خالد القشطيني
كتبت قبل سنين مقالة في مجلة «فنتشر» الإنجليزية وصفت فيها الحرب الأهلية الحالية في كردستان وقتئذ (قبل عهد صدام حسين) بأنها حرب الجنتلمانية،
كان الأكراد يطالبون بحقوقهم المشروعة فيتمردون على الحكومة في بغداد، تبعث بالجيش لإخضاعهم ويندلع القتال بعيدا في الجبال، لا يحاول المقاتل الكردي البيشمركة أن ينقل القتال للمدن أو الأحياء السكنية كما تفعل «داعش» و«القاعدة» وسواهما من التنظيمات الإسلامجية الإرهابية التي تسترخص أرواح الناس، كان من السهل جدا لهم أن يشنوا عمليات إرهابية؛ قتل، وخطف، ونسف، واغتيالات، في المدن بكل سهولة، لم يفعلوا أيا من ذلك طوال حملاتهم النضالية الطويلة.
كنا نجلس في المقاهي مع أبنائهم وإخوانهم في المدن ونتسامر ونسألهم عن سير القتال ونتبادل النكات، وكان الكثير منا بالطبع يؤيدهم في كفاحهم، ألم يشد بهم الجواهري بقصائد طويلة حيا فيها المقاتلين البيشمركة بقوله:
«قلبي لكردستان يهدى والفم
ولقد يجود بأصغريه المعدم
سلّم على الجبل الأشم وأهله
ولأنت أعرف عن بنيه من هم»
وراح الشاعر الكردي زاهد محمد يقود المظاهرات في بغداد بأهزوجة: «كرد وعرب فد حزام»، كناية عن وحدة الشعبين؛ العربي والكردي.
رُويت طرائف كثيرة عن تلك الحرب، حرب الجنتلمانية والشفاليه. كان بعض المقاتلين معلمين وموظفين في الدولة، قيل إنهم كانوا ينتظرون نهاية الشهر ثم ينزلون إلى المدينة ليقبضوا رواتبهم ويتسوقوا ويزوروا أهلهم، ثم يعودوا للجبل ويمسكوا الكلاشنيكوف، كثيرا ما فعلوا مثل ذلك أثناء الأعياد وشهر رمضان، وبعين الوقت، كانت المستشفيات تعالج جرحاهم دون أي سؤال أو جواب.
ساعدت على هذه الروحية الحضارية عوامل كثيرة، يأتي في مقدمتها الإيمان الديني الصادق للمواطن الكردي، تأبى نفسه أن يقتل مسلما بريئا آخر أو يعتدي على نساء وأطفال. كنا كثيرا ما ننكت على إيمانهم الصادق هذا ونعده سذاجة.
وعلى الطرف الآخر، كان الكثير منهم يساريين ويؤمنون بالماركسية التي تأمر بالثورة المسلحة، ولكنها تنهى عن الاغتيالات والإرهاب، والمعروف أن الكثير من هؤلاء انضموا للثورة الكردية وقاتلوا مع البيشمركة وماتوا معهم.
الحقيقة أن مما ساعد على هذه الروحية معرفتهم بأن قطاعات كبيرة من الشعب العراقي كانت تؤيدهم في مطالبهم، وهذه الروحية هي التي أهابت بهم لمد أيديهم للاجئين من كل الطوائف ومقاتلة الإرهابيين من «داعش» وردهم بعيدا
718 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع