د.نسرين مراد
يواجه العرب حالياً أخطر ظاهرة طارئة في تاريخهم.
ازدادت حدة النشاط الإعلامي اللامسؤول، مع الشعور بجلب الحرية والديمقراطية لمجتمعات كانت بالأمس القريب تفتقر للحد الأدنى من حرية التعبير. أخذ النشاط الإعلامي منحى غير محبذ أو متوخى شعبياً، حين طفت على السطح ظاهرة النشاط الإعلامي المنحاز؛ سياسياً أو فئوياً طائفياً.
مع التوسع في تطبيق تقنيات توصيل المعلومات، صار لدى الأفراد والجماعات هامش واسع تُمارَس فيه كافة الأنشطة النشاز؛ إعلامياً وسياسياً ومنطقياً وعقائدياً. كل وسيلة إعلامية تنقل الحدث من زاوية تختارها، بحيث تتماهى مع أهداف سياسية أو اجتماعية أو عقائدية مذهبية منقرضة. انتشرت أبواق الدعاية التي لا تهتم كثيراً لتمزيق وتشرذم المجتمعات وتحويلها إلى أكوام من الفخار المتهافت نحو زيادة تكسير بعضه البعض.
المراقب لعشرات ومئات القنوات الإعلامية، يدخل في دوامة فكرية وسياسية واجتماعية تضع الأمور والأوضاع العامة في مهب رياح التغيير. المجتمعات والإدارات تتلاهى بشكل واضح عن تطبيق خطط ومشاريع التنمية والتطوير والتحديث.
الفئات الجماهيرية المتخاصمة والمتصارعة تنتظر مادةً إعلاميةً تدغدغ عواطفها، وتلعب على الأوتار التي تسترخي عليها أعصابها. انقسمت المجتمعات الموحدة إلى أقليات وأغلبية بهذا الشكل أو ذاك، بفعل أنشطة إعلامية تراعي في قول الحق فقط لوم اللائمين الممولين والمشرفين أيديولوجياً عليها.
لا تهتم ولو بالحد الأدنى للكوارث الناجمة عن تقسيم المجتمعات إلى فئات، تلتهب خطوط التماس الديمغرافية والفكرية الأيديولوجية فيما بينها. الأمثلة على ذلك قديمة وحديثة ومستحدثة حسب الطلب، وفي جل الأقطار العربية.
الفوضى العامة والاضطرابات والحروب الأهلية هي ما يميز الواقع العربي الجديد. باتت محاولات إدخال الديمقراطية إلى أركانه تثير أشكالاً من الاستفهام والدهشة والتعجب والاستغراب.
لا يعني التشاؤم بشأن نتائج التغيير في العالم العربي الحنين إلى الماضي، الذي كانت ترزح المنطقة العربية فيه تحت أنظمة استبدادية دكتاتورية فاسدة.
مهما يكن الوضع الحالي سلبياً فإن العودة إلى الماضي ولو فكرياً خيالياً، تعتبر ضرباً من الهواجس والكوابيس المزعجة.
لكن على الشعوب والأنظمة العربية الحديثة العمل كثيراً لإصلاح الأحوال المتردية، والتي تتفاقم وتفوق في رداءتها أيام الدكتاتورية والفساد وانعدام خطط التنمية والتطوير. العالم العربي بحاجة إلى الكثير من الجهود الجماهيرية والحكومية للتخلص من حال أُطلق عليه «الفوضى البنّاءة»، تيمناً بها أو مكراً خبيثاً لتمرير أجندات معينة.
الإعلام العربي ما بعد ربيع التغيير، مطالَب أكثر من أي وقت بتبنّي منهجية عقلانية واقعية حكيمة، بعيدة عن المبالغة والتهويل والكذب والتزوير، والنظر إلى الأمور من زاوية ضيقة واحدة.
مقارنةً بالإعلام الغربي، ورغم الاختلافات الكبيرة في تناوله للأمور، إلا أنه وقت الحروب والأزمات يتوخى التوحد والترسخ، حفاظاً على سلمية وسلامة تلك المجتمعات. يتوحد ضد عدو خارجي، يتمثل حالياً بما يسمى دولياً بحركات الإرهاب الإسلامي أو العربي.
يطلق الإعلاميون والسياسيون الغربيون عليها ألقاباً ونعوتاً في جل الأحيان ليس لها وجود حقيقي على أرض الواقع في المجتمعات الإسلامية والعربية. وأحياناً يقومون بدعم الحركات الإرهابية سياسياً ومادياً ومعنوياً وإعلامياً كي تقف على أقدامها، ثم يطاردونها ويتوحدون في الوقوف أمامها.
بعكس الإعلام العربي الذي يحول المواد الجدلية، حتى التي من مستوى الخرافات والخزعبلات، إلى مواد قابلة لتفجير الشعوب والعبث بوحدتها.
المتابع للإعلام العربي يجد أنه وصل إلى درجة من الهستيريا، بات على الحكماء والعقلاء والخبراء في علم النفس والاجتماع التدخل والعمل الجهيد لوضع حد لها، قبل أن تأتي تبعات تلك الهستيريا على ما تبقّى للمجتمعات وما فيها من مقومات بقاء ووجود وتواصل.
955 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع