الشارقة / زيد الحلي
مشاركة عراقية متواضعة وسط حضور عربي ودولي كبير!
تساءلت وانا اتجول في قاعات واروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي انهى دورته الـ 33 قبل ايام : اليس بالإمكان دراسة اسباب النجاح المحلي والعربي والدولي الذي حظي به هذا المعرض ، ليصبح واحداً من اربعة معارض دولية للكتاب في العالم ؟ وهل ان بلدا مثل العراق بإمكاناته وثقله المعرفي وعمقه الحضاري ، لا يستطيع ان ينظم معرضا دولياً للكتاب ، تكون بغداد عنوانا له ؟
لقد شعرتُ بالآسى ، وتلعثمتُ ، ولم استطع الاجابة ، حين سألني الكاتب الاشهر عالميا ، وظاهرة العقدين الاخيرين من الزمن " دان براون " عن امكانية معرفة موعد اقامة معرض الكتاب السنوي في بلاد الرافدين .. فأجبته بكلمات بلهاء ، فيها من الاعتداد الكاذب ، وسط دهشة الكاتبة العراقية " إنعام كجه جي " التي كانت موجودة اثناء لقائي بالكاتب الامريكي ... ( نعم هناك معرض يقام سنوياً في بغداد ) ولم يشأ الرجل ان يستزيد ، ربما لضيق وقته او شعوره بأنني لم اكن صادقاً معه ، ثم غيرت وجهة الحوار الى شاطئ آخر !
لن استرسل في هذه الجزئية التي تهم المشهد الثقافي في بلدنا ، ففي الاسترسال غصة ، واعود الى معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي استضافنا انا والزميل العزيز د. طه جزاع ، فأحسن الاستضافة ، وقضينا عشرة ايام ، اطلعنا فيها على عناوين كتب مبهرة في الادب والثقافة والسيرة والعلوم والتاريخ والفقه والرياضيات و.. و... جاءت نتيجة مشاركة 1256 دار نشر من 59 دولة ، تسابقت بعرض أحدث إصداراتها التي استقطبت زواراً من أنحاء العالم كافة ، فدولة الامارات العربية وحدها ، على سبيل المثال ، بلغت مشاركتها بواقع 141 داراً ، تلتها مصر بـ 140 داراً ولبنان بـ 105 دور وروسيا بـ75 داراً وسوريا بـ 68 داراً والهند بـ 56 دار نشر ، فيما كانت مشاركة العراق بعدد محدود من دور النشر دون تعضيد لها من اية جهة رسمية عراقية ، بل كانت بجهد شخصي ...فلهم الشكر ، حيث غلبت عراقيتهم ، عنصر المنفعة الذاتية ، الى جانب ، مشاركات عراقية شخصية اخرى متميزة ، حصدت اعجاب واهتمام الجمهور العريض الذي زار ، ابرزها محاضرة الكاتبة والصحفية " إنعام كجه جي " و القاص " عبد الخالق الركابي " والشاعر " كريم العراقي " والقاص " أحمد السعداوي" وغيرهم ...
فعاليات عديدة لم نستطع حضورها !
ورغم حرصنا الشديد على متابعة نشاطات المعرض الذي تحوّل الى مهرجان ثقافي ، ومعرفي ، غير اننا عجزنا عن المتابعة بسبب فعاليات كثيرة ومتنوعة ، تتقاطع زمانيا ، فالزمن اليومي لفعاليات المعرض 12 ساعة تبدأ من الساعة العاشرة صباحا وتنتهي في العاشرة مساء ، لكن عدد الفعاليات في اليوم الواحد تزيد على 25 فعالية الى جانب نشاطات فردية واخرى تخص الطفولة ، فلم يكتفِ المعرض بأن يكون معرضاً للكتاب، إنما امتد ليصبح معرضاً للثقافة اجتمعت فيه مختلف الفنون والآداب التي تستهدف شرائح المجتمع بأكمله ، وكما قلت ، فإننا لم نستطع حضور كل تلك الندوات واللقاءات الثقافية والادبية التي شهدتها اروقة المعرض ، لأن مواعيدها تداخلت بعضها ببعض ، فلم نتمكن من حضور فعاليات كبيرة ومهمة، كانت امنيتنا حضورها ، لكن كيف لنا ان نلمّ بتلك الفعاليات ونسد شهواتنا نحوها في ظل كم هائل من النشاطات تمثل بـ 280 ندوة ثقافية وأمسية شعرية وجلسة نقاشية، شارك فيها نخبة من الروائيين والكتاب والشعراء والإعلاميين والمفكرين، العرب والأجانب ناقشت موضوعات متنوعة حول الرواية، والنشر، والصحافة، والموسيقى، والسينما، والتاريخ، والفكر الإسلامي؟
كانت القاعات الخمس الفارهة ، الأنيقة التي اقيمت على مساحات شاسعة من ارض المعرض ، وتنظيمه المذهل لفقرات الأماسي الثقافية التي رافقته ، والشخصيات الكبيرة التي حضرته ، محط اعجاب وتقدير زواره الذين تجاوز عددهم 1.47 مليون زائر، ووصلت مبيعاته إلى حوالي 48.5 مليون دولار أمريكي ..
واحد من 4 معارض عالمية
وبالعودة الى سنوات خلت ، نستذكر ان الدورة الاولى للمعرض انطلقت عام 1982، لتصبح إمارة الشارقة منارة للثقافة والأدب على المستوى العربي والعالمي ، هدفه الرئيس تشجيع الناس، على القراءة من خلال طرح تشكيلة واسعة من أفضل الكتب وبأسعار تناسب الجميع ، ومع مرور الأعوام تحولت إلى احتفالية أدبية ثقافية يمتزج فيها التراث بالثقافة والتقاليد الشعبية والفكر الإبداعي المعاصر.
ويقدم المعرض لعشاق القراءة فرص لا مثيل لها تتيح لهم اقتناء كتبهم المفضلة بأسعار مناسبة، ويتيح أيضاً أجواء مثالية للكتاب ودور النشر لتبادل الآراء ومناقشة آخر التطورات ودراسة فرص التعاون المحتملة.
وفي دورته الجديدة هذا العام، واصل معرض الشارقة الدولي للكتاب مد جذوره من خلال هذه الاحتفالية الأدبية الجديدة التي تخلد حب القراءة والموسيقى والإبداع الفكري ، وقدم لزائريه برنامجاً خاصاً للطفل حيث تم تنظيم نشاط شمل الكثير من الفعاليات ومن بينها المسرحيات، والورش الفنية، والجلسات القرائية، والعروض الموسيقية، وورش والكتابة، والحرف اليدوية، إضافة إلى محاضرات توعوية حول الصحة والبيئة، ونشاطات أخرى متنوعة، وشهدت هذه الفعاليات المشاركة إقبالاً كبيراً من الأطفال واليافعين لاسيما من طلبة المدارس الذين حضروا بنسق جميل ، بإشراف ادارات المدارس المختلفة.
وصنف معرض الشارقة الدولي للكتاب كواحد من أفضل أربع معارض للكتاب على مستوى العالم ، ووفقاً لمقالة نشرت مؤخراً في مجلة "ذا بوكسيلر" البريطانية المتخصصة في معارض الكتب، فقد وضع معرض الشارقة الدولي للكتاب على قمة التصنيف الدولي لأكثر معارض الكتب أهمية على مستوى العالم ..يضم المعرض خمسة أقسام رئيسة هي: قسم اللغة العربية وقسم اللغات الأجنبية وقسم الأطفال والعارضون الرسميون..
وقد استضاف المعرض اسماء مهمة على الصعيد الثقافي والفني ، فإلى جانب النجم الكبير عادل امام والروائي العالمي " دان براون " حضر الإعلامي المصري حمدي قنديل، والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي والكاتبة السعودية فوزية البشر، والشاعر الموريتاني محمد ولد الطالب، والروائي السوري خالد خليفة والروائي السوداني أمير تاج السر، والشاعر المصري فاروق جويدة، والإعلامية المصري فريدة الشوباشي والباحث د. يوسف الصديق، والروائي اللبناني عبده وازن ، والروائي المصري صنع الله إبراهيم، والكاتب الأردني محمود الريماوي، والكاتب الفلسطيني عبدالباري عطوان، والروائي المصري يوسف زيدان، والروائي المغربي يوسف فاضل .. وغيرهم .
ماذا قال الشيخ القاسمي ؟
انني اعزو نجاح مؤتمر الشارقة الدولي للكتاب الى اهتمام الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة ، ولعل قراءة لكلمته التي ارتجلها في افتتاح المعرض ما يعزز قناعتي ،حيث اختتم كلمته المؤثرة بالقول : " قلت لقلبي: إني أرى الحقيقة والفضيلة ككتابين عظيمين قائمين على وجه الأرض .. ساكنين وسط كل الدمار والخراب .. الذي يحيطان بهما .. أحيانا أجدهما مغطيين بالسحاب عندئذ يتحرك الناس في الظلمات .. ظلمات الجهل .. ظلمات الجريمة .. ظلمات التعصب ..ظلمات الهمجية وإني أعمل جاهدا على تبديد هذه السحب لكي تشرق شمس الحقيقة شمس الفضيلة عبر الكتاب".
وربما كان وضع الرجل المناسب ، بالمكان المناسب سببا لهذا النجاح ايضاً ، وهنا اعني مدير المعرض السيد أحمد بن ركاض العامري ، الذي تحول الى عدة رجال في رجل واحد ، بل كان مؤسسة لوحده ، له بصمة على كل صغيرة وكبيرة في نجاح المعرض ..
ومن الانصاف الاشارة الى الإعلام الذي نشط بشكل لافت في عكس نجاح المعرض في دورته الجديدة ، التي شهدت مشاركة أكبر عدد من الضيوف والشخصيات الثقافية والفكرية والإعلامية،... وكان للإدارة المثابرة في محيط الاعلام ، المتمثلة بمؤسسة " صحارى للاستشارات الإعلامية " دورا مهماً وفاعلاً ، فهي تحولت الى بيت للإعلاميين ، من الصين وامريكا وبريطانيا والبرازيل حتى مصر والعراق وتونس حيث وصل عددهم الى نحو 450 إعلامياً حضروا لنقل أخباره إلى العالم بكل لغاته.. وكان موظفو وصحفيو المؤسسة ، ومدير مكتبها في الشارقة الاعلامي يوسف الطويل ، يشكلون خارطة إعلامية متماسكة الجذور ، لم يكلوا ولم يعتذروا عن أي طلب لإعلاميين ، تباعدت امزجتهم ورؤاهم .. كانوا شمعة مضيئة دوما طيلة ايام المعرض ، يسهّلون ما صعب ، ينهلوا من هنا خبرا ، ويعدوا من هناك تقريرا ، ويكتبوا تحقيقاتهم بشوق وفرح ..
تحية للشارقة ، عرسها الثقافي الكبير..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
364 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع