هدى الحسيني
بالنسبة إلى الإدارة الأميركية كان تنظيم «داعش» مشكلة خارجية بعيدة المسافة، لكن بعد ذبح الصحافيين جيمس فولي وستيفن سولتوف صار مشكلة داخلية ومسألة أولوية.
استغلت الصحافة الأميركية عملية الذبح، ضد الرئيس باراك أوباما، وكذلك فعل الحزب الجمهوري، ولاحقته تهمة الضعف في مواجهة الإرهاب وأنه خسر العراق.
منذ تسلم الرئاسة الأميركية كان همّ أوباما ألا تقع أي عملية إرهابية داخل أراضي الولايات المتحدة، نجح إلى أن برزت مشكلة «داعش» الآن.
الحملة على أوباما مستعرة هذه الأيام بسبب الانتخابات الأميركية في 4 من الشهر المقبل، التي ستقرر مصير مجلس الشيوخ. يقول محدثي، المصدر الأميركي المطلع: «هناك ثلاثة مقاعد مهمة: نورث كارولينا، ونيوهامبشير وكولورادو. إذا فاز الجمهوريون بها سيركزون على الإرهاب و(داعش)، في وقت يتحسن فيه الاقتصاد، هم سيتجاوزون ذلك وسيرفعون علم البطالة العالية».
قلق الإدارة أن يلعب «داعش» اللعبة التي لعبها أسامة بن لادن عام 2002، حيث استغل الجمهوريون الخوف وانتصروا في انتخابات مجلس الشيوخ يومها وصار التركيز، بدل أن نحارب الإرهابيين في أميركا، فلنحاربهم في أفغانستان.
وكي لا يتكرر السيناريو في الانتخابات المقبلة، قرر أوباما أن يأخذ المبادرة ويبني تحالفاً دولياً ضد «داعش»، وقد وصف أحد المسؤولين الأميركيين هذا بأنه تحالف أطراف في المنطقة يكرهون بعضهم البعض.
يقول محدثي: «جاء من يبلغ أوباما، إذا أضعف (داعش) في العراق يضعف في سوريا، ويفسح المجال للقوة التي يجري إعدادها، لكن المشكلة هي في التحالف التركي - القطري المؤيد للإخوان المسلمين. ويضيف: «يريد الأتراك والقطريون إبلاغ الأميركيين أننا نفهم في المنطقة أكثر منكم، ونستطيع أن نفيدكم أكثر من الآخرين، لهذا تركيز الدولتين هو على سوريا الآن، لكنه يوضح أن القطريين صاروا ضمناً أقرب إلى التفكير السعودي مما كانوا عليه في السابق».
إن قضية مواجهة «داعش» فرصة لترميم العلاقات الأميركية - السعودية والأميركية - المصرية. فقد استدعى أوباما أحد السياسيين الأميركيين المخضرمين للاستشارة فقال له: «يجب أن نتخلص من (داعش)، ولكن علينا العمل مع السعودية».
بعض أصحاب النفوذ في واشنطن يؤكدون الحاجة إلى الدور المصري. لا ينسون ذلك الدور في تحرير الكويت، ويرون أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط كي تنجح عليها أن تدرك دور مصر المهم تجاه السودان وليبيا. يقول المصدر الأميركي: «في اجتماعاته في نيويورك أظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي عن براغماتية وشجاعة، وعندما حدثه الأميركيون عن (داعش) ذكرهم أن مصر تقاتل أيضا منظمات إرهابية أخرى».
في واشنطن من يرى أنه للانتصار على «داعش» فإن الحل موجود في العراق، ويأتي من رضا السنة هناك. هل سيعطي حيدر العبادي رئيس الوزراء السنة ما يطلبونه: الدفاع أو الداخلية، وتمثيلاً أكبر في الحكومة، وزيادة الكثير السنّي في الجيش. يقولون في واشنطن لأوباما: «إذا نجحت سياسياً في العراق ووقف السنة معك، وكانت السعودية إلى جانبك وكذلك تركيا، تنتصر على (داعش)».
يقول محدثي المصدر الأميركي: «لتركيا دور مهم إذ إن كل المتسللين عبروا حدودها إلى سوريا. في البدء ساعدت أنقرة والدوحة (النصرة). دور تركيا الآن مهم لأنها تستطيع إغلاق الحدود، ثم إن لديها جيشاً برياً، والفرق بينها وبين دول المنطقة الأخرى المشاركة في التحالف، أن القوات الجوية لتلك الدول قوية، إنما ليس لديها قوات برية بهذه القوة، وتستطيع تركيا أن ترسل كتيبة إلى سوريا، لكنها لا تريد الآن كي لا تقوّي الأكراد، إنما في مرحلة ما ستتدخل».
لا يعرف محدثي من أين يبدأ وإلى أين سينتهي، يقول: «كل هذه القضايا مثل صحن الاسباغتي الملفوفة على بعضها البعض». هناك موضوع أوكرانيا (العلاقات الأميركية - الروسية)، النووي الإيراني، داعش، اليمن. أوباما منفتح على التعاون مع كل الدول. هناك اعتماد على الأردن لأنه اخترق «داعش»، أما التردد الأميركي بعدم تسليح المعارضة السورية حتى الآن فيعود إلى تقارير جهاز «السي. آي. إي» التي أكدت أن «الثوار ضدنا، والمعتدلون منهم يقيمون في أنقرة والدوحة».
لكن، حسب محدثي: «لا يزال هناك دور لـ(السي. آي. إي) على الأرض في سوريا، وعندما يتدخل هذا الجهاز لا يعتبر تدخلا بريا أميركيا على الأرض، إنه مجرد دور أمني، لجمع المعلومات وأمور أخرى».
التفكير في واشنطن يدور حول إنشاء معارضة سورية قوية حتى يكون لها وجود على الأرض، وتكرار التجربة العراقية في سوريا أي إدخال المعارضة في حكومة ائتلاف، لكن ماذا عن بشار الأسد، يقول محدثي: «ليس من السهل الإطاحة به، إنما على طراز العراق. إيران تخلت عن نوري المالكي (بقي له دور خلف الكواليس). لذلك فإن الدور الإيراني مهم وكذلك الدور الروسي. لكن، موضوعا العراق وسوريا مترابطان. لإيران دور في البلدين، وكذلك لأميركا وروسيا والسعودية وتركيا.
فيما يخص «داعش»، هناك تفاهم ضمني وعلني بين الجميع للقضاء عليه، لكن: «إذا لم يحصل تفاهم أميركي - إيراني حول النووي ستتعقد الأمور في العراق وسوريا». يوضح: التفاهم الأميركي - الإيراني حول النووي يساعد على إيجاد حل في سوريا وحلحلة التوتر الأميركي - الروسي، خصوصاً أن روسيا تساعد أميركا في أفغانستان عبر السماح للقوات الأميركية بالمرور في الأراضي الروسية: «ألم أقل إن هذه القضايا مثل صحن الاسباغتي؟».
يقول: موضوع اليمن الآن مرتبط هو الآخر بما سيحصل في العراق وسوريا. وكذلك بالعلاقة الإيرانية - الأميركية، والعلاقة السعودية - الأميركية.
في الأسابيع الأربعة المقبلة ستحتدم الحملات السياسية الأميركية، الجمهوريون سيستمرون في مهاجمة أوباما بالنسبة إلى «دواعش» والإرهاب، وسيحاول أوباما إظهار أنه اتخذ مواقف حاسمة، وأقام تحالفاً دولياً فيه دول من منطقة الشرق الأوسط من دون إرسال قوات برية، في حين أن الغارات الجوية مستمرة.
يقول المصدر الأميركي: «ستبقى الأولوية عند أوباما، الجيش الأميركي وكيف يمنع (داعش) من تنفيذ عملية إرهابية في أميركا، وكيف يمنع التحالف من التفكك.
من ناحية القضية الفلسطينية، دفع «داعش» بها إلى القعر. ويبدو أن تركيز الإدارة على خطر «داعش» يزعج إسرائيل، لأنه أسقط بنظرها خطر إيران. حسب وجهة النظر الأميركية هناك حاجة إلى تركيا وإيران لمحاربة «داعش»، وأي تقارب أميركي من هاتين الدولتين يثير إسرائيل. يقول محدثي المصدر الأميركي: «لا تنسى إسرائيل قول جون كيري وزير الخارجية الأميركي: كل مسؤول يأتي ليراني، حتى من نيوزيلندا، يطلب مني حل القضية الفلسطينية». ويضيف: «تعرف واشنطن أن إسرائيل تريد سلاماً تفرضه هي من دون التخلي عن القدس العربية. تريد حكماً ذاتياً فقط للفلسطينيين».
في الانتخابات الأميركية المقبلة يحتاج الجمهوريون إلى 5 أو 6 مقاعد ليفوزوا بمجلس الشيوخ، وهم بالتالي سيظلون المسيطرين على مجلس النواب، وفي السياسة الخارجية الأميركية مجلس الشيوخ هو من يقرر.. إذا فاز الجمهوريون بالمجلسين فإن كل أجندة أوباما الداخلية والخارجية ستتجمد، وإذا توصلت الإدارة إلى اتفاق مع إيران يمكن لمجلس الشيوخ عدم المصادقة عليه. قد يعلق رفع المقاطعة أو يضيف بنوداً أخرى. أما بالنسبة إلى مواجهة الإرهاب فقد يطلب المزيد من التصدي!
603 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع