أستاذ/ فؤاد يوسف قزانجي
مقدمة
لعل اهم شخصية اثرت في تاريخ العالم هي يسوع (عيسى ) المسيح ، اذ ان شخصيته لاتستنفذ : فتأثيرها واضح وكبير، الى درجة انه تميز باسلوب مختلف في تعامله مع عصره، عن انبياء اليهود مثلا، واصبحت القلة التي آمنت به، مجموعة من المبشرين بالدين الجديد الذين كانوا اول الامر 12 تلميذا اختارهم بنفسه ،ثم تجمع حوله خاصة بعد صلبه 70 تلميذا، منهم القديس بولس ،الذي كان رابايا (معلما) يهوديا ومن اشد مناوئيه. كانت تلك القلة تكاد تكون اشبه بانبياء اليهود في ثقافتهم وحماستهم واندفاعهم وتضحياتهم التي تعلموها من يسوع .
ولم تمض مائتي سنة على مجيىء يسوع اوبالاحرى ايشوع باللغتين الارامية والعبرية ، حتى انتشرت المسيحية دون حرب او غزو او قتال من الجليل الى دمشق، والى انطاكيا وافسس شرقا، والرها و نصيبين وحدياب (اربيل) وقرية كوخي قرب قطيسفون وبلدة كشكر وفرات-ميشان(العراق القديم) غربا، ولعلها وصلت الى الهند ايضا. اذ كانت افكار المسيحية الروحية والاخلاقية ذات اثر كبير في الناس البسطاء والفقراء وهم غالبية المسيحيين آنذاك ،انتشرت بينهم الرهبنة والنسك نساءا ورجالا،خاصة بين القرنين الثالث والخامس .
كان يسوع لايزال شابا،حينما مات،وهو ليس مثل غيره من الانبياء الذين سبقوه، اذ لم يعش سوى حوالي 35 عاما، وكان نشاط رسالته المقدسة لم يستغرق في الواقع ،سوى ثلاثة سنوات او اكثر ببضعة اشهر . وكان اسلوبه في التعامل مع الاخرين يتميز بالمحبة والمسامحة والعطاء،بحيث فاق ماقدمه الانبياء الاخرين في هذا المجال. كما انه اهتم بالنساء كما اهتم بالرجال وخاصة منهن الخاطئات ،ومن اقواله :ليس ذكر وانثى لانكم جميعا واحد بالمسيح يسوع . وقد ظهر للمرأة الخاطئة كما ظهر لتلاميذه بعد قيامته.
ان احد الاسباب الرئسية لانتشار المسيحية في العصور الحديثة، هي ان يسوع المسيح ترك ابناؤه يشرعون القوانين على ان لا تتعارض مع القيم الروحية للانسان ، وفي ماعدا القيم الروحية والاخلاقية العالية، فانه لم يحدد لنا حياتنا وافعالنا وطعامنا وشرابنا،وصلاتنا ، وترك لنا اعمال العقل في المسائل المدنية .(1)
ولادة يسوع وصباه
لما كانت مريم العذراء،مخطوبة الى يوسف الذي كان من سلالة النبي داود،ظهر له الملاك جبرائيل في حلم ،قائلا له: لاتخاف،ان الذي ستحبل به مريم العذراء، هو من الروح القدس . وستلد ابنا وتدعوه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم، ليتم ماقيل من الرب بكلام الانبياء”هوذا العذراء تحبل وتلد ابنآ ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا.”
ولد يسوع (عيسى) المسيح في بلدة ( بيت لحم) المجاورة الى اورشليم، في مذود للماشية ،لان يوسف ومريم لم يجدا في (نزل) البلدة مكانا للمبيت فيه. وكانت قد جعلت ولادة يسوع يوم 25 من كانون الاول (ديسمبر)، لكن هذا التاريخ لم يكن صحيحا تماما،وقد اعتبر بعد حساب السنوات الكبيسة ،بين يوم 5 قبل الميلاد . لذلك يكون يسوع قد صلب ومات وقام في حوالي 30 م . وبذلك تكون سنوات المسيح على الارض حوالي 35 عاما.
لما سمع هيرود ملك اليهودية انه ولد في بيت لحم ، المسيح ملك اسرائيل،ارسل من يقتل اطفال بيت لحم، حينئذ ظهر ملاك الى يوسف، وقال له :قم خذ الطفل واذهب به الى مصر،لان الطاغية هيرودس، مزمع ان يقتل اطفال بيت لحم ،فهربت العائلة المقدسة الى مصر،ومات هيرودتس في العام التالي في 4 م ،وعادت العائلة المقدسة من مصر بعد ذلك.
وهكلذا يسوع من لحظة ولادته، نجد انه عاش خارج العالم الارضي، بما فيه من قوى روحية، لان روحه وقيمه كانتا من عالم سماوي. وكان الرعاة القادمين اليه من المشرق،قد قدموا من بلاد بابل ارض الشمس الساطعة، وسألوا اين سيولد ملك اليهود؟ ،ولقد جئنا لنسجد له . كما ان نشأته في بلدة متواضعة مثل نزاريث ( الناصرة)، جعلت اليهود يتساءلون هل تطرح نزاريث ثمرا؟
كان يسوع قد سمي اولا يسوع بن يوسف، ثم سمي ايضا يسوع الجليلي ويسوع من نزاريث من قبل الناس، اما اتباعه فكانوا يسمونه يسوع المسيح .
في تلك الفترة بعد عودة العائلة المقدسة من مصر، كان ارخيلاوس ابن هيرود ،يحكم اليهودية وكان حاكما قاسيا،ولذلك ذهب يوسف الى الجليل ،حيث يحكم اخيه انتيباس. لكن بحسب ماشار اليه الرسول متى ، ان النور العظيم ينبغي ان يكون في ارض الظلام اي ارض نفتالي،ولهذا توجه يوسف الى نزاريث .
قضى يسوع صباه يساعد يوسف في النجارة ،حتى اذا مابلغ الثانية عشرة ،كان على اهله ان ياخذوه الى الهيكل ليباركه الله ،قبل ان يصبح رجلا. فذهبوا به الى الهيكل، وخرجوا فذهب وحده . و بعد ثلاثة ايام عثروا عليه في الهيكل وهو يسأل معلمي الهيكل ويستفسر منهم كل شيىء. وصار معلمي اليهود يتسائلون مع بعضهم البعض: ترى من هو هذا الصبي؟ ان كان قد جاء من نزارينا ،فهي بلدة ليست ذات شأن، ترى من اين حصل على معارفه؟ اذ كانت مسيحيانته قد اقلقتهم . وحينما سالته عائلته اين كنت طوال هذه الفترة ؟ فاجاب هل كنتم تبحثون عني، الاتعلمون اين اكون؟انا هنا في بيت ابي. ولاشك انه خالف اباه وامه ولكن كان مطيعا لروحه المرتبطة بقضيته الاساسية في الفداء والقيامة .(2)
رجعت العائلة المقدسة الى بلدة نزاريث التي سميت في منتصف القرن السابع تقريبا (الناصرة) . وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئا حكمة، اذ كانت نعمة الله عليه. ،ونشأ يسوع في نزاريث حتى بلغ الثانية والثلاثين في عام 27 م تقريبا،حينما ابتدأت رسالته المقدسة،فاتجه يسوع الى اليهودية .
يسوع ابن الانسان
ان هذا التعبير مصدره العهد القديم، ويتعلق بالبشرية . موجود اصلا في سفر حزقيال، وقد ذكر في الانجيل ، ويشير الى اسم كان الله يدعو بواسطته انبياءه هو ابن آدم او أبن الانسان. فيقول لهم :”انا ارى...او انظر الى سحاب السماء،هناك انسان، قادم من قديم الايام،قد حضر امامي، وله قد اعطي سلطان ومجد ومملكة ،بحيث ان جميع الامم والشعوب تخدمه.
رسالة المسيح
يعرف اليهود برسالة المسيح أذ قال لهم النبي موسى :” ان نبيا مثلي سيقيم لكم الرب الهكم من اخوتكم،له تسمعون.”
في السنة الخامسة عشرة من سلطة القيصر طيباريوس، وكان بيلاطس البنطي واليا على بلاد اليهودية، حينما برز في منطقة نهر الاردن يوحنا (يحيى) المعمدان، وكان يعمد الناس وينذرهم ،بان يكونوا اتقياء، واذ ظنوا انه المسيح ،اجابهم: ان الذي سيأتي بعدي اعظم مني، انا اعمدكم بالماء لكن المسيح سيعمدكم بالروح القدس . وحين تقدم يسوع الى يوحنا ليعمده في نهر الاردن،رفض يوحنا في بادىء الامر ،لكن المسيح اصر على ذلك.
صعد يسوع الى البرية حيث صام اربعين يوما. وبعد ذلك عاد الى نزاريثا، ولما سمع بسجن القديس يوحنا من قبل حاكم اليهود ،انصرف الى منطقة الجليل، وعاش فترة في بلدة كفر ناحوم قرب نهر الاردن ،ومنذ ذلك اليوم سيبصر الشعب اليهودي الذي كان في ظلمة، نورا جديدا منبثقا من تعاليم يسوع المسيح. وكان يسوع يعلم في المجامع ويكرز ببشارة الملكوت. وكان قد شفي بعض المرضى، فذاع خبره في جميع البلاد،وتبعته جموع كثيرة، حينما جاب عشرة مدن من اليهودية ومن ثم عبر نهر الاردن.
موعظة الجبل
لما راى يسوع الجموع حوله صعد الى الجبل وهناك وعظ فيهم ومما قال للجمع :
طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماء، طوبى للودعاء لأنهم يرثون الارض،طوبى للجياع الى البر لانهم يشبعون، طوبى لصانعي السلام،لانهم ابناء الله يدعون،طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين، افرحوا لان اجركم عظيم في السماء . انتم ملح الارض ،انتم نور العالم. لاتظنوا أني جئت لأنقض الناموس او الانبياء ،ماجئت لأنقض بل لأكمل. كن مراضيا لخصمك ،مادمت معه في الطريق. صلوا لأجل الذين يسيئون اليكم .لاتكنزوا لكم كنوزا على الارض،حيث يفسد السوس والصدأ. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء.لاتدينوا لكي لا تدانوا . أسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا. ماأضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي الى البر والحياة،وقليلون هم الذي يجدونه. احترزوا من الانبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان: من ثمارهم تعرفونهم. ليس كل من يقول يارب يارب، يدخل ملكوت السماوات .
الاستمرار بالرسالة
وظل يسوع يكرز ويعظ في بلدات الجليل واليهودية ،ثم دعى تلاميذه الاثني عشر واعطاهم سلطان على الارواح النجسة ، وتحدث اليهم واوصاهم بعض الوصايا. ولما سمع يوحنا وهو في السجن عن اعجوبات المسيح واعماله في شفاء المرضى، ارسل اثنين من تلاميذه الى يسوع قائلين: انت هو الاتي ام ننتظر؟ اجابهما يسوع : اذهبا واخبرا يوحنا بما تسمعان عني وما تنظران من عجائب .
خرج يسوع من اليهودية وانصرف الى نواحي صور وصيدا. و عاد من هناك الى قرب نهر الاردن، فتبعوه كثيرون لفترة طويلة حتى جاعوا ،وكانت اعجوبة المائدة : اذ كان لدى التلاميذ بضعة سمكات وخبزات،فصلى يسوع عليهما .حينذاك اكلوا جميعهم حتى شبعوا. ثم ذهب الى نواحي قيصرية .وهناك ابتدأ يسوع يقول الى تلاميذه ،ان عليه ان يذهب الى اورشليم حيث يتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة، ويصلب، ثم يموت ويقوم في اليوم الثالث كما ذكر في الكتب. وقال لهم ان اراد احد ان يأتي ورائي، فلينكر نفسه ، ويحمل صليبه ويتبعني،لانه ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم وخسر نفسه .
دخل يسوع اورشليم حيث استقبله الكثيرون،فلما اجتاز باحة الهيكل ووجد فيها الباعة والصيارفة، طردهم من هناك . ولما دخل الى الهيكل، بدأ رؤساء الهيكل يسألوه فكان يرد عليهم بالامثلة والعبر ،حينذاك أخرجوا من جيب احدهم دينارا رومانيا قائلين ايجوز ان نعطي الجزية لقيصر هذا؟ فقال لهم اعطوا ما لقيصر لقيصر وما للله لله . وحينما انصرف قال عن اورشليم : يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها،كم مرة اردت ان اجمع اولادك بلا جدوى ، وتنبأ بتقويض الهيكل .
وفيما هو مع تلاميذه على جبل الزيتون،قال لهم في عيد الفصح الاتي بعد يومين،يكون ابن الانسان قد سلم نفسه ، ليصلب .ودعى تلاميذه الى العشاء الاخبر وكان يم خميس، وبعد العشاءذهب يسوع الى بستان قريب تدعى(جشماني) ليصلي هناك.
كان رؤساء الكهنة قد اجتمعوا في دار رئيسهم قيافا ، وتشاوروا لكي يلقوا القبض على يسوع ويحاكموه . وفي المساء دلهم تلميذه يهوذا ،على مكانه، واذ اخذ احد تلاميذه سيفا وضرب احد حراس رؤساء الكهنة وقطع اذنه، لكن المسيح أبرأه ورد السيف ،قائلا : “ لان كل الذين يأخذون السيف ،بالسيف يؤخذون “.
وبعد محاكمته من قبل اليهود ورئيس الكهنة: ادانوه بتهمة التجديف وعقوبتها هي الموت،ثم ارسل الى بيلاطس البنطي الحاكم الروماني ليصدق على حكم رجال الدين اليهود. اما بيلاطس ،فأثناء استجوابه،لم يجدفيه علة تستوجب اعدامه، ولكن رجال الدين ومن معهم الحوا بتنفيذ الحكم ،فامر بجلده ،فلعل ذلك يرضي اليهود،لكن الجموع اصرت مع ذلك على صلبه وكانوا يصرخون “ ان اطلقت هذا فلست محبا لقيصر” عندها سلم بيلاطس الى مشيئتهم بعد ان غسل يديه. واخذوه الى موضع يدعى الجلجثة حيث صلب مع اثنين من المجرمين. وكانت معه امه ويوحنا وبعض النسوة عندما صلب.ترافق صلب المسيح بان اظلمت السماء لبضعة ساعات . ثم مات، وفي اليوم الثالث قام من القبر الحجري الذي دفن فيه . وقد ظهر الى تلاميذه الاحد عشر، وقال لهم : اذهبوا وتلمذوا جميع الامم . كما قال لهم سابقا : انا هو الطريق والحق والحياة .
تلاميذ المسيح
اختار يسوع كما رأينا 12 تلميذا من بينهم الانجيليون متى ومرقس ولوقا ويوحنا ،بالاضافة الى يهوذا ثم يهوذا الاسخريوطي الذي دل على مكان يسوع،الذي شنق نفسه بعد ان سيق المسيح الى الصلب. وكان كبير التلاميذ بطرس الذي دعاه يسوع بالارامية (كيفا) اي الصخرة التي سيبني عليها المسيح كنيسته . وكذلك اسطيفان الذي تولى التقديس في اول كنيسة. وثم يعقوب و اندراوس وبرنابا القبرصي، وكانوا معظمهم فقراء من منطقة الجليل،واستشهد معظمهم ،كان اولهم اسطيفان ويعقوب . كان التلاميذ مع يسوع يعيشون سوية،ويتقاسمون ماعندهم . وقبيل صلب يسوع تجمع حوله 70 تلميذا آخرا، فارسلهم اثنين اثنين لكي يعظوا باسمه بين الامم، واعطاهم سلطانا لشفاء المرضى.
نصوص تاريخية
1- كتب المؤرخ اليهودي من القرن الاول للميلاد فلافيوس جوزيفوس (37-101) عن يسوع في كتابه (العصور اليهودية القديمة) حوالي 90 م قائلا:” قد عاش يسوع رجلا حكيما لأنه عمل مآثر مدهشة، وكان معلما لهؤلاء الناس الذين قبلوا حقيقته، وكسب العديد من اليهود، واليونانيين، وعندما استمع بيلاطس الى شكاوى من رجال الدين بيننا ، حكم عليه بالصلب. وان قبيلة المسيحيين ،موجودة حتى الوقت الحاضر .”
2- كما كتب عنه مؤرخ وثني ، هو بليني الصغير في حوالي 110 م قائلا : ان الحاكم الروماني على الرومان على اقليم بتينة في اسيا الصغرى ، كتب الى صديقه الامبراطور تريانس واخبره بتصرفه مع المسيحيين الذين كانوا يتكاثرون، حتى ان المعابد الوثنية باتت مهجورة. وانه لم يكن يبحث عنهم، لكن اذا بلغه شيىء عنهم كان يعاقبهم بالموت، في حال استمرارهم في دينهم.
مكانته في التاريخ
يعد يسوع المسيح اكثر الشخصيات الدينية والتاريخية تاثيرا في تاريخ العالم . فهناك ثلث المسكونة تتبعه ،واكثر من ثلاث قارات وما يقرب من نصف دول العالم تؤمن بقيمه الدينية والروحية. وعرف بنبي السلام : لم يامر تلاميذه ولا اتباعه بالقتال او بالحرب او بالغزو او بالاستيلاء على اراضي الاخرين، ولم يلعن احد. سعى الى نبذ الكراهية والعنف مهما كان. احترم المرأة واعتبر الزواج بواحدة يكفي، وعد الزوجين كيانا واحدا. جاء المسيح بدين عالمي يشمل كل من يؤمن به،وبقيمه الروحية . لم يضع المسيح تشريعات وانما سار على وصايا الله العشر ، واضاف اليها قيما روحية واخلاقية من بينها التسامح والمحبة والسلام، فالمسيح ليس له اعداء ، سوى الشيطان والشر ،ويسعى ان يكون الانسان بلا خطيئة . اذ سيأتي في نهاية العالم لمحاسبة الخطأة.
كان المسيح قائدا روحيا اكثر منه قائدا مدنيا،فكان عباراته تشرح فلسفة العلاقة بين الانسان والله ، وتركزعلى القيم الروحية والاخلاقية، وسعى المسيحيون في القرن االثاني والثالث ان يقلدوه في حياته القائمة على الكفاف والعفة والنسك. ومع ذلك لم يحمهم ذلك من الاضطهاد الروماني: اذ كان العديد من قادتهم الروحيين يصلبون او تقطع رؤوسهم او يرمون الى الاسود في ساحات الملاعب للتفرج عليهم ،وحينما صدر مرسوم ميلان في عام 313 ، خشي الفرس من انتشار المسيحية في العراق ومنطقة آمد التي كانت تحت الاحتلال الساساني ،حيث تم جمع شخصيات دينية ومدنية بلغوا 16000 وقتلوا جميعهم بين الاعوام 375-390 .
كما سجل بعض العلماء والمؤرخين رأيهم بيسوع المسيح على النحو التالي:
1- ذكر عنه عالم الفضاء ميشيل هارت مايأتي :” ان تاثير يسوع على تاريخ الانسانية واضح وكبير ، الى درجة الى انه تميز باسلوب مختلف في تعامله مع عصره عن الانبياء اليهود ، ولذلك كان نجاحه باهرا ، واصبحت القلة التي آمنت به ، مجموعة من المبشرين بالدين الجديد، يكادوا ان يكونوا اشبه بانبياء سواء في ثقافتهم وحماسهم واندفاعهم وتضحياتهم التي تعلموها من السيد المسيح . ولم تمض سوى اربعة قرون على غيابه حتى انتشرت المسيحية في معظم انحاء اسيا واوربا . صاغ يسوع الافكار الاخلاقية للمسيحية، وكذلك اصول الاسس الروحية وافكارها المتعلقة بالسلوك الانساني ''(3)
2- قال عنه العلامة اج،جي، ويلز “ اعترف بصفتي مؤرخ، ان هذا المبشر الفقير الذي جاء من نزارينا يعتبر من دون شك موئلا لتاريخ طويل، وهو اكثر الشخصيات المتميزة في الاهمية عبر كل التاريخ .”
3- كما ذكره المؤرخ كينيث لانورايت قائلا :” مع مرور الزمن تتزايد الادلة على ان حياة يسوع ،كانت لها تاثيرا كبيرا على كوكبنا،بالاضافة الى تأثيره التاريخي.”
4- اما الروائي الروسي الاشهر فيدور دوستويفسكي فيقول عنه : “حتى الان لم يستطع كثيرا من الذين هاجموا المسيحية ان يجدوا مثلا اعلى للبشر ولا فضائل، اكثر مما قدمه المسيح .”
5- اما المؤرخ المعاصر الكبير ارنولد توينبي فيكتب عنه قائلا: كانت حقيقته الروحية قائمةبداخله. وقد نجحت المسيحية وتغلبت على الديانات التي التي كانت قبله كاليهودية والصابئية،على الرغم من ان اليهودية تعد دين الله المختار. كما ذكر كيف كتب اليهود عنه في التلمود وشككوا به كمسيح بل اساءوا اليه، وكيف ان التلمود يوضح خشيته” من اولئك الهرطوقيين من( الطائفة الصغرى) ويقصد بذلك اولائك اليهود الذين قبلوا المسيح . ويعلق المؤرخ توينبي على ما كتبه اليهود : ان اولئك الذين ينتسبون الى (الطائفة الصغرى) هم الذين جعلوا اليهودية ،الى حد ما تنحسر . علما ان كتابة التلمود استمرت حتى القرن الثالث او الرابع للميلاد. وينهي توينبي تعليقه قائلا: وهكذا نستنتج ان نظرة اليهود للمسيح والاناجيل ونظرة المسلمين اليهما بالتالي تتشابهان.(4)
الاسلام والمسيحية
تشير الموسوعة الاسلامية(ج4 ص81) انه بحسب ما ذكر العلامة جان فييه ان اسم عيسى الذي اطلقه الاسلام على يسوع جاء من تعبير (ايسو) اليوناني للمسيح، ويبدوا انه كان لايزال منتشرا في القرن السادس . وكان وصف ولادة يسوع قد جاءت مساوقة للانجيل الى حد ما في السور المكية . فقد ولد من روح الله، وكانت ولادة مريم الى يسوع بلا دنس، وجاء خلق يسوع مثلما خلق الله آدم. وان المسيح هو الكلمة التي جاءت من الله، ولكي يكمل رسالته فان الله عززه بالروح القدس. كما اخذ المسلمون فكرة عودة المسيح لمحاسبة الناس في نهاية العالم ،وسموه المهدي المنتظر.
من المسلمين من كتب بشكل موضوعي عن شخصية يسوع المسيح الى حد ما، وتذكر الموسوعة الاسلامية ايضا، شخصيتان هما الكاتب المعروف عباس محمود العقاد(1952 ) الذي اشار اليه بانه شخصية تاريخية وانسانية مرموقة، لعبت دورا مهما في القرن الاول للميلاد، واكد في تعاليمه على القيم الروحية العالية . كما اكد العقاد على موثوقية الاتاجيل التي تعكس حياة المسيح القصيرة . والشخصية الاخرى هو الدكتور كامل حسين عميد جامعة عين الشمس بمصر ايضا، حيث اشار الى موعظة الجبل الى تلاميذ المسيح فقال ان فيها لثلاثة معاني هي: ان الانسان عليه ان يرفض الالهة القديمة ويتوجه الى الله، وان يبتعد عن جمع المال،وان يحيى بحسب ضميره وحبه الى الاخرين . وفي ايامنا هذه كتب الاستاذ الدكتور حامد عبد الصمدبالالمانية(2009) ثم ترجمه الى العربية (2010) كتابا نقديا لاول مرة لشخصية اسلامية ، وعنوانه بالالمانية (وداعا ايتها السماء )،لكن عنوانه بالعربية غير ذلك ، الذي اشار الى اهمية المسيحية ودورها الحضاري والسلمي في الوفت الحاضر.
اما بالنسبة الى احياء المسيح بعد موته، فنشير الى بعض المفسرين المشهورين من المسلمين للاية التي تقول : (اذ قال الله ياعيسى اني متوفيك ورافعك الي،ومطهرك الخ..) فقد قال محمد بن اسحق”ان المسيح توفي سبع ساعات ثم احياه الله ورفعه (تفسير الامام الرازي ج2 ص457 ) . كما قال ادريس عن يسوع : ان الله أمات المسيح ثلاثة أيام، ثم بعثه ورفعه.(ابن كثير ج1 ص366) . وقال ابن حزم وكذلك ابو علي الجبائي المعتزلي: ان المسيح مات ثم احياه الله ورفعه.(كتاب نظرة عابرة على من ينكر نزول عيسى ص3 ،32 ) . وقال اخوان الصفا عن المسيح” انه ظهر الى الناس، وجعل يدعوهم ويعظهم حتى أخذ وحمل الى ملك اسرائيل،فامر بصلبه . فصلب وسمرت يداه على خشبة الصليب، وبقي مصلوبا من صحوة النهار الى العصر، وطلب ماءا وسقي خلا،وطعن بالحربة في جنبه . ثم دفن في مكان الخشبة،ووكل بالقبر اربعون رجلا، وهذا كله بحضرة اصحابه وحوارييه. وبعدذلك بثلاثة ايام اجتمعوا في الموضع الذي وعدهم ان يتراءى لهم فيه،فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم .،، (اخوان الصفا، ج4 ص30)
اهم المصادر
1- Stott, John. Jesus Christ: Teacher, Server and Savior Glory. 2008
2-Ratzinger, (Pope) Joseph. The Infancy Narratives:Jesus of Nazareth. 2012.
3-Hart, Michael H. The 100: A Ranking of the Most Influential Persons in History. 2nd Ed. 1992. P.17.
4- Toynbee. Arnold. On the Information of Judism and on World government. 2003.
948 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع