صديق المجلة - بغداد
الحرب العراقيه الايرانيه 1980-1988
الموقف العام
لقد كانت الحرب العربيه الاسرائيليه الرابعه عام 1973 نقطة تحول مهمه في تاريخ ومستقبل المنطقه العربيه والشرق الاوسط...
والسبب يعود الى الموقف الذي قادته المملكه العربيه السعوديه بزعامة المرحوم الملك فيصل الذي اوقف تصدير النفط وشاركه العراق في ذلك وعدد من دول الخليج وايران الامر الذي ادى الى شبه كارثه وازمه خانقه في امريكا واوربا واسيا لان 70 % من نفط العالم يخرج من هذه المنطقه وهذا الموقف ادى الى اجراءات احترازيه مستقبليه من قبل الدول العظمى المتضرره من هذه الاجراءات السياسيه اتخذت نهجا مستقبليا لسياستها في المنطقه منها اسلوب العقوبه بصيغ مختلفه ومنها اغتيال الملك فيصل ومن ثم اسقاط شاه ايران بطريقه عندما ننظر اليها الان نراها هي بداية ربيع المنطقه والفوضى الخلاقه التي انكشفت لاحقا وكانت اول عمليه في برنامج الربيع في المنطقه وتبعتها تحطيم اقتصاد العراق وجره الى حرب غير محسوبه سياسيا واستراتيجيا بعمق كافي وكذلك الحال مع نتائجها ..
خرج العراق من الحرب العراقيه الاسرائيليه قوه عربيه على الصعيد القومي والقطري ونظام قوي ومتين و اكثر قوه وتماسك وتسليحا واقتصادا يفوق اقتصاد اي دوله في المنطقه بسبب ( ارتفاع اسعار النفط ) في حساب الدخل العام والمساحه والنفوس وبدأ ينهض نهضه عملاقه بخطط خمسيه انتجت الكثير من الانجازات ولكن لم يسمح لها بالاستمرار حيث زج العراق بحرب مع ايران والتي اعتقد جازما انها كانت مبيته للعراق وايران لاستنزافهما بهذه الطريقه كما سنرى لاحقا .
ماجرى في العراق مضافا اليه مواقفه العروبيه وخاصة في الحرب العربيه الاسرائليه الرابعه ورفضه وقف اطلاق النار متحديا موقف امريكا واوربا والاتحاد السوفيتي وتعرية النظام السوري والمصري الامر الذي جعل الاخرين يفكرون في تغيير سياسة العراق بأي وسيله متيسره اما يتغيير النظام او يتطويعه وبدأت دول المنطقه تنظر الى العراق نظرة تخوف وخاصة دول الخليج التي كانت ترى في العراق دوله شيوعيه اشتراكيه تحمل مبادىء هدامه تؤثر سلبا على شعوبها وخاصة السعوديه والامارات والكويت خصوصا كما دفعت الغيره لبعض الدول العربيه الى اتخاذ موقف ودي بالظاهر وتآمري في الخفاء مثل مصر وفي حديث شخصي مع ضابط سعودي اثناء حرب تشرين 1973 التقينا في دمشق رفض التحدث معي وبعد الحاح مني لمعرفة السبب قال بكل صراحه لدينا تعليمات بعدم الاختلاط مع العراقيين لانهم شيوعيون!!.
في مثل هذا الوضع السياسي للمنطقه والعالم كان حال العر اق الذي دخل الحرب مع ايران بقوات محدوده جدا ( 12 فرقه ) قياسا بحجم الهدف وهو ايران وباقتصاد متين ولكنه محسوب من قبل الاعداء كيف يمكن استنزافه سلفا والى اين يمكن ان يوصل العراق ,, هكذا كان الحال عندما اندلعت الحرب بين العراق وايران مواقف غير معلنه في عدائها للعراق ومواقف مبيته من العرب والهدف هو تحجيم العراق اولا ثم انهائه ..
لم يكن موقف ايران الخميني الذي قدم الى ايران في طائره فرنسيه مع ترحيب الجنرال ( هويتزر ) نائب الجنرال هيك قائد حلف الناتو الذي كان متواجدا في السفاره الامريكيه في طهران وهذا الحدث الذي فاجأ الشاه الذي يذكر ذلك في مذكراته:
( لقد فوجئت حقا عندما قيل لي يامولاي ان الجنرال هويتزر موجود في طهران ,, وعللت ذلك بأن الجنرال هويتزر طالما زار طهران مرات عديده ولكنه كان يتصل قبل كل زياره ويتم وضع برنامج للزياره وكان يطلب مقابلتي في كل مره .. ولكن هذه المره ومنذ عشرة ايام لم يخبرنا عن زيارته ولم يتصل بنا وسألت قادة الجيش عن ذلك فنفوا علمهم بوجوده الاقبل قليل) ..
لقد كان الجنرال روبرت هويتزر مساعد الجنرال هيك القائد العام للحلف الاطلسي وعندما تم القرار على ارساله الى طهران كان الجميع في البيت الابيض يظنون ان هويتزر سوف يؤيد استخدام القوه ضد المتظاهرين لتثبيت حكم الشاه ولكن العكس هو ماحصل حيث قام هويتزر بحث الشاه على مغادرة ايران بالرغم من الحاح رئيس الاركان الايراني على امكانيه القوات العسكريه ( النخبه ) على انهاء الاضطرابات بسرعه الا ان ذلك لم يكن موافقا للامريكان وقد كتبت الصحافه السوفيتيه بعد انكشاف وجود (هويتزر) في طهران وقالت انه موجود لتدبير انقلاب عسكري والصحيح انه كان موجود لمنع القيام بانقلاب عسكري وتأمين سفر الشاه وعند عودة السفير الامريكي ( سوليفان ) من الاجازه طلب الشاه فورا الاجتماع به وكان الموقف هو تحديد موعد مغادرة الشاه لايران وكان ذلك تأكيد لما قاله الجنرال هويتزر في مكالمته الهاتفيه مع رئيس اركان الجيش الايراني الذي نصحه بان يقول الشاه ان يغادر ايران .
وفي مطلع شباط 1979 قدم آية الله العظمى ( خميني ) الى طهران حيث بدأ الانهيار العام في ايران وازداد عدد الجنود الهاربين وتوقفت الحياة في الدوله وانهار كل شيء واختفى رئيس الوزراء بختيار ليظهر بعد اسبوعين في باريس وسادت الفوضى واختفى القانون وحل رجال الدين والعصابات وبدأت عمليات السلب والنهب والقتل والانتقام وتكرر هذا المشهد في عام 1991 في العراق ولكن تمت السيطره عليه الامر الذي دعى الولايات المتحده الامريكيه ان تقوم باستخدام قواتها العسكريه وبات الحال مشابه لما حدث في ايران مع اختلاف الاخراج والسيناريو ..
لقد ثبت لدى الدارسين للوضع الايراني والمطلعين لما كان يحدث ان موضوع الثوره الايرانيه كانت من تدبير الامريكان وكانت من ضمن خطه اكبر تشمل الشرق الاوسط برمته وقد نوه كل من (هنري كيسنجر و بريجنسكي) حول هذا الموضوع ولكن الاخرون ونحن العرب منهم لايقرؤن مع الاسف وانخدع العالم بالثوره التي كانت سيناريو مشابه لما يحدث اليوم من سيناريو الدوله الاسلاميه ( داعش ) والنفير العام لمحاربتها كما حصل النفير العام في عام 1979 حول الثوره الاسلاميه والمهم نجح الامريكان بانشاء حاجز قوي بين الاتحاد السوفيتي وبين مناطق النفط الغنيه تحت ستار اسلامي وكان هذا نافعا حيث ساهم في تفكيك الاتحاد السوفيتي ..
ارسل العراق رساله مجامله دبلوماسيه تهنىء بها قادة الثوره الجدد ولكن الرد كان قاسيا في الاعراف الدبلوماسيه والمخاطبات الرسميه بين الدول ( السلام على من اتبع الهدى) الامر الذي جعل القياده العراقيه تعقد اجتماعا طارئا لمناقشة الوضع في نفس الوقت بدأ رجال الدين وغيرهم يصرحون تصريحات معاديه للعراق ومن هذه التصريحات ( طريق القدس يمر من كربلاء ) وغير ذلك مما يفسر على انه تهديد بالحرب .. العراق بدأ بالتهيؤ لاي موقف طاريء من الجار الشرقي مع تلاحق الاحداث والتصريحات غير المسؤوله والتي كانت تتهجم على العراق علنا وتهدد بتحريره وتحرير مكه والمدينه المنوره والقدس ,, كل ذلك كان يعني للقياده في العراق ان الاصطدام قادم مع ايران وانها لابد ان تهيأ مستلزمات هذه الحرب التي لم يعلم احد متى ستبدأ ..
كان العراق قد شن حملة شديده طالت تنظيمات حزب الدعوه الاسلاميه الشيعي في منتصف عام 1979وكانت قد سبقتها حمله في عام 1977 بعد احداث خان النص واعتقلت كوادره السريه وخاصة تنظيم البصره والجنوب وعرضت الاعترافات على الاعلام وتبين ان ايران مصممه على تغيير النظام في العراق بنظام موالي لها مهما كلف الامر ولذلك تبدلت لغة التهديدات الاعلاميه الى تهديدات عمليه على الارض بدأت في تفجيرات المسيره الطلابيه وسقط فيها قتلى وجرحى...
ومن ثم تكررت وقد جرح فيها مسؤولون حكوميون مثل طارق عزيز ووزير التعليم العالي والعديد من الطلبه ,, هذا الامر اظهر ان هناك اصرار على المضي بالمنهج العدواني على العراق ومن هناك بدأت اجراءات عسكريه عراقيه تهيأ لما سيحدث وبدأت القيادات العسكريه تضع الخطط الازمه لتفادي الاصدام واسلوب العمل مع ايران عسكريا عند الحاجه كأجراء اعتيادي معمول به في كل دول العالم ..
في الفتره المحصوره بين أذار وتموز 1980 قامت القياده العسكريه العراقيه بتنفيذ عددا من التمارين العسكريه للقطعات المدرعه والاليه سميت بتمارين ( التخلل) وهي كيفيه تخلل القطعات من خلال قطعات اخرى تمسك الارض لمهاجمة اهداف معاديه وكان ذلك من ضمن الاستحضارات العسكريه لمواجهة ايران وهي جزء من الخطه العامه.
بالساعة 1600 بالتوقيت المحلي اي الرابعه عصرا من يوم 4 أيلول 1980 استلمت رساله من مقر الفيلق الثاني بحصول قصف مدفعي على عدة اماكن في قاطع مندلي وخانقين وهناك خسائر مدنيه وتهديم بعض الدور .. وتم الاتصال هاتقيا بمقر الفيلق زياده في الاستفسار وتبين ان هناك مواضع مدفعيه ايرانيه تقوم بقصف المدن العراقيه من داخل الاراضي الايرانيه وان قطعاتنا قامت بالرد على مصادر النيران بالمثل كما ان هناك طيران ايراني على المنطقه .
لغاية يوم اعلان الحرب على ايران ردا للعدوان كان العراق قد سلم ( 247 ) شكوى لاختراق ايراني على الحدود البريه والجويه والبحريه واعتبر ان ماتم في 22 أيلول 1980 هو الرد على العدوان وابعاد تأثير اسلحة العدو على مواطنينا .
في هذا المقال سوف لن نتطرق الى حجم القوات والتشكيلات العسكريه التي اشتركت في القتال ولا الى المعارك التي دارت لان المقال يختص بالجوانب السياسيه للحرب ..
الموقف الدولي من الحرب
ساء الوضع جدا في ايران وبدأت النزعات القوميه والمذهبيه تطفو على السطه واعلن الاكراد شبه استقلال وكذلك البلوش والاذريين والعرب والاحزاب الدينيه بدأت صراعا على السلطه مع نظائرها من الاحزاب العلمانيه وخاصة حزب توده ومجاهدي خلق والحركات الاخرى التي كانت ترى نفسها هي صاحبة الحق في التغيير ولكن المخطط كان يسير باتجاه آخر حيث يورد الكثير من الصحفيين ان عملية ضخ شباب ورجال يرتدون الزي الديني في كل ساعه وهم ابعد مايكونون عن الدين وكانت الغايه جلب عطف والتفاف البسطاء من الشعب الايراني حول آية الله الذي لم يكن له دور في الثوره في بدايتها وركب الموجه بهذا الاسلوب وانتهى الصراع لصالح الاحزاب الدينيه وبدأت موجة انحسار العلمانيين بالرغم من انتخاب بني صدر لرئاسة الجمهوريه ..
كانت ايران مقبله على تفتت وانقسام الى عدة دويلات ( كورديه – بلوشيه – اذريه – فارسيه – عربيه ) وقد اكدت امريكا رفضها لتجزئة ايران وتقسيمها
وجاء ذلك على لسان الرئيس الامريكي جيمي كارتر في خطاب وجهه بهذا الخصوص حيث قال بالنص ان الولايات المتحده الامريكيه سوف تعمل كل مافي وسعها لمنع تقسيم ايران الى دويلات .
الاتحاد السوفيتي كان متفرجا ولكن بعد الاحداث التي سيطر بها رجال الدين كان الرؤيا السوفسيتيه تنبع من رؤيا الاحزاب الشيوعيه التي تضررت كثيرا في ايران وكان موقف الاتحاد السوفيتي انه لايؤيد قيام دوله دينيه في المنطقه لانها تخدم الولايات المتحده الامريكيه .
تحت هذا الموقف الدولي للقطبان العالميان وضع العراق خططه لمعالجة الموضوع الايراني وكان قرار الهجوم المباغت على القواعد الجويه الايرانيه ومراكز القياده والاهداف المهمه ولم يكن الجيش الايراني مستعدا للرد او ماتبقى منه للقيام بصد العمليه العراقيه التي اعتبرت القياده العراقيه انها فرصة تاريخيه لايمكن ان تتكرر وقدرت مدة الحرب لاتتجاوز الاسبوعين على الاقل وكحد ادنى شهر وان تدخل العالم والامم المتحده سيكون فعالا وستحسم قضايا العراق وايران العالقه لصالح من يمسك الارض ولكن جاءت الحسابات مختلفه تماما .
غلطة بغداد
يقول الكاتب الفرنسي ( ادور سابيليه ) والذي كان يعمل صحفيا خاصا لشاه ايران لاخر يوم وظل معه في طائرته التي غادر بها طهران الى المغرب وهو كما معروف يعمل في المخابرات الفرنسيه ..يقول ان المخابرات الفرنسيه قدمت نصائح الى القياده العراقيه بعدم القيام بأي عمل عسكري واستغلال الظرف الحالي باتجاه ايران لان ايران مقبله على التفكك وستتكون من خلال ذلك عدة دول صغيره ضعيفه وسيكون لكم بالتاكيد حصه فيها ولذلك ننصحكم بعدم التسرع وترك الموضوع الى الوقت الذي سيكون في صالح العراق ..
لم تقتنع القياده العراقيه بذلك وكان الاتجاه لدى القياده وخاصة المرحوم طه الجزراوي وطارق عزيز مع اتجاه الحرب على عكس المرحوم عدنان خير الله وفي جلسة جمعتني مع المرحوم الحاج خير الله طلفاح وكانت الحرب في ايامها الاخيره قال ان سبب هذه الحرب هما طارق عزيز وطه الجزراوي وقال لقد نصحت ابن اختي بضرورة توثيق العلاقات مع امريكا لكي ننهي هذه الحرب ,,
ويعزو البعض ان اسباب اقصاء المرحوم احمد حسن البكر كان بسبب الحرب مع ايران التي رفضها وكذلك الحال مع بعض الشخصيات في القياده القطريه ومكاتب الحزب تحت اسباب مفتعله اخرى .
لقد كان للعراق قوات منتشره على الحدود مع ايران وهي قوات حرس الحدود وكان بامكان العراق تعزيز ذلك ونشر قطعات اضافيه في اماكن منتخبه كأحتياطات جاهزه للعمل بالرغم من ان الجيش الايراني كان معطل او بالاحرى انتهى عمليا ولو صبر العراق مع هذا الاجراء اعلاه ومتابعة الداخل والامن العام لكانت ايران تفككت او على الاقل انشغلت لسنين في مواجهة حركات تمرد كورديه وبلوشيه وعربيه واذريه وسوف تسقط كدوله من الناحيه العمليه ..
لماذا اختار العراق الحرب ؟ هل كان يبحث عن نصر ما ؟ او كانت هناك تطيمنات غربيه او شرقيه للوقوف بجانبه خلال الحرب عسكريا وسياسيا ولكن هذا لم يحصل من اي دوله والجميع التزم بقرارات الامم المتحده ومنع الاسلحه عن العراق عدا اسرائيل وايران مما اضطر العراق لجعل الاردن وسيط لتوريد السلاح وكانت القياده تغض النظر عن السرقات التي كانت تقوم بها اللجان الاردنيه في سبيل استمرارية التوريد وحسب اعتقادي ان القياده العراقيه كانت تعتقد انها فرصة لتحقيق مكاسب على عدو تقليدي واضعافه والظهور بمظهر القوي واستلام واجب حماية الخليج عوضا عن ايران كقوه اقليميه ..
للامانه والتاريخ لم تقم امريكا او بريطانيا والغرب عموما عدا فرنسا او الاتحاد السوفيتي بارسال قطعة سلاح واحده للعراق وكان استيراد السلاح يتم من مناشىء فرنسيه عن طريق طرف ثالث ( الاردن – السعوديه ) ومنها مدافع ذاتية الحركه وعتاد من مصرويوغسلافيا ايضا عن طريق طرف ثالث ..
صديق المجله \ بغداد
738 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع