د.علي محمد فخرو
هل حقا أنه يوجد فرق بين الولايات المتحدة الأميركية والدولة الداعشية الجديدة؟ اذا كنا نؤمن منطقيا بأنه لا فرق بين الشر الذي يرتكب باسم الله، كما تمارسه داعش، وبين الشر الذي يرتكب باسم الديموقراطية وحقوق الانسان، الذي مارسته ومازالت تمارسه أميركا في شتى بقاع الدنيا، فالجواب عن السؤال سيكون بالايجاب.
ان داعش مؤسسة / دولة بربرية تمارس شتى أنواع القسوة اللاانسانية، لا تفرٍق بين البريء وبين المذنب، لا ترحم الأطفال والنساء وكبار السن، لا تتردد في حرق الأخضر واليابس من أجل اطفاء غضبها وتحقيق غاياتها.
كذلك فعلت وتفعل الولايات المتحدة الأميركية في حربها الشهيرة في فيتنام عندما ألقت ألوف أطنان النابالم القاتلة للمحاربين والمدنيين العزل على السواء والمواد الكيميائية القاتلة للزرع والملوثة للبيئة، وفي استعمالها للقنبلة الذرية في اليابان التي قتلت وشوهت مئات الألوف من السكان المدنيين، وفي اجتياحاتها البربرية لأفغانستان والعراق، وفي عشرات المؤامرات والاغتيالات والانقلابات التي قامت بها شتى أجهزتها الاستخباراتية في العالم كله، وفي انحيازها الأعمى اللا أخلاقي للكيان الصهيوني وتبرير كل جرائمه باسم حقه في الدفاع عن كيانه المغتصب دون أن يرف لها جفن تجاه ملايين الفلسطينيين المتشردين في كل بقاع الدنيا أو تجاه المذابح المتكررة في غزة وبقية فلسطين.
نحن أمام شرين متساويين في السقوط الأخلاقي، مع الفارق أنه اذا كان ضحايا داعش لايزيدون على بضعة ألوف فان ضحايا أميركا يعدون بالملايين.
أما على المستوى الاجتماعي فان كلتيهما تعبٍران عما يعرف في اللغات الأجنبية بالـ «Cult»، أي الطائفة الطقوسية، التي لها خصوصيتها وطقوسها وهلوساتها، داعش في حقل الدين وأميركا في حقل السياسة. وكلتاهما تمارسان طقوسهما بعبثية وقسوة وغضب بدائي وتبريرات سايكوباثية (أي بلا ضمير وبلاشعور بالذنب).
لو أننا أمعنا النظر في الصٍفات التي تتميز بها كل الطوائف الطقوسية (Cults)، سواء في الدين أو في الموضة أو الاجرام أو السياسة، فاننا سنجد كثيرا من التماثل في السلوك الداعشي والسلوك الأميركي. فخاصية التلاعب بالعقول والسيطرة عليها تمارسها داعش من خلال القراءة المتخلفة للدين الاسلامي والوعد بدخول الجنة، وتمارسها أميركا من خلال آلة اعلامية واعلانية هائلة تمارس تشويه الحقائق أو اخفاء نصفها.
وخاصية خداع الآخرين وخداع النفس تمارسها داعش عندما تعتبر الحماقات التي ترتكبها جهادا في سبيل الله، وتمارسها أميركا عندما تعتبر أن ما تمارسه من اضرار بالآخرين هو دفاع شرعي عن أميركا وشعبها.
وخاصية اقصاء الآخرين واعتبارهم من الضالين تمارسها القاعدة من خلال استعمال انتهازي لشعار تاريخي قديم وهو شعار دار الاسلام مقابل دار الكفر، وتستعمله أميركا من خلال شعار جماهيري أميركي قديم يعتبر « الطريقة الأميركية» الحياتية هي الأفضل والأرقى وأن لدى أميركا رسالة شبه دينية لنشر ديموقراطيتها في العالم.
وخاصية استغلال الفرص واستغلال الآخرين مارستها داعش في العراق عندما استفادت من غضب العشائر والسنة والعديد من الأحزاب من جرٍاء الممارسات الطائفية من قبل المالكي من جهة ومن جرٍاء تعثر العملية السياسية الهادفة لقيام حكومة وطنية من جهة أخرى، وأميركا مارست تصيد الفرص للعودة للمنطقة من خلال استغلال خوف ورعب العديد من الدول العربية من امكانية تمدد الدولة الداعشية نحو حدودها وضم أجزاء منها للدولة الجديدة، تماما مثلما فعلت مع سورية، فكان أن كونت الحلف الخمسيني العتيد لمحاربة داعش والقضاء على الدولة الوليدة.
والواقع أن هناك دلائل عند البعض بأن وراء هذا الهدف الأميركي المعلن أهدافا تتخطى هدف القضاء على داعش، خصوصا وأن اللغط يزداد متهما أميركا بأنها هي القابلة التي أشرفت على ولادة داعش من رحم من رعوها في أحشائهم فكرا وتغذية واسنادا عبر سنين طويلة.
ماذا تعني كل تلك المقارنات؟
أنها تشير في الواقع الى ضرورة طرح السؤال الآتي: هل يمكن للشرٍ أن يقضي على شرٍ ثانِ دون أن يبني على أنقاضه شرا ثالثا جديدا، قد يكون أسوأ وأخطر؟
هذا سؤال يجب أن يؤرقنا، نحن العرب، طيلة سنوات الحرب التي أعلنت مؤخرا والتي يتنبأ مشعلوها بأنها ستطول. لقد لدغ العرب عبر السنين من ألف ثعبان في ألف جحر أميركي.
لذا في غمرة آلامهم ومخاوفهم من جراء الجنون الداعشي يجب ألا ينسوا قط الشر الأميركي. يا لهذا الزمن الرديء.
992 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع