عايدة رزق
فاز «فوازيه» وهو في ربيعه الواحد والعشرين بميدالية ذهبية من الحكومة الفرنسية لإعداده أفضل مشروع لإنارة شوارع باريس.. وفجر «سولفاي» في سن العشرين ثورة في صناعة المياه الغازية.. واخترع إيلي وايتني وهو في الثامنة والعشرين آلة حلج القطن..
وحصل توماس أديسون الذي أنار ليل البشرية بالمصابيح الكهربائية علي براءة أول اختراع له قبل أن يبلغ العشرين ليبدأ بعد ذلك رحلة اكتشافات مذهلة ضمت عشرات الاختراعات..
أما جاليليو فقد سار في هذا الدرب المثير قبل أن يصل إلي سن الثامنة عشرة.. كان طالبا في كلية الطب حين غيرت نجفة تتأرجح في كاتدرائية بمدينة بيزا بإيطاليا مجري حياته.. وألهمته اختراع جهاز صغير لقياس نبض الإنسان.. وبالرغم من أن الجهاز نال إعجاب أساتذته في كلية الطب.. إلا أن تقارير متتالية وصلت إلي أبيه تخبره بتعثر ابنه في الدراسة.. فأرغمه الأب علي تركها والتفرغ لمساعدته في إدارة المتجر الذي يمتلكه.. عمل لم يستطع جاليليو أن يتحمله.. فقرر القيام برحلة لرؤية العالم.. باحثا في كل مدينة يصل إليها عن العلماء ليجلس معهم.. يشرح لهم اختراعه.. فيسألونه فيقدم الإجابات.. ويسألهم فيعطوه المعلومات.. بين العلماء ذاع صيته بعد أن تم تعيينه أستاذا لمادة الرياضة في جامعة بيزا وعمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين.
في هذا الوقت.. انتشرت شائعة مؤداها أن صانع عدسات هولندي صنع أنبوبة يستطيع الإنسان من خلالها رؤية الأجسام البعيدة قريبة.. وسمي هذا الاختراع باسم نظارة التجسس لأن الهولندي استخدمها في البداية في التجسس علي جيرانه في مطابخهم وحدائقهم.. لم يضع جاليليو الوقت.. بسرعة صنع لنفسه واحدة رأي من خلالها كل ما يدور حوله.. رأي كل شيء ولم يبق سوي السماء.. عندما وجه إليها الأنبوبة.. كان اكتشاف المشتري.
قبل ذلك بفترة.. علق جاليليو علي جدران جامعة بيزا إعلان يدعو الجميع إلي مشاهدة تجربة جديدة عند برج المدينة.. قبل أن تبدأ التجربة ألقي كلمة في جمهور الحاضرين شارحا لهم ما هو بصدد القيام به.. مؤكدا أن التجربة ستثبت خطأ مقولة لأرسطو.. نجحت التجربة.. ونظر جاليليو إلي الواقفين حوله منتظرا تلقي التهنئة.. لكن بدلا من ذلك رأي وجوه متجهمة.. لم يكن أحد علي استعداد لرؤية شاب صغير ينسف كلاما لأرسطو.
المدهش أن قصة حياة جاليليو وغيره من العلماء القدماء والمعاصرين أكثر إثارة وتشويقا من قصص حياة نجوم السينما ولاعبي كرة القدم والتي تتكالب عليها وسائل الإعلام التي ظلت لعقود عديدة تتجاهل العلماء.. ولا تحرص علي متابعة أخبار أبحاثهم أو الاحتفاء بكل ابتكار جديد لهم.. ولا تهتم بالموهوبين من الشباب.. بالرغم من أن كثير من الاختراعات التي غيرت وجه العالم قدمها مبتكرون في عشرينيات العمر.. لذلك انتابني شعور بالتفاؤل وأنا أقرأ خبرا عن لقاء تم بين الدكتور محمد القناوي رئيس جامعة المنصورة ومجموعة من الطلاب المبتكرين بكلية الهندسة حيث عرض الطلاب ابتكاراتهم الجديدة التي سيشاركون بها في مسابقات ستقام في أمريكا وبريطانيا في الفترة القادمة.. وحيث أعلن الوزير عن قرب الانتهاء من إنشاء مركز لأبحاث المبتكرين تابع للجامعة.
ويبقي أن تسلط وسائل الإعلام الأضواء علي هؤلاء الموهوبين وتدعوهم للتحدث عن اختراعاتهم والمشكلات التي تقابلهم.. فترك هؤلاء الشباب دون اهتمام يعد قسوة شديدة تصل إلي حد الخطيئة.. ولن يكون غريبا أن يصابوا بالإحباط الذي شعرت به العالمة آنا بريتو حين تجاهل المسئولون والعاملون في وسائل الإعلام الرسالة التي أرسلتها إلي إحدي المجلات المتخصصة موضحة فيها الاكتشاف الذي توصلت إليه في مجال أمراض السرطان حيث قالت: «لقد انتابني شعور يشبه شعور المحب المنبوذ». ويا له من شعور.. قاس ومؤلم!
896 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع