ريهام مازن
هذا الموضوع في حقيقة الأمر، هو حديث كل أسرة مصرية ترغب لأبنائها قسط جيد من التعليم، ولا أعلم ما الذي يعطل المراكب السائرة، بعد ثورتين علي فساد منظومات كثيرة في العصور الماضية، يعقبهما رئيس يحظى بشعبية هائلة، بل ووضع التعليم على أولويات مهامه الرئاسية... ومازلنا محلك سر والأمور تدار كما هي داخل المدارس والجامعات!
سأروي تجربتي وتجارب المقربين التي يشاطرهم فيها ملايين من المصريين الذين يبحثون لأبنائهم عن فرص جيدة للتعليم.. الأسر التي حكيت عنها في بداية السطور، والتي أسرتي واحدة منهم، لا تتلقى التعليم الجيد في مصر بمفهومه، لا في المدارس ولا الجامعات، وبالتالي المصيبة تأتي لاحقا في العمل.. وسأتناول هذه النقطة لاحقا.
وحين أتحدث عن المدارس والجامعات، لا أستثني التعليم الخاص منها (فالتعليم الخاص مع الأسف) أصبح شكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية، حيث تقوم بعض الأسر بإنفاق مبالغ ضخمة (ما دام ذلك في مقدورهم وأعرف منهم الكثير) نظير أن يفتخروا وسط أصدقائهم ويتباهون بأبنائهم أين، وليس كيف؟.. مع الأسف، هؤلاء لا يعنيهم جودة التعليم.. لذلك، ينتمي أبنائهم لشريحة حافظين مش فاهمين (وهذا بفرض أنهم يحفظون أصلا)!!
والمشكلة تكمن هنا في (حافظين مش فاهمين).. نوعية المدرسين المقدمة في المدارس ناهيك عن الكتب المدرسية البالية، وأكثرية أساتذة الجامعات، إن لم يكن كلهم، يهتمون بما يحفظه الطالب من خطوات في الكتاب المدرسي أو الجامعي أو الملزمة الخاصة بالدكتور.. وتحضرني قصة رواها لي صديقين وهما يكادان يبكيان، على ذكاء ابنتهما، التي تفضل أن تصل للحلول عن طريق استخدام عقلها واستخدام وسائل البحث المختلفة (كما ربياها أبواها من الصغر) في الوصول لنفس النتيجة النهائية المطلوبة، ولكن مع اختلاف الخطوات في الحل، فيقوم الدكتور في الجامعة (إحدى الجامعات المرموقة) بالسخرية منها قائلا: بالرغم من أنك توصلت لنفس النتيجة النهائية في الحل، لكنني سأعتبرها خاطئة لأنك لم تلتزمي بخطوات الكتاب الجامعي أو بالملازم التي قمت بعملها... فهل هذا يعقل؟؟؟ فبدلا من أن يقوم الدكتور أو المعلم بتشجيعها وتلاميذه على القيام بهذا الاجتهاد الشخصي وتشغيل عقولهم، يغرس فيهم التبلد وعدم التفكير أو استخدام عقولهم.. يقوم بتثبيط هممهم ويساهم في إفشالهم... هل هذا هو التعليم الذي يتعلمه أبنائنا؟
إذن، كل ما هو حولنا ينشئنا على أن نكون حافظين مش فاهمين.. وبالتالي يصبح العقل، النعمة الكبيرة التي أنعم الله بها علينا، زينة، لماذا؟ لأننا لم نتدرب سوى على ذلك.. إذن، كيف سننهض من كبوتنا، ونحن قابعين تحت هذه المظلة من المفاهيم الفاسدة للعقول البشرية، كيف نحافظ على أن يكون لدينا مبدعين ومفكرين.. لابد وأن ينقرضوا يوما، مع تنامي هذا السلوك التعليمي الذي نسير فيه.
ليس من المهم أن يكون إبني من الأوائل الذين يحصدون الدرجات النهائية، لأدرك أنه بذلك من المتفوقين، فأنا لا أريد هذا التفوق، المبني على هذا الفكر المتخلف، فقد يصبح طبيبا ويترك (أي أداة حتى ولو قطعة شاش) داخل بطن بشرية أثناء قيامه بجراحة.. أما معياري هو أن أدفع به لأن يقرأ ويجتهد ويبحث عن المعلومة، ليتعلم أن يصل إلى حلول، بجانب الكتاب المدرسي، دون التقيد به فقط، ما دام لديه عقل يفكر، وكما يقول المفكر والفيلسوف الفرنسي ديكارت (أنا أفكر إذن أنا موجود).. ليتعلم كيف يكون صانعا للقرار.
الاستثمار في الأبناء بشتى الطرق والوسائل، أهم ثروة تعود بالنفع على مجتمعنا.. لكن المهم أن تدفع الدولة في هذا الاتجاه.
من قلبي: نهوض الأمم والشعوب، لا يأتي إلا عن طريق تعليم شعوبها، ونحن مازلنا أميين، ونفتقر لأساليب التعليم الصحيحة.
إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير التربية والتعليم.. أتمنى أن تختاروا عقول من يقوموا بالمساهمة في العملية التعليمية لأنهم حجر الأساس لمستقبل مزدهر، ومن ثم يمكنكم الاستفادة بتجارب الآخرين (مثل التجربة الماليزية مثلا) لتضعوا معايير للنهوض بعقولنا وبالتالي بلدنا الحبيب... والله المستعان.
1012 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع