى وغيرهم من شعراء الانتداب الفتنة ونكبة 1948 و"هوسات تل-أبيب الموعد". وهل حلت حروب انقاذ فلسطين مشكلة من مشاكل العرب او جاءت، ما شاء الله، " تكحلها فاعمتها؟ بل قادت الحروب المتعاقبة الى شراء الاسلحة بثروات الشعوب العربية وغيرها من الشعوب، واثرى تجارها واحرقوا بترول العرب والمسلمين وثرواتها الطبيعية، وافقروا شعوب البلاد العربية والاسلامية، وتصاعدت اعداد القتلى واصبح بطل الابطال من الزعماء العرب من يقتل اكبر عدد من الاعداء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومللهم ونحلهم. ويا للعجب لم يعد اليهود الغزاة اليوم من الاعداء الكفار، وادركت الشعوب ان الاعداء الحقيقيين هم الزعماء العسكريين والسياسيين المسلمين من العرب وغير العرب وخاصة في غزة هاشم الصامدة التي تحتمي قيادتها بدروع بشرية من الاطفال والنساء. فقد غرّقت عندهم وهذا أوان وضع "وليدك، تحت اقدامكم يا أيها الزعماء، ويا أبطال الصمود الأشاوس! يا من ابقى شعبه جائعا في الخيام يعيش على الطحين والسكر والزيت من وكالات الغوث الدولية، فهل صواريخكم القسامية ستحل مشاكل العرب الى أبد الآبدين، لكي ينعم الشهداء في جنان الخلد مع الحور العين والولدان المخلدين؟
ندعو الله ان يولد سميح غدا من جديد شاعر سلام لا شاعر احلام الصمود الدموي المهين لكرامة الانسان، فصمود الانسانية للبقاء هو عن طريق السلام والبناء والعلوم الحديثة وثقافة الاخاء الانساني، لا تجنيد الاطفال والمشايخ للشتم والسب والدعاء على الاعداء من على المنابر والمآذن ومكبرات الصوت "يا رب، اجعل اموالهم غنائم لنا!.
سامي موريه
787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع