د. نسرين مراد
منذ التاريخ القديم والمتوسط، وحتى ما قبل الحديث بقليل، اقترن اسم اليمن بالسعادة. يتمتع اليمن بميزات فريدة من نوعها، تجعله إنْ يستفد من أي منها أو من مجموعها، الجزئي أو الكلي، يعش كافة أهله سعداء مكتفين ذاتياً.
لليمن موقع جغرافي متميز عند مضيق باب المندب، أُضيف إلى استراتيجيته وأهميته الكثير بعد افتتاح قناة السويس. للمناخ اليمني طبيعة ماطرة على مدار السنة تقريباً، ويأتيه الماء العذب بغزارة من السماء دون بذل أي جهد. الزراعة تشكل أساس الاقتصاد اليمني وتوفر له بنيةً تحتيةً قويةً، تصلح للبناء والتقدم الاستراتيجيين.
وفيه ثروة بحرية هائلة، لامتلاكه شواطئ دافئة بمئات الكيلومترات، وبإمكان الثروة البحرية (الذهب العائم!)، أن ترفد الصناعة الغذائية اليمنية بمعين لا ينضب من «البروتينات البحرية»، المطلوبة محلياً وإقليمياً ودولياً.
الشعب اليمني معروف منذ القدم بعقليته ونشاطه وتحفزه المتميز في تكوين وبناء الحضارات. صنع حضارات بادت، يمكن تحويلها إلى معالم سياحية تستقطب له الملايين من السياح سنوياً.
ذلك ما يمنحه عملةً صعبةً عزيزة تتساقط عليه من شركات السياحة والنقل والفنادق. كل ما يحتاجه اليمن لتطوير قطاعه السياحي ليضاهي الدول الغربية، هو صرف جهد ووقت وبعض المال، لتطوير وترميم مواقعه السياحية «المندثرة» المتناثرة في عموم أرجائه.
طبيعة اليمن الجغرافية وطيبة أهله، يسهمان في زيادة جذب السياح على الدوام. في اليمن كذلك ثروات مدفونة، مثل البترول والذهب والنحاس واليورانيوم وغيرها.. ثمة مهمة تجعل اليمن بلد استقرار ورخاء وسعادة يعز نظيرها بين كافة دول العالم.
ما الذي يجري في اليمن حتى يجعله في مقدم الدول المعوزة اقتصادياً ومالياً ومائياً، والبائسة مدنياً واجتماعياً؟ ما الذي يبقي الأوضاع في اليمن تتفاقم نحو الأسوأ على الدوام؟ ومنها وقوع البلاد على مفترق طرق، كلها تؤدي إلى الفوضى والحروب الأهلية المدمِّرة!
على مدى العقود الماضية، وقع اليمن ضحية لأنظمة سياسية شديدة الفشل والتخلف، انتشر فيها الفساد والفوضى والمحسوبية وإهمال الكفاءات، وسوء اختيار المناسب للمكان المناسب. طفح الكيل بالشعب اليمني، ما جعله يشارك في موجة الربيع العربي.
نجح في خلع النظام الحاكم، بعد أن قدّم تضحيات بشريةً وماديةً هائلةً. أتت عليه قيادة جديدة منتخبة ديمقراطياً، وظن الجميع أن الحل النهائي للقضية اليمنية قد أُنجز. لفترة وجيزة استقرت الأمور، ولكن الوضع عاد لينقلب رأساً على عقب، وبدأت الفوضى والأزمات والحروب الأهلية تطل برؤوسها على اليمن من جديد.
في اليمن، هنالك عدة جهات تتحكم في المشهد، وتجعله غير قابل للاستقرار، ولو بالحد الأدنى، فالنظام السابق الذي ثار عليه الشعب لم يزُل أو يختفِ ولو بالحد الأدنى، ما يجعله يظل في الخدمة، ولو تحت الظل أو خلف الكواليس، وذلك ما يجعله رقماً يصعب تجاوزه في اتخاذ القرار اليمني الجديد، السياسي والإداري.
والنظام الجديد برئاسة عبد ربه منصور هادي يتمتع بنفس الشعبية والتأييد تقريباً، ما يجعله يستمر في البقاء، لكن ليس بشكل سائد مستقر كما يروم.
والقوى المتشددة، ومنها القاعدة والحوثيون، توجد بشكل يؤدي على الدوام إلى ضرب الاستقرار المنشود. تتخذ الجهات الراديكالية قرارات مستقلةً تعمل على الدوام على تشتيت جهود القيادة الجديدة، ومنعها من تطبيق آليات تؤدي إلى تعزيز الأمن والنظام والاستقرار.
تحتل القاعدة مناطق واسعة في اليمن، يقابلها الحوثيون بنفس التأثير السلبي تقريباً من جهة الشمال. والتدخلات الخارجية في اليمن تزيد الأوضاع حدة ووحلاً، فالتدخل الأميركي لضرب القاعدة كما هو مزعوم، يعرقل فرص التفاوض مع تلك الجماعة واستيعابها في القرار الإداري اليمني.
والتدخل الإيراني الداعم للحوثيين يجعل الأخيرين يتجاهلون هيبة الدولة، ويقدمون على التمدد والتوسع واحتلال مناطق جديدة حتى العاصمة صنعاء. تحوّل اليمن من بلد سعيد يتمتع بكامل مقومات السعادة والاستقرار، إلى ميدان واسع للفوضى والحروب الأهلية وعدم الاستقرار المحلي والإقليمي والدولي.
الخطوات اللازمة لجلب الاستقرار لليمن واضحة وسهلة التنفيذ والتطبيق! ما على القوم إلا النظر إلى حالهم والتعقل والبعد عن التظاهر والمكابرة، والعمل الحقيقي لتجنيب اليمن خطورة أوضاع مشؤومة هو في غنى عنها.
558 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع