عين العرب تضيق بكوباني وبمقاتلاتها

                                        

                               ديانا مقلد

في خضم القلق المرافق للحصار الذي يفرضه مسلحو «داعش» على مدينة كوباني الكردية السورية، ظهرت ملامح تململ وانتقادات عربية لم يتمكن مطلقوها من ضبطها، رغم حماوة ما يجري على أرض المدينة من قتال شرس.

هذا التململ كان صريحا بل ووقحا أحيانا، حتى بات خطابا معمما رغم كل الموت واحتمالات الانتكاسة الجديدة التي تلوح على أبواب المدينة. هكذا جرى تلقيننا بأنه يجب علينا أن نقول إنها «عين العرب» كما يعتقد العرب «الأقحاح» ذوو النزعات القومية والبعثية المتمرسون بطمس الهويات.

إذ هي بحسبهم ليست كوباني.. فهل هناك من هو أقدر منا نحن العرب على تسمية مدينة سكانها من الأكراد؟! فليكفوا عن الاحتجاج والمطالبة بحقوقهم اللغوية والثقافية، فلا نجاة لهم سوى بالذوبان في هذا العالم العربي الطامس لكل اختلاف.. وهنا، لا بأس ببعض التقريع بشأن الاستحواذ الإعلامي الذي تناله المدينة: «لماذا نسيتم داريا وحمص ومدن سورية عديدة وتتذكرون كوباني؟! هل لأن لديكم عقدة الأقليات فيما الأكثريات تعاني الأمرين؟».

أما ذروة الضيق والتململ فأتت مما وصفه كتاب وشخصيات عبر مقالات وعبر تعليقات خلاصتها أن هناك احتفاء «مبالغا» به بالمقاتلات الكرديات اللواتي يخضن معارك في «كوباني» وبأن في هذه المبالغة في الاحتفاء بالكرديات شيئا من الاستشراق، والعياذ بالله..

ما سبق بات مزاجا يجري تداوله، بل وتكريسه بصفته نقدا موضوعيا لا شبهة بعثية أو قومجية فيه.. طبعا تحيط بواقع المدينة تعقيدات يشتبك فيها العامل التركي بالواقع الكردي السوري وتناقضات كثيرة شائكة..

هذا الوضع لا ينفي حقيقة أن كوباني هي فصل آخر من فصول الدراما السورية الأكبر، وأن ما لاقته هذه المدينة سبق أن عانته مدن أخرى، وأن ما يعانيه الأكراد هو امتداد لمعاناة تاريخية لهم لا تقلل من تضحيات الآخرين لكن لا يعني هذا أن لا يحسن الأكراد التعبير عن محنتهم أو أن لا يجدوا صدى لها..

أن يخذل الغرب السوريين ويتركهم يتخبطون في محنتهم مع نظام مجرم ومع قتلة متطرفين أمر لا تتحمل كوباني وأهلها مسؤوليته. أما ما أحيل إلى نظرة استشراقية في الاحتفال بالمقاتلات الكرديات إنما هو تعمية أيضا عن هذه النظرة ذاتها، حينما لاحظ المحتفلون بالمقاتلات أن البيئة الكردية التي أنتجت المقاتلات هي نفسها التي أنتجت أيضا معدلا عاليا من جرائم الشرف. فإذا كانت ملاحظة هذا الأمر استشراقية فمن قال إنه يمنع علينا تبني قيم التقدم من هذا الغرب.. فالغرب ليس قيمة سلبية بالمطلق، ونحن إذ ننخرط في ثورات وبقيم لها علاقة بالحرية وبحقوق الإنسان فنحن لا نأتي بهذه القيم من شرقنا وما أدراكم ما شرقنا.

وعلى مستهولي استشراقنا أن ينقروا سريعا على محرك «غوغل» ليكتشفوا كم جرى الاحتفاء بمدن سورية وبسيدات سوريات (غير كرديات).

يظلم العالم السوريين بعدم العمل جديا على إنهاء محنتهم. هذه حقيقة..

لكن الاحتفاء بكوباني لم يفكك خطابا استشراقيا بل فكك بعثية وقومية كامنة ومتجذرة، ولا حرية لنا وللأكراد وكل الجماعات في شرقنا سوى بالخلاص منها، تماما كما ننشد الخلاص من «داعش» ومن أنظمة الاستبداد.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

701 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع