هدى الحسيني
هناك تساؤلات كثيرة حول العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش»؛ منها: أين هي غرفة العمليات المشتركة؟ ثم هل القوات الغربية تريد القضاء على مقاتلي «داعش»، أم فقط قصف بعض الأسلحة الأميركية، وليس كلها، التي غنمها الداعشيون من الجيش العراقي؟ فإذا كانت كاميرات التلفزيون تستطيع أن تلاحق وتصور أعدادا كبيرة من قوات «داعش» («سي إن إن» ليل الجمعة - السبت الماضي)، فكيف لا تستطيع الطائرات أو الآليات أو حتى الرشاشات إصابتهم؟
في الجمعية العمومية للأمم المتحدة قال الرئيس باراك أوباما: «اللغة الوحيدة التي يفهمها قتلة مثل هؤلاء هي لغة القوة. الولايات المتحدة ستعمل مع حلفائها على فكفكة (شبكة الموت) هذه». ثم قال مساء الأحد الماضي على شبكة «سي بي إس»، إن الاستخبارات الأميركية قللت من شأن ما يحصل في سوريا وبالغت في تقدير قوة الجيش العراقي». (ثارت عليه ردود فعل عنيفة في واشنطن، واتهمه كثيرون بأنه رئيس لا يعترف بأخطائه).
هل الغرب قادر على القضاء على «شبكة الموت» هذه بالغارات الجوية فقط؟ وهل الوضع المعقد في سوريا هو الذي حتم هذا القرار المحدود؟
إذا أخذنا سوريا، وإذا جرى تحجيم تنظيم «داعش»، فماذا بعد؟ المستفيد الوحيد من ذلك ستكون حكومة بشار الأسد، وكان أوباما يقول قبل سنة إن على الأسد أن يرحل. لذلك عندما تُقصف أهداف لـ«داعش» في سوريا، فسيحدث فراغ، وليس واضحا إلى الآن من سيملأه. وكان لوحظ أن الدول الأوروبية في التحالف الجديد حددت أهداف عملياتها في العراق، في حين أن الدول العربية اختارت سوريا لأن هدفها الإطاحة بنظام الأسد من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الحكومة العراقية الجديدة تتردد حتى الآن في إعطاء السنّة حصة في الحكم، وبالتالي لماذا يخففون الخطر عن إيران؟
في سوريا لا توجد قوة يعتد بها لمواجهة «داعش» والجماعات الجهادية الأخرى غير قوات النظام، وحسب مصدر أميركي، فإن هذا الوضع بالضبط، هو الذي منع الولايات المتحدة من التدخل في الحرب السورية، لكن، كما يضيف، فإن «انتصارات (داعش) الأخيرة وارتكاباتهم المظلمة جعلت واشنطن تشعر بضرورة تجاوز معضلة وجود نظام الأسد، وكذلك فعلت الدول العربية». والقول إن الحرب على «داعش» ستكون طويلة، يوفر أيضا فرصة لدول التحالف لإنهاك نظام الأسد، وبروز قوة جديدة على الأرض.
هناك حوار حول من يطلق عليهم «المعارضة المعتدلة» وما قدرتهم على القتال. يوجد بعض المعتدلين في ظل «الجيش السوري الحر».. هؤلاء ليسوا أقوياء ويتعرضون للقصف من الجهتين: الحكومة و«داعش».. هم موجودون في جنوب البلاد، لكنهم ليسوا بالقوة الكافية للتحكم في أراض شاسعة، كما أنهم ليسوا أقوياء للتحكم في أراض إضافية، وليسوا قادرين على استغلال الوضع في الرقة لملء الفراغ. الكل بانتظار الـ5 أو الـ10 آلاف مقاتل الذين رصد لهم الكونغرس الأميركي مبلغ 500 مليون دولار.
مع كل هذا، لا يرى الأوروبيون نهاية واضحة المعالم للاستراتيجية الأميركية في سوريا. في لقائه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك طلب ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني أن تتخلى إيران عن بشار الأسد، أي كما فعلت مع نوري المالكي. حتى هذا الاتصال لا ترضى عنه الدول العربية؛ إذ كما قال لي مصدر أمني أوروبي بعد سقوط صنعاء في يد الحوثيين: «استراتيجية إيران أن تتحرك في كل الدول العربية وغير العربية التي يوجد فيها شيعة.. ولن تتوقف».
العراق أيضا في وضع معقد.. يمكن للغارات الجوية أن تحجّم «منشآت داعش» في غربه وشماله، لكن الحكومة العراقية ليست بالقوة الكافية لتدخل هذه المناطق، والأكراد لا يريدون ذلك. أوباما وعد بملاحقة «داعش»، لكن ماذا بعد ذلك؟
يقول سياسي في واشنطن: «ستكون مهمة هائلة؛ تشكيل جيش عراقي من القوى المتباينة». الأكراد الذين في البداية تراجعوا أمام هجوم «داعش»، ليسوا بالشركاء الحقيقيين لحكومة يقودها الشيعة.. ثم إن حلمهم بدولة مستقلة تلقى ضربة صاعقة؛ إذ احتاج لغارات أميركية تساعد الحكومة العراقية على إبقاء «داعش» بعيدا عن اقتحام الجيب الكردي. ثم ما يحدث في كوباني (سوريا) كشف لهم أن العلاقة مع أنقرة مهما تحسنت، فلن تنسي رجب طيب إردوغان الرئيس التركي، أنهم أكراد.
بالنسبة إلى سنّة العراق، فهم أيضا لا يثقون برئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي الذي لم يعين حتى الآن وزيري الداخلية والدفاع. وحسب مصادر مطلعة في العراق، كلما حاول العبادي تعيين شخصيتين في إحدى هاتين الوزارتين تمنعه الضغوط الإيرانية من تسمية سنّي في أي من المنصبين.
يقول السياسي الأميركي: «تحرك أوباما لأنه لم يرغب في تدخل أي دولة مجاورة في العراق بعد غزوة (داعش)، وما نراقبه في الشرق الأوسط الآن هو حرب إسلامية سنية - شيعية، وسنستمر في رؤية هذا الصراع حتى حصول مصالحة إسلامية كبرى». يضيف: «الشرق الأوسط الآن وصل إلى ذروة الفوضى، والتحالفات فيه تتغير باستمرار، لكن وجود عدو واحد للجميع قد يوفر فرصة التلاقي، من يدري؟».
قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني أدار مع الأكراد معارك تحرير آمرلي. كان على الأرض في وقت كانت فيه الطائرات الأميركية تشن غاراتها. إذن الاثنان يعملان ضد «داعش». ويقول البيت الأبيض: «إننا نتصل ببعض لكن لا ننسق»! هذا لا ينطبق على تركيا المؤيدة للإخوان المسلمين هي وقطر، فقد نجحت في عقد صفقة مع تنظيم «داعش» بأن أطلقت له ما يزيد على 50 جهاديا من سجونها في مقابل إفراجه عن دبلوماسييها المختطفين في الموصل.
بعد ذلك يكرر إردوغان أن تركيا تريد المشاركة، لكن حسب مصدر أميركي: «مع الأتراك لا يمكن معرفة مدى التعاون المتوقع. على الأقل، نتوقع أن توقف أنقرة تدفق الجهاديين عبر حدودها إلى سوريا». ويضيف: «القوات الأميركية ترغب في استعمال قاعدة آنجيرليك.. منها تصبح العمليات الجوية فوق سوريا أقل صعوبة». لكن، وكما كشف حصار مدينة كوباني الكردية، يبدو أن أنقرة تستفيد من «داعش» ضد الأكراد، ولا يزال مقاتلو «داعش» يعبرون الحدود من دون عراقيل. وكأن واشنطن لا تزال تأخذ الموقف التركي بالاعتبار. إردوغان يريد الإطاحة بالأسد، وفي الوقت نفسه إضعاف أكراد سوريا، يليهم أكراد تركيا.
يقول السياسي الأميركي: «قطع رأسي الصحافيين الأميركيين كان دعوة لنا للدخول في هذه الحرب، لقد استفزنا (داعش). والسبب أن (داعش) لا حلفاء له، لكن إذا استطاع شد أميركا كما حصل، فستتاح له فرصة إيجاد حلفاء، لا سيما أن كل الجماعات الإسلامية تكره أميركا، وتلتف حول كل طرف يقاتلها. بطريقة ما، هذه المعركة اختارها (داعش) لكسب حلفاء». يقول: «كلما طاردت أميركا المتطرفين، سهل على (داعش) تجنيد مقاتلين». وقد لوحظ أن مجموعات جهادية بدأت تعلن ولاءها لـ«داعش»، وترى فيه الطرف الذي يحقق أحد أهم أحلامها أي إقامة دولة الخلافة.
في النهاية يقول السياسي الأميركي: «على أرض الواقع السياسي، لا يشكل النظام السوري خطرا على أميركا، أما (داعش) وإذا كان بالقوة التي تصفها أجهزة الاستخبارات، فإنه يشكل خطرا على أميركا. لذلك علينا أن نركز على ما يقلقنا».
1158 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع