عصر الجواري!

                                           

                                زينب حفني

لستُ منحازة لبنات جنسي ولكنني دوماً أرى بأن المرأة بكل بقاع العالم، هي التي صنعت الحضارات بإنسانيتها وميلها للسلام وسعيها الدائم لزرع الألفة بين أبناء مجتمعها رجالا ونساءً، بعكس الرجل الذي ما فتئ يتباهى بقوته الجسدية وقدرته على زرع الفتن وإشعال الحروب من أجل أطماعه التوسعية وتحقيق مآربه الشخصية.

ولو نظرنا للعصور الأوروبية القديمة سنجد بأن مثقفيها قد مجدوا المرأة وجسدها فنانوها كآلهة للخصوبة، لكن المرأة الأوروبية لم تترك الرجل في حاله يُحرّك بوصلة حياتها كما يشاء، بل كانت لها أدوار مضيئة في توجيه دفة التاريخ لصالحها بعد عقود من الكفاح والنضال الشرس. وفي مجتمعاتنا إبّان عصور الجاهلية لم تكن المرأة ضعيفة ليس لها حول ولا قوة كما روج لها مؤرخون رجال تورطوا بنظرتهم المتحاملة في تزوير تاريخنا القديم! بل كانت المرأة داخل حدودنا العربية حاضرة في الكثير من الأحداث الجارية بعصرها، ولنا عبرة بالملكتين زنوبيا وبلقيس وغيرهما من سلطانات حكمن شعوبهن.

هذا الكلام يؤكد بأن النساء بمجتمعاتنا كان لهن دور إيجابي في الدفاع عن أرضهن وحمايتها من غزوات الغرباء، وكاذب من يعتقد بأن المرأة الحرة في الجاهلية لم تكن لها مكانة بين قومها بل وصل بها الأمر إلى أن تُعدد في أزواجها وتختار الأعلى رفعة ليكون أباً لأولادها كي تتباهى بذريته بين قومها، ولنا في هند بنت عتبة أكبر مثال على ما كانت تتمتّع به هذه المرأة القوية الشكيمة من مكانة رفيعة بين قومها قبل وبعد الإسلام.

وعندما جاء الإسلام لم تقف المرأة المسلمة مكتوفة اليدين، بل كانت تقف وتُجادل وتُطالب بحقوقها التي أقرها لها الشرع دون أن يرتجف جفناها! لكن رجال الدين المتشددين تمسكوا بالآية القرآنية «وقِرنَ في بيوتكنَّ» وأخرجوها من سياقها الديني، وتمسكوا بنظرتهم الضيقة تجاه المرأة، حتى أصبحت مع مرور الوقت من الأعراف المتوارثة! وغدا النطق باسم الزوجة أو الابنة أو الأخت بمجتمعنا السعودي عيب ومن الأمور غير المستحبّة، متناسين بأن رسولنا الكريم كان يتباهى بين أصحابه باسم أمّه آمنة وابنته فاطمة! لكن للأسف التصدي لهذا الفكر الخاطئ أصبح يُجرّم صاحبه!

وفي الوقت الذي ما زال يُطالب فيه دعاتنا المتشددون بوجوب فصل المرأة عن الرجل بالأماكن العامة وفي مواقع العمل ويُصرون على منع المرأة من قيادة السيارة، ها هي المرأة المسلمة تخرج إلى الملأ وتقول: كفاكم تطرفاً! فقد استطاعت الكردية ميسا عبدو، والمعروفة باسمها الحربي نارين عفرين، نسبة إلى منطقة عفرين السوريّة التي تنحدر منها أسرتها والواقعة بمحافظة حلب، قيادة المقاتلين الرجال في (وحدات حماية الشعب) بمعركتهم ضد تنظيم «داعش» الدائرة في مدينة عين العرب السورية والتي يُطلق عليها كوباني باللغة الكرديّة.

أمثال ميسا عبدو كثيرات ممن قررن حمل السلاح ضمن مقاتلي حزب العمّال الكردستاني للدفاع عن قضيتهن بجانب مقاتلات من سوريا والعراق هببن للدفاع عن أرضهن وعائلاتهنَّ تحسباً من أن ينتهي مصيرهن مثل أخواتهن اليزيديات اللائي أُخذن سبايا عند مقاتلي «داعش» وتعرضن للبيع والاغتصاب على أيديهم!

في الآونة الأخيرة ظهرت انتحاريات قمن بتنفيذ عمليات ضد تنظيم «داعش» المتطرف، وكانت أول عملية انتحارية لمقاتلة كردية قد تمت على يد المقاتلة «ديلار جينكسيميس». وهو ما يعني بأن المرأة قررت أن لا تقف مكتوفة اليدين!

المرأة لم تعد تلقَ بالا للعرف العقيم الذي يُقيد حركتها، ويمنعها من تحقيق آمالها، والذود عن أرضها. الإيمان بالحقوق سيُخرج المارد من القمقم وإن طال أمد قيده! انتهى عصر السبايا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

697 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع