عبدالكريم الحسيني
العراق ومسيرة قرن حافل..الحلقه الاولى
لم يكن في التخطيط البريطاني خلال الحرب العالميه الاولى اي شيء بصدد العراق ولكنه ظهر على الاحداث لكونه كان قريبا من ساحة عمليات الاحواز وحلقة ربط بين ساحة عمليات فلسطين ومشرف ومسيطر على شط العرب ومطل على الخليج ولذلك اعتبرته بريطانيا محورا ثانويا مساعدا للمحور الرئيسي في الاحواز ولكن تطور الاحداث ودخول الانكليز الى البصره وبوادر وجود كميات كبيره من النفط في دلتا دجله والفرات من القرنه والى الفاو جعل العراق يتصدر الاحداث وخاصة الى وجود عامل آخر مهم وهو فتح جبهه جديده ضد العثمانيين واشغالهم بساحة عمليات جديده لتخفيف الضغط عن قوات التحالف وحماية الامدادات النفطيه المتوقعه في حينها من الاحواز والعراق .
اسفرت الحرب العالميه الاولى (1914 - 1918 ) الى احتلال العراق من قبل الجيوش البريطانيه ولم يتقبل العراقيين هذا الوضع الجديد حتى ثاروا في ماسمي لاحقا بثورة العشرين واجبر المحتل على منح العراق الاستقلال ( الصوري) وجيء بالامير فيصل بن الشريف حسين من سوريا بعد ان رفض الفرنسيون بقائه كملك على بلاد الشام ليصبح ملكا على العراق , حكم النظام الملكي العراق لمدة 37 سنه ( 1921 - 1958 ) وتناوب على عرشه ثلاثة ملوك هم فيصل الاول وغازي وفيصل الثاني ..
لايختلف اثنان من المؤرخين حول هذه الحقبه التاريخيه من ان النظام الملكي استلم العراق بدون اي مقومات دوله ولا بنى تحتيه تذكر وقد بدأ من الصفر كما يقال وهذا القول ليس من باب المبالغه وانما كان واقع الحال ,, لم يكن في العراق كله سوى 3 مدارس اعداديه واكثر من عشرة مدارس ابتدائيه ولايزيد عدد اللذين يحسنون القراءة والكتابه اكثر من 2,5 % من مجموع السكان ولم تكن الزراعه تكفي قوت الناس وجميع الاراضي الصالحه للزراعه لاتزيد عن 44 مليون دونم ترويها خمسة انهر وهذا العراق الذي وصفه (هيرودتس) بانه صومعة حبوب الدنيا وكانت تغطيه النخيل وسمي بارض السواد ولم يكن فيه اي شكل من اشكال المواصلات ولم يكن اي من يربط العراق طوله وعرضه وانهاره الخمسه سوى جسر واحد عائم على الزوارق الخشبيه والذي كان يهرب اثناء الفيضان فيأتي به الناس على عزف الطبول والاهازيج .
في الحادي عشر من تموز 1921 قرر مجلس الوزراء المناداة بفيصل الاول ملكا على العراق وجاء في القرار : (( يشترط ان تكون حكومه دستوريه نيابيه ديمقراطيه مقيده بالقانون )) ولكن العراق ظل يعيش حاله من الشذوذ لم يسبقها احد وهي استقلاله وفي الوقت نفسه تحت الانتداب وابلغ ما قيل في هذا الصدد هي كلمة المندوب البريطاني في عصبة الامم ( الشذوذ الموجود في كون العراق متمتعا بسياده وطنيه وكونه خاضعا للانتداب . والمشكله الموجوده في كون الوزاره مسؤوله بحكم الدستور تجاه البرلمان ولكنها خاضعه لنفوذ المستشارين البريطانيين ) ...
من الصعب جدا ان تمارس الديمقراطيه والحقوق السياسيه من قبل السياسي بمحض ارادته وهو لايزال يخضع لزعامات قبليه او محليه او زعامات دينيه او مذهبيه .ومن الطبيعي ان تستغل بريطانيا هذا الوضع لتوجه الحكم بما لايتعارض مع مصلحة بريطانيا العظمى ولكن فيصل الاول بحنكته وزعامته تمكن ان ينتزع ذلك من الانكليز لصالح العراق ولكنه توفي قبل ان يكمل رسالته وخلفه ابنه غازي وهو شاب تنقصه الخبره ومقومات القياده مما حدا بالسياسيين الى الدخول في صراعات مريره فيما بينهم على السلطه واستعانوا بالعشائر وهي مسلحه ثم تدخل الجيش واحداث مايس 1941 وسبقها انقلاب بكر صدقي 1936..
لقد اثبت الرعيل الاول من قادة العراق وعلى رأسهم المغفور له فيصل الاول انهم بناة دوله وقادة شعب في بلد انبثقت من ارضه العلوم واالحرف لكل العالم ,يقول فورستر احد المؤرخين الامريكان ( لاتوجد منطقه كبيره او صغيره اعطت العالم او اخذ منها العالم مااخذه عن العراق ) ..
منجزات العهد الملكي
خلال سبعه وثلاثين عاما من حكم الملكيه تمكنت من تحقيق الانجازات الكبيره اخذين بنظر الاعتبار ما ذكرته في بداية تسلمهم للحكم في العراق وكيف كان حاله انذاك . :
.1 اصبح العراق قبلة لكل دول المنطقه واعتبر نموذجا يحتذى به في الاداره والاعمار والتقدم وادارة الحكم والنظام السياسي .
.2 تضاعف عدد سكان العراق الى اكثر من ستة ملايين نسمه. بعد ان كان لايتجاوز الثلاثه ملايين .
3. اصبحت ميزانية العراق عام 1958 بحدود 170 مليون دينار كان منها 70% لمجلس الاعمار . وقد كانت 400 ألف باون استرليني ..
4. زادت المحاصيل الزراعيه حتى بلغت اكثر من 2 مليون طن من الحبوب يصدر نصفها تقريبا وكذلك التمور والزيوت.
5. اقيمت مشاريع صناعيه مهمه كمصافي النفط والسكر والاسمنت والمنسوجات والسكاير وارتبط العراق لاول مره بشبكه من الطرق البريه والجويه وسكك الحديد وتحسنت احوال الريف .
6. تشير الاحصاءات ان عدد طلاب المدارس والكليات زاد عن نصف مليون تلميذ وان عدد المدارس والكليات زاد عن 3000 وانخفضت الاميه من 97,5 % الى 60% وبلغ عدد الاطباء في العراق نحو 2000 طبيب وعدد اسرة المستشفيات اكثر من 8000 سرير و700 مستوصف و120 عياده خارجيه .
7. اصبح لدى العراق جيشا يعد من الجيوش المتطوره قياسا بالدول المجاوره وكان يعد قريبا في قوته من الجيش التركي .
لقد كان العراق اول دوله في المنطقه تحصل على استقلالها السياسي وتدخل عصبة الامم وكانت نموذجا لباقي الدول في كل شيء وكان جيش العراق يسمى (بروسيا العرب ) الذي اثبت قوته وصلابته وقد يسأل سائل لماذا اذا قامت الثوره وفي صالح من ؟ وانا مع السائل في سؤاله لماذا اجهضنا هذه المنجزات ولم نحافظ عليها ونطورها حتي اسقطناها في وحشيه قل نظيرها في المنطقه والعالم لنسير بالعراق الى ما نحن عليه الان ولاندري الى اين بوصلتنا تشير وماهو مستقبلنا الذي بقي يتأرجح من بعد تموز 1958 وحتى الان ...
احداث سبقت تموز 1958
بالرغم من الاستقلال الصوري الذي منحه الانكليز للعراق الا انه ظل يشكل هاجس مزعج للحكومه البريطانيه لنمو العامل الوطني والقومي فيه وما ثورة العشرين الا البدايه التي حفزت العراقيين على نبذ الاحتلال ونبذ التدخل والتبعيه ولذلك كان تفكير الانكليز منصب على عدم نهوض العراق كعملاق في الوطن العربي ليكون نواة لباقي العرب وعامل جذب خاصة وان النظام الملكي كان يحمل هذه الفكره وهي من اهداف الثوره العربيه الكبرى,, وظل هذا التفكيرفي عقل الانكليز الذي تحول الى تخطيط وهو امر طبيعي لكل دوله مستعمره وخاصة بريطانيا صاحبة الخبره العمليه في هذا المجال من ان تضع الخطط الازمه لكبح جماح اي من مستعمراتها التي تسيطر عليها بالمباشر او بالواسطه وايقافها عند حدود معينه ومنها العراق طبعا .
لقد بدأ التخطيط لتغيير الاوضاع في العراق من قبل العسكرين العراقيين بعد حرب عام 1948 في فلسطين وبدأت نواة تنظيم الضباط الاحرار من قبل المرحوم رفعت الحاج سري وتبلورت فكرة الثوره بعد نجاح ثورة مصر عام 1952 التي شكلت دافعا قويا للعسكريين العراقيين وعلى اثر ذلك اتصل كل من المقدم رفعت الحاج سري والرائد محي الدين عبد الحميد بالفريق نجيب الربيعي على تولي زعامة الحركه الثوريه في الجيش على ان يبقى النظام الملكي ورفض الفريق نجيب فكرة الزحف على بغداد ولم تكن لندن بعيده عما كان يجري ولو بمعلومات اوليه او مسيطر عليها ..
الى الحلقه الثانيه...عبد الكريم الحسيني
1382 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع