خالد القشطيني
قدمت المخرجة والمؤلفة المسرحية فيحاء السامرائي عملين مسرحيين للأطفال بعنوان «سندباد في بغداد» و«الأرنب الذكي» ضمن برامج المقهى العراقي بلندن. كان كلا العملين ظريفين وممتعين وأظهرا موهبة جيدة في الممثلات من الأطفال.
استأنس المشاهدون بهذه الأمسية وطاب لهم فيها ذكرياتها وإشاراتها للعراق. بيد أنني وجدت فيها وفي أمثالها من الأعمال الفنية والأدبية العربية في ديار المهجر عنصرا مزعجا ومخيفا. جل هذه الأعمال تعتمد على الحنين للوطن الأم، العراق أو مصر أو لبنان... إلخ، وتتغنى بذكرياته وتشيد بالانتماء إليه وتتطلع للرجوع إليه. لا بأس في ذلك بالنسبة للكبار ممن فرضت عليهم الأحوال السياسية الهجرة منه. ولكن هناك الآن جيل جديد ولد ونشأ في الغرب. لم يرَ أكثرهم الوطن الأصلي، وقلما يعرفون اللغة العربية، أو تلقوا في المدرسة أي دروس عنه، عن جغرافيته وتاريخه وأحواله. ولدت إحداهن في فرنسا وقضت طفولتها هناك ثم انتقلت الأسرة لبريطانيا. حدثتني أمها بأنها تتصور الحنين للوطن يعني الحنين لفرنسا!
كل ما يتلقونه في المدرسة يتعلق بوطن المهجر ويتغنى بأمجاده ومنجزاته وعظمته. لا يعرفون عن الوطن الأصلي غير نتف يسمعونها من أبويهم، وأكثرها مقرفة ومخزية تجعلهم يتضايقون منها. مستقبلهم محصور في وطن المهجر. وقد يعرفون أن ما يلبسونه ويأكلونه ويلعبون به ويسكنون فيه هو من صدقات حكومة المهجر.
تعكس أمثال هذه المسرحيات أحلام وهموم وحنين الكبار الذين يلقون بها على صغارهم الأبرياء. وهذه في رأيي إساءة كبيرة ربما أعتبرها جريمة، لأنها تشوش عليهم هويتهم وانتماءهم بما يفضي لانشطار الشخصية وارتباك النفسية ويقضي على قدرتهم على الانسجام مع محيطهم ومع الآخرين. سرعان ما يجد الفتى نفسه مرفوضا حتى في حياته العاطفية. كثيرا ما يؤدي ذلك إلى مشكلات نفسية وأحيانا انهيارات عصبية. عرفت الكثير من أمثال ذلك.
الخطورة في هذا الأمر، أن مثل هذا الفتى (طبعا والفتاة) يبدأ بالانتفاض ضد هذا المجتمع الغربي. لي صديق فنان من الوجوديين وقع في هذا المطب ودخل مستشفى المجانين ووجد في الأخير مخلصه في التصوف. عاد لوطنه الأصلي وأصبح من كبار المتصوفين! هذه نهاية قد تكون غير سيئة ولكن غيره قد يقع في نهاية غير محمودة. يحدث ذلك عندما يكتشفه أحد المبشرين بالإرهاب الإسلامجي. يشتغل عليه حتى يغسل دماغه بسموم الإرهاب. كثيرا ما أتمنى الحصول على فرصة أسبر فيها أعماق تفكير أمثال هؤلاء الشباب الذين ولدوا ودرسوا وتخرجوا في الغرب ثم هرعوا للانضمام لهذه التنظيمات الإرهابية. أستطيع أن أتصور الصدمات النفسية التي جرتهم لهذا الحضيض، هذا الكره للغرب والمدنية، ولهذا الاستخفاف بالحياة، بما فيها حياتهم الخاصة فتحلو لهم العمليات الانتحارية. هناك الآن عدة ملايين من أولاد العرب والمسلمين في الغرب يواجهون هذه المحنة التي لا يحلها غير الاندماج مع مجتمعهم الجديد أو العود السليم لوطنهم الأصلي.
613 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع