هارون محمد
لو كان القانون يسود العراق اليوم، فان رئيس الحكومة السابق نوري المالكي مكانه في قفص الاتهام امام محكمة رصينة تحاكمه على الكم الهائل من الانتهاكات والجرائم التي اقترفها عمدا مع سبق الاصرار ضد فئات واسعة من العراقيين يأتي في مقدمتهم السنة العرب الذين استخدم ضدهم جميع وسائل البطش الطائفي من تنكيل وتقتيل ومجازر جماعية تشكل لطخة عار في سجل حزب الدعوة الغارق في مستنقع الخيانة للوطن والعمالة للعدو الايراني منذ ظهوره على سطح الاحداث قبل ثلاثة واربعين عاما .
ورغم ان المالكي قد تعرض الى سقوط مدو وراحت عليه الولاية الثالثة وخرج عليه رفاقه في الحزب ودفعوه الى الخلف ثم عطفوا عليه وعينوه نائبا لرئيس الجمهورية عسى ان يتعظ، الا انه ما زال يتشبث بالسلطة ويستغل اتباعه الذين اسند اليهم في مراحل سابقة مواقع رفيعة ووظائف عالية بلا استحقاق ويأمرهم بتنفيذ رغباته المجنونة وآخرها قرار اعدام النائب السابق احمد العلواني، وهو قرار يتسم بظلم واجحاف لا نظير لهما في تاريخ المحاكم العراقية خصوصا وان وقائع القضية تثبت ان قوات (سوات) الحكومية السيئة الصيت والسمعة داهمت منزل العلواني في الرمادي بلا أمر قضائي وانتهكت حصانته النيابية واطلقت النار على شقيقه الشيخ علي وقتلته في الحال واصابت ثلاثة من افراد عائلته من بينهم سيدة توفيت لاحقا واعتقلته وكبلته ونقلته الى بغداد حيث اودع وما زال في سجن خاص في بالمنطقة الخضراء، وهذه الاجراءات من الناحية القانونية تندرج ضمن سياقات القمع والاضطهاد وتشكل انتهاكا سافرا لحقوق الانسان .
ولعلها من المفارقات الغريبة ان يصدر قرار المحكمة الجنائية باعدام العلواني متزامناً مع استقبال الرئيس فؤاد معصوم لوفد من عشائر الدليم في محافظة الانبار بناء على رغبته للبحث في اجراء مصالحة وطنية كما اشار بيان رسمي، ويتردد بهذا الصدد ان موظفي الرئاسة فوجئوا عند سماعهم بقرار المحكمة من وسائل الاعلام وحرصوا على التكتم عليه لئلا يتسرب الى الرئيس وهو يجتمع مع ضيوفه ومن بينهم شيخ عشيرة البو علوان الذي سمع كلاما طيبا من رئيس الجمهورية عندما تناول الحديث قضية النائب العلواني المعتقل.
وكان رئيس الحكومة حيدر العبادي قد لمح في جلسة جمعته مع نواب محافظة الانبار في الشهر الماضي بانه سيسعى الى اغلاق قضية العلواني والافراج عنه ، ومما قاله انه يعرف احمد جيدا وقد زامله في اللجنة الاقتصادية النيابية لمدة اربع سنوات (2006 – 2010) هو عصبي المزاج ولكنه صاحب قلب ابيض، مضيفا انه مقتنع ببراءته من التهم المسندة اليه ومشددا في الوقت نفسه على عزمه بالافراج عنه في اقرب وقت.
ومن تابع لقاء العبادي مع رئيس واعضاء مجلس القضاء الاعلى قبل اسبوعين لا بد ولاحظ انه شدد في حديثه معهم على ضرورة اعتماد المعايير القانونية في المحاكم والتزام اصول المرافعات القضائية واعتبار المتهم بريئا حتى تثبت ادانته، وجميعها تلميحات واضحة تنتقد بشكل مباشر الاجراءات المعمول بها في المحاكم العراقية التي تحولت في عهد المالكي الى ساحات جلد وانتقام وتعذيب واعدام كما اشارت الى ذلك بيانات صادرة من هيئات قانونية وانسانية ابرزها منظمة العفو الدولية.
وفي محاكمة العلواني ظهرت عدة مؤشرات دللت على ان النية مبيتة لاعدامه من بينها، منع محاميه الاول بديع عارف من مناقشة شهود الاثبات وجميعهم من ضباط قوات (سوات) التي داهمت منزل العلواني وقتلت شقيقه واعتقلته وتبع ذلك رفض المحكمة استدعاء شهود عيان كانوا في مكان الحادث وقت وقوعه بحجة انهم من اقارب العلواني، والاغرب من ذلك ان شخصيين شهدا ضد العلواني عرفتهما المحكمة بانهما من ذوي جنود اصيبوا بالحادث ولما تساءل المحامي ولماذا لم يحضر المصابون ويشهدوا بانفسهم في المحكمة ؟ رد رئيس المحكمة القاضي بليغ حمدي بجواب أخرق نصه : انهم في جبهة القتال ضد الارهابيين ولا وقت لديهم للحضور وتقديم افاداتهم..!
وما جرى بعد الجلسة الاولى للمحاكمة معروف ومعلن فقد تم اختطاف المحامي بديع عارف من امام مقر بعثة الامم المتحدة بالقرب من ساحة الشواف ونقل الى امرية لواء بغداد المسؤول عن حماية المنطقة الخضراء واخضع الى تحقيق قاس وتعذيب نفسي كانت نتيجتهما انه اضطر الى الانسحاب من القضية خصوصا بعد ان خذله موظفو البعثة الدولية الذين اتصلوا به للقائه ولم يتدخلوا عند خطفه امام انظارهم.
اما في جلسات محاكمة العلواني الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة على امتداد خمسة شهور متلاحقة فكانت تتضمن كل جلسة المناداة عليه وادخاله الى قفص الاتهام وسؤاله عن اسمه ومهنته وعنوانه فقط ويعلن رئيس المحكمة تأجيل الجلسة الى موعد آخر بعد شهر، في مسرحية يقصد بها الحاق الاذى النفسي بالمتهم والاضرار به.
وصحيح ان قرار اعدام العلواني قابل للتمييز ولكن الصحيح ايضا من يضمن ان تكون محكمة التمييز منصفة وتعيد الحق الى نصابه ؟ خاصة وانها برئاسة مدحت محمود النعل بند الذي يتولى ايضا رئاستي مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية في سابقة يندر وجودها في أي دولة اخرى لا سابقا ولا حاليا، والنعل بند الذي بلغ من العمر 86 عاما هو واحد من ازلام المالكي الذي يظل يمدد له منذ عام 2006 .
سلاما .. يا احمد العلواني، فقد أديت واجبك ببسالة وواجهت المالكي وجلاوزته بشجاعة وحتى لو شنقوك فانت الحي واعداؤك ميتون.
962 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع