خالد القشطيني
رغم كل الاضطرابات الطائفية التي شهدتها العاصمة العراقية قبل سنوات قليلة، وبغض النظر عن كل التكهنات التي ساورت البعض في احتمال تجدد ذلك على نطاق واسع يشرف على حرب أهلية ويحول المدينة إلى بحيرة من الدم، فإن الأيام الأخيرة بددت كل ذلك وأظهرت جوهر المجتمع البغدادي القائم أساسا على روح التسامح البعيد عن التشدد الديني.
حاول «داعش» زعزعة هذه المشاعر مؤخرا، بالزحف من تجمعاته في الأنبار وحتى ناحية اليوسفية التي تعتبر ضاحية من ضواحي المدينة. من الواضح أن الفكرة من وراء هذا الزحف والتحرش بالضواحي لم تكن بقصد احتلال العاصمة. فهذا غرض يخرج عن كل طاقات الدواعش. يظهر أنهم خطر لهم أن اقترابهم من المدينة وربما احتلال بعض ضواحيها سيكون كافيا لتشجيع السنة وحملهم على الانقضاض على الحكومة المركزية والهبوب بثورة داخل بغداد من جانب الكرخ، للانضمام إلى مقاتلي «داعش» في اليوسفية، على مسافة لا تزيد على العشرة أميال.
تأملت في هذا الخطر وقلت لنفسي أعوذ بالله من هذا الكابوس. فهذا ما يوقع المدينة في لجة من الخراب والدمار والاقتتال الطائفي مما لم تشهده المدينة حتى في عصر هولاكو. من أوحى لي بهذا الكابوس، سألت نفسي. وأجابت نفسي على نفسي، وقالت: لم لا؟ فـ«داعش» مولع ومستعد للاستئناس بالمذابح ولا يحلو له العيش دون نشر الدمار والموت الرخيص ونهب الحلال وتحليل الحرام وتحريم الأمن والسلام حيثما وجد لذلك سبيلا.
بيد أن ذلك الكابوس لم يحدث، وتصدى الشهام لدفع أفوله من العابثين والمضللين بعيدا عن العاصمة، خائبا في مسعاه. ويظهر أن ما فعله في الموصل كان كافيا لتحذير بغداد من سوء فعله. لم يستجب أحد لمخططاته وأحلامه. وأظهر البغداديون عمق وعيهم وحسن تفكيرهم وأصالة عقلانيتهم وسلامة مداركهم.
إذا كان لـ«داعش» أي جانب يستحق حسن التقدير والشكر على إساءاتهم ومجازرهم فهو ما أنجزوه في العراق من لملمة مشاعر الوحدة الوطنية التي أخذت تتآكل وتتفتت في السنوات الأخيرة. بيد أن بشاعة سلوكه ومخاطر أفعاله وبربرية خلقه عززت مشاعر الوحدة والتآخي والصمود في نفوس العراقيين من سنة وشيعة، وتركمان وأكراد وإيزيديين وشبك، وسواهم من مكونات الشعب العراقي. وقد آن الأوان لننسى ما فعله المغول والإشارة لهولاكو لنأخذ بديلا عنه من «داعش» والدواعش. وإنني على ثقة بأننا سنسمع عن قريب من يخيف أطفاله ويؤدبهم فيقول: «تسكت وتصير عاقل وإلا أجيب عليك (داعش)!» وتشكو المرأة لأهلها عن سوء سلوك زوجها فتصفه وتقول «ظلم (داعش)!».
563 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع