د.نسرين مراد
نادراً ما شهدت ساحات الصراع الدولية نجاحاً نتيجةً للتدخلات الدولية الخارجية؛ الأخيرة عادةً ما تقوم بها الدول الأعظم في السياسة الدولية. الأمثلة على ذلك كثيرة، منها القضية الكورية والقضية الفيتنامية.
مشكلة الشرق الأوسط ستظل تراوح مكانها إلى إشعار آخر، طالما المنطقة وأهلها يخضعون للتجاذبات والتقاطعات الدولية.
بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 انتقلت السياسة الخارجية الأميركية إلى طور الهجوم. نقلت كامل ثقل الحروب والأزمات إلى عقر دار الشعوب الإسلامية والعربية. أفغانستان هي الضحية الأولى؛ النتيجة متوقعة وطبيعية، أن يواجه الشعب الأفغاني وضعاً كارثياً مزمناً.
الدولة الأفغانية تعاني من تبعات السياسة الدولية، وتدفع الثمن من دماء أبنائها . في وضع مشابه وبطريقة دموية غايةً في العنف، اضطرب الوضع في العراق. الدولة العراقية تواجه الحروب الأهلية الطائفية، ذلك ما يضعها تحت شبح التقسيم والتمزق والاضطراب المزمن، محلياً وإقليمياً ودولياً.
لم تفعل السياسة الدولية التي تتحكم فيها الإدارة الأميركية، ما يمكن أن يخلص العراق من الحرب والضياع، وحتى شبه الزوال عن الخريطة السياسية والديموغرافية للعالم. الدول العربية تعاني من تبعات العبث بمصيرها من قبل السياسة الدولية الماكرة.
تواجه الدول التي مر الربيع العربي بها، وضعاً لا تُحسد عليه، شبيهاً بما جرى للكوريتين وأفغانستان والصومال والعراق. أدخلت السياسة الأميركية بذرة الطائفية في المنطقة من العراق إلى الدول المجاورة والبعيدة.
وفرت غطاء سياسياً وقانونياً، تحت عباءة الديمقراطية وحقوق الإنسان، للأبواق الإعلامية التي تبث مادةً تحريضيةً مسمومةً على مدار الساعة لعشرات الأبواق الطائفية. الأخيرة مسؤولة ميدانياً وعملياً تطبيقياً عن تأجيج النفَس والحقد الطائفيين.
انتشرت الفاشية والشوفينية العنيفتان بين مختلف الطوائف والأعراق والقوميات والمذاهب، ثم سمحت لتلك الفئات المقتتلة بالتسلح حتى الأسنان، بغرض القيام بمهمة تدمير الدول المستهدَفة وديموغرافيتها.
تشبه عملية نقل الديمقراطية الغربية، ظاهرة الانقلابات العسكرية التي كانت تدعمها الدول الأعظم إبان الحرب الباردة. منطقة الشرق الأوسط غير مستعدة ثقافياً واجتماعياً وتربية وتعليماً، لاستقبال ما قد يمليه عليها صندوق الاقتراع. الأمثلة على ذلك كثيرة، إذ ليست هنالك دولة احتكمت لصندوق الاقتراع إلا وحلت بها الحرب الأهلية؛ بشكل أو بآخر.
وما يجري في العراق واليمن وتونس وسوريا وليبيا، شواهد على ذلك. في خطوات متممة لأسلوب التدخل العاقر في حل الأزمات، أقبلت الإدارة الأميركية أخيراً على الزج بنفسها مرةً أخرى في الحرب على «الإرهاب» بشكل مباشر.
هنالك مفارقة جديدة، وهي أن مختلف أطراف الصراع المكتوية بنار السياسة الأميركية الخارجية، ترحب بالتدخل الأميركي. تتهافت عليه كما لو كان جاء ليساعد في حل الأزمات المحتدمة أصلاً بفعل السياسة الخارجية الأميركية.
ذلك ما وضع البلاد والعباد تحت رحمة تلك السياسة الهوجاء واللاموضوعية واللاواقعية. تنتظر تلك الفئات دوران عجلة السياسة الأميركية التي تقف مع فئة ضد أخرى، وبشكل شبه دوري. وضعٌ يبقي تلك الفئات في حالة حرب مع أنفسها لإرضاء الغير؛ أولاً وثانياً إلى ما قبل أخيراً.
آن الأوان واتضح الأمر أكثر من أي وقت مضى، لكي يعود الناس والقادة والحكام والمعارِضون إلى رشد كل منهم، عليهم أن يحلّوا مشاكلهم بأيديهم. العرب يواجهون خطر الزوال من الخريطة الديموغرافية والسياسية العالمية، بأيديهم وبتخطيط غيرهم.
الجرح العربي إن يستمر في النزف هكذا، فسوف تحدث انهيارات في المبادئ والقيم الاجتماعية والحضارية التاريخية. ذلك ما يعزز تفاسير بعض رجال الإكليروس العرب من الطوائف المختلفة، عن علامات ظهور المسيح أو المهدي المنتظريْن؛ بشكل حقيقي أو كاذب زائف!
463 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع