د.عبدالرزاق محمد جعفر
أعمى بطريق مظلم /الحلقة الحادية عشر
لم يرغب صابر بالخنوع مـرة اخرى امام الأنثى , فقد خطط للتخلص من كل المشاعر العاطفية التي غرزتها زميلته التي تعرف عليها في الأيام الأولى من وصوله الى موسكو , وقد أكتسب خبرة : من أن صورة أجمل أمرأة يمكن أزالتها بوضع صورة أمرأة أخرى عليها!
وهكذا أتخذ "صابر" قراراً بعدم تكوين أي علائق مع الجنس الآخر,ألا أذا كانت بمواصفات مرموقة , قد تصلح كزوجة له اذا ما أصابت سنارتها قلبه,..عندئذ يستطيع الزواج منها!,كما أن سـوء الأوضاع السياسية في العراق وعدم وجود أي أمل بالعودة ، اجبرالعديد من الطلبة العراقيين الزواج من رفيقاتهم .
امضى "صابر" مرحلة طويلة في ابحاثه وهو سعيد للنتائج القيمة التي حصل عليها والتي زادت من ثقة استاذته المشرفة عليه,.. واضافة الى ذلك تطور علاقته مع "اليمامة", والتشجيع من بعض أصدقاءه, لأعلان خطبته او حتى الزواج اذا لزم الأمر,لأن العودة للوطن ضرباً من الخيال , بسبب عدم اعتراف النظام الجديد في بغداد بشهادة الدول الأشتراكية !
بعد ستة اشهرعلى تعارف "صابر" و "اليمامة", بدأت الأمور تسير نحو الأستقرار والأيمان بالواقع واستحالة انفصالهما، بالرغم من العراقيل التي وضعها والد"اليمامة" لأبعادها عنه,.. وهكذا بدأ العد التنازلي لأعلانه عن زواجهما وفق القوانين الشرعية المعمول بها في محاكم موسكو،.. وفرح الأصدقاء لذلك القرار !
مسجد موسكو الكبير
اسـتعان صابر بذوي الخبرة من زملاءه الذين اجتازوا نـفـس المشكلة, وبعد المداولة مع اليمامة لم تمانع بأشهاراسلامها وعقد قرانهما في المسجد ,.. الا ان ذلك الأجراء لا يخولها الحصول على اذن بالسفـرمع زوجها او تسجيل الطفل رسمياً بأسمهما مستقبلاً !
كان النظام السوفيتي آنذاك يطبق الشيوعـية, ولا يعترف بالأديان رسـمياً , الا انه لا يمنع من ممارسـة شـعائرها داخل المساجد او الكنائس بشرط عدم الترويج لها !
طلب صابر من خطيبته زيارة مسـجد موسـكو الشهير, فـلبـت رغبته واصطحبها الى هناك, وقابل أمام المسجد والذي بدى لهم من سماته انه من احد رعايا الأقطارالمكونة للدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى, منها ازبكستان وكازخزتان, واذربيجان,حيث كان الأتحاد السوفيتي مكوناً من ثلاثة عشر قطراً متحدة اتحاداً فدرالياً,وان كل قطرهو دولة مستقلة, موحدة بالعملة والجيش والخارجية, مكونة جمهورية الأتحاد السوفيتي. وعاصمته الموحدة مـوسـكـو.
رحب الأمام بالزائرين باللغة الروسـية مطعمة باللغة العربية الفصحى ذات اللكنه العجمية, واسـتـفـسـرمنهم عن طلبهم ؟,... فحدثه "صابر"عن نيته لعـقـد قرانه على المواطنة السوفيتية , فـسـُـرالأمام لنبل "صابر"بتطبيق الشريعة الأسلامية,وسأل "اليمامة" عن رأيها ؟ فايدت أقوال "صابر", وفي الحال اقتاد الأمام ضيوفه الى مكتبه, وما ان جلـس الجميع , حتى كررالأمام الترحاب بضيوفه, ثم فتح كراسـاً وراح يكتب المحضرباللغة العربية, ثم طلب من"اليمامة", ترديد الشهادة من بعده,.. ففعلت بأرادتها ومن دون اي ضغط من أحد, وما ان اتم الأمام عمله, حتى طلب من"صابر" ان يصطحب معه شاهدين لتسجيل عقد الزواج وفق الشريعة الأسلامية, وهكذا تـمـت الخطوةالأولى, وودعا الأمام على أمل العودة في الأسبوع القادم مع الشهود !
أخـبـر صابر اقرب اصدقائه بما انجزه من عمل قلب كل مخططاته السابقة, وطلب من اثنين منهم , مصاحبته كشهود على عقد قرانه في مسـجد موسكو,.. في يوم الجمعة القادم , وهكذا توجه الجميع في الموعد المحدد الى مسجد موسكو, فأسـتقبلهم الأمام بشـكل غيراعتيادي فسـعـد الجميع بتلك الحفاوة المنقطعة النظير!
وما ان اكمل الأمام مراسم عقد القران, حتى طلب من احد مساعديه طبع وثيقة عقد القران باللغة العربية,.. ثم قدم الأمام الحلوى بنفسه للحضور,. وعلى الفور فتح "صابر" رزمة كبيرة اصطحبها معه, واخرج منها بساطا ً( زولية كاشـان) ثمينة جداً !
سجاد ايراني من نوع كاشان
وفي مـسـاء ذلك اليوم الـسـعـيـد اقام "صابر" احتفالاً بسيطاً في احد مطاعم موسكو, وقد حضـره جمع من أصدقاءه المقربين مع زوجاتهم او صديقاتهم ,..عزفت فيه فرقة المطعم الموسـيقية الحاناً وأغاني عربية كانت مشهورة لدى الشعب السوفيتي مثل تحت الرمانة لفيروز وطالعه من بيت ابوها = رايحه لبيت الجيران , لناظم الغزالي, وما ان انتعش الحضور حتى نزلوا بكل ثقلهم الى حلبة المسرح وقلبوها الى حفلة طرب ورقص عراقية نالت رضى معظم رواد المطعم في تلك الليلة والتي دامت حتى الصباح !
بعد عدة ايام اكمل كافة الوثائق لأبرام عقد الزواج وفق القانون المتبع في محكمة موسكو الشرعية, وهكذاوبعد تقديمه الطلب المشترك مع خطيبته اليمامة ,.. حدد لهما تاريخ الوقوف امام الحاكم الشرعي بعد شـهـرمن تاريخ تقديم الطلب بملابس الزفافه!
صورة رمزية لليمامة
كمل "صابر" وثائق طلب تسجيل زواجه, وبعد ثلاثة ايام اتصلت زوجته به في ساعة متأخرة من الليل, واعلمته بتسرب خبر زواجهما الشرعي في المسجد الى والديها , طالبين منها ألغاء العـقـد اوالخروج من البيت فوراً,.. ونظراً لعدم موافقتها, طردت من البيت,..وهي بملابس النوم, ولا يسترها سوى واقي المطر(المشمع),وحددت"لصابر" مكان تواجدها, فهرع على الفورالى ذلك المكان لنجدتها مما اصابها من تـعـسـف والديها, وما قد تتعرض له من معاكسات الشباب في مثل تلك الساعة المتأخرة من الليل,.. وبعد دقائق التقى معها, وكانت بحالة مزرية داخل (كابينة التلفون) وهي ترتجف من البرد وعليها آثارالضرب !
لم توافق "اليمامة" على تسجيل شكوى ضد والديها, لأن ذلك يؤدي الى أتهام"صابر" بأمور قد تؤدي الى طرده من الجامعة واجباره على مغادرة موسكو والعودة الى وطنه حيث لا يسمح في الدولة السوفيتية على اجباراي مواطن بتغيير عقيدته قسـراً!
اتصل "صابر" بصديق له يـسكن عند مع زوجته, عائلة روسية,.. وشرح له الموضوع ,... وعلى الفوراستدعاه الى سـكنه, ليكونا في ضيافته حتى الصباح, وبعد ذلك سيبحثان معاً طريقة لأنهاء تلك المشكلة بروية وهدوء, لأن القانون بجانبهم .
صباحاً عاد "صابر"مع زوجته,.. لتسـكن معه في غرفته الصغيرة في الجامعة والتي لا تزيد مسـاحتها على اربعة امتار, وبحمام وتواليت مشترك مع الغرفة المجاورة , وبالرغم من تلك الحالة المزرية, زادت المضايقات على زوجتة عند دخولها أوخروجها من السكن الجامعي وعلى ما يبدو كان الأمر متعمداً بسبب تأثير اصدقاء والد اليمامة على من بيدهم الأمروالنهي في السكن الجامعي,.. ولذا اضطر"صابر" لأستئجارغرفة عند عائلة روسية تسكن في عمارة بالقرب من الجامعة, وهكذا شـعـر ببعض الراحة.
أسـتقرت أحوال "صابر" بعد معاناة كادت ان تعصف بمـسـتقبله, لولا شـجاعة " اليمامة" وتمسـكها به متحدية قسـاوة والديها , وبزغـت عليهما شـمـس الحرية وتنعما بأستقرار نـسـبي, وهكدا زادت هـمة "صابر" في أبحاثه وحصل على نتائج قيمه اسـعدت أسـتـاذ ته.
عـنـد اقتراب موعد عقد القران المدني في محكمة موسكو, أشترى "صابر" بدلة العرس من هولندا عن طريق صديق له كان في رحلة لأمستردام ,.. وفي اليوم الموعود توجه مع زوجته واثنان من الشهود الى القاعة الفخمة لأحتفالات عقد القران.
وبعد استراحة نصف ساعة, نودي على "صابر" وزوجته, وتوجها برفقة الشهود الى الخط الأحمرالمواجه للقاضي,ثم صدحت موسـيقى (السـنفونية رقم واحد لجايكوفسكي) وتقدم"صابر" وعروسـته والشـهـود نحو المنصة بخطوات عسكرية ,.. ثم صـمـتت الموسيقى, وبدأ القاضـي بقراءة النص الرسمي لعـقـد القران, فوافق العروسان على النـص,ووقع الجميع على المحضر, ثم التقطت لهم عـدة تصاوير بواسطة المصورالمتعهد في هذه القاعة,.. ومن جديد صدحت الموسيقى ذاتها , وخرج العروسان واصحابهما بـخـطـوات على انغامها!,..وبعد أسبوع رغبنا بمشاهدة الصور وطبع الجيد منها,فقيل لنا : (أحترق الفلم),.. وتبين فيما بعد أنه بفعل فاعل!
في مـسـاء ذلك اليوم , اقام صابر وليمة جمعت معظم اصحابه المتزوجين من روسـيات,... ولسان حاله يقول : (مافيش حًـد أحـسـن من حًـد, فكلنا في الهم سـوى!), وهكذا توجه "صابر" وعروسته والمدعون الى مطعم ( آراكفي ) في شـارغ غوركي الذي يعتبر من أجمل شـوارع موسـكو آنذاك , أضافة الى شـهـرته بالأكلات الشرقية مثل :
( التهجين"مقلوبه", والتباكا "دجاج بالتنور" والبتي" تشريب لحم بالبستوكه الخزف" والخارجو "شوربه حامض شلغم",.. ولكن بدل الشلغم لحم غنم " والبلوف " تمن أحمر بالدهن الحر"),.. اضافة الى الأطباق الأوربية والروسية والسلاطات المتعددة الأصناف,.. وان تقارب اصناف الطعام في هذا المطعم مع الأكلات العراقية جعلته ملتقى لجميع العراقـيين ايام العطل, اضافة الى رخص سـعـرالوجبات,..حيث لا يزيد سـعرالوجبة الواحد لشخصين على العشرة روبلات وكان سعرالدينار العراقي في السوق السوداء آنذاك عشرة روبلات, و كان راتب طالب البعثة لنيل "الدكتوراه", حوالي 150 روبلاً, و البكالوريوس 120 روبل !
اسـتنشـق "صابر" طعم العسـل لأيام محدودة, بعد ان ابتعد عن السكن الجامعي , وأجـرً غرفة متواضعـة في شـقة عاملة روسية عجوز, بخمسين روبلاً شهرياً, وهكذا اصبح بأمكان الزوجين الخروج والعودة في اي وقت يرغبان من اجل التسوق او تناول وجبة العشـاء مع بعضهما, اوالسـهرلمشاهدة فيلم او مسرحية او باليه في اشهرمسرح عالمي في روسيا منذ العهد القيصري والى الآن ,الموسـوم بـ " البلشوي تياتر" اي المسرح الكبير!
ومـرًت الأيام والعروسان غارقان بشهرالعسل ,غيرآبهان,وبعـد شهر شعرت, الزوجة بأعراض الحمل !... وتوجه معها الى المستشفى النسائي,... وأجريت لها الفحوصات المتعلقة بالحمل وبعد ظهور نتيجة التحليل ,.. ثـبـت وجود الحمل!
يتبع في الحلقة/ 12 مع محبتي...
للراغبين الأطلاع على الحلقة العاشرة:
http://www.algardenia.com/maqalat/13277-2014-10-27-16-55-52.html
981 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع