الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي
في عام 331 ق.م.،انتصر الاسكندر الكبير على الفرس وازاحهم من اليونان وامتدادها في اسيا الصغرى، ثم احتل سوريا وفلسطين ومصر ،وبعد ذلك بلاد بلاد بابل ،وزار في طريقه مابقي من قصور وبوبات نينوى، ثم عسكر في بابل لمدة شهر واحد، قبل ان يطارد ملك الفرس .
عدما استقر في بابل، أشار مستشار الملك الكسندر للعلوم (كالستنيسس الاولنتي)”*”، انه من الضروري ترجمة نواتج علم الفلك البابلي التي كانت قد وصلت الى مرحلة متقدمة . فاخذت المعلومات بعد ان جرى ترجمة الرقم الطينية البابلية الى اليونانية، وارسلت الى اليونان، وجرى دراستها وتطبيقها فورا : فقام عالم الفلك ( كالبوس من نسكوس) وهو احد تلاميذ (ارسطو الاستاكيري) ،بحساب الشهر القمري، وانشأ تقويما جديدا يبدأ في 28 حزيران من عام 330 ق.م. ، بعد ثمانية اشهر من احتلال بابل. وكان الفضل يعود في تلك المعلومات الفلكية الى العلماء الفلكيين البابليين وعلى رأسهم كيدينو Kidinnu الذي اطلق عليه الاغريق كديناس او سيديناس.
كان الاغريق قد اطلقوا على علماء الفلك البابليين بالكلديين. ظنا منهم انه علم نشا في زمن العصر البابلي الاخير. لكن في الحقيقة، ان علم الفلك كان قد بدأ منذ الحضارة البابلية الاولى في بلاد الرافدين (ق19 ق.م.) ، ثم تطور على الارجح لدى الكهنة الذين كان بعضهم يرصد القمر والكواكب من اعلى الزقورة التي تمثل المعبد في العراق القديم. وكان علماء الفلك يسمون في العصر البابلي الاول ( توبشار: انوما-آنو-انليل) اي المراقبين للالهة التي تمثل السماء والارض والهواء . وكان الكهنة من الذين يعرفون الرياضيات والحسابات الفلكية،يرصدون حركات الكواكب والقمر لفترة طويلة قد تمتد سنوات، ويسجلون ملاحظاتهم في (يوميات فلكية) او في (تواريخ فلكية) او في جداول عن حركة الكواكب. ولدينا رقم طينية مسجل فيها رصدا لكوكب الزهرة (فينوس) تعود الى عهد الملك البابلي آمي- صادوقا (1646- 1626 ق.م.) وتوجد نصوص اخرى فلكية تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد،تشير الى انواع البروج البابلية. في حين كان الاشوريون والمصريون القدماء مثلا،يعتبرون خسوف القمر فأل سيئ موجه ضد ملوكهم، بينما كان الملوك البابليون قد اطمأنوا على احوالهم عند الخسوف او الكسوف. وكان الملوك البابليون قد عينوا لهم مستشارين يفسرون لهم التغييرات الطبيعية في السماء وعلى الارض. وكان علماء الفلك البابليون قد بداوا يعرفون اشهر السنة بالتقريب ،وكذلك النظام الستيني لتقسيم الوقت.
كان العالم كيدينو من اشهر علماء الفلك في العصور القديمة : وفي المتحف البريطاني قرأ علماء الفلك البريطانيين ،التقويم البابلي فوجدوا انه اقرب الى الصحة من جميع التقويمات التي وجدت قبله، وهذا التقويم هو من عمل العالم كيدينو الذي توصل الى طول السنة الشمسية وايام الشهر بصورة تقريبية. واشار بطليموس الاسكندري في القرن الثاني للميلاد ان حساباته عن ايام السنة كانت مضبوطة. كما اكتشف كيدينو حركة القمر ،وقاسها بشكل تقريبي. كما قاس حركة الشمس، والكواكب السيارة الخمسة وهي نابو وعشتار ونركال ومردوخ وننورتا، معتمدا على حسابات رياضية عالية يبدو انه كان يجيدها،كما عرف الحركة البطيئة لدوران محور الارض.(1)
“ ان رقيم يعود الى عام 275 ق.م.، ويمثل تقويما تاريخيا،او مايسمى (تقويم الكسندر الكبير) ، ذكر ان رجلا يسمى كيدينو قد اعدم بالسيف بامر من الملك المقدوني الاسكندر الكبير في اليوم 14 من شهر آب من عام 329 ق.م. ، عندما حل الاسكندر لفترة قصيرة في بابل، وان كيدينو لابد وان يكون شخصية معروفة، اذ لم يذكر القابه معه. ومن المعتقد ان العالم كيدينو وقع ضحية سياسة الكسندر التنويرية!.”باعتبار ان افكار كيدينو غير صحيحة في نظر الملك الاغريقي ،عندما اخبره ماتؤشر النجوم عنه، بحيث اغضبه (2). واستنادا الى هذا النص فأن كدينو قد اعدم .
لكن مما يخفف من وطأة هذا الاجراء المتسرع الذي قام به الكسندر،على اية حال : انه قد وجد نص بابلي اخر يشير، الى ان هذا العالم ( كيدينو ) مات في بابل قبل وصول الكسندر الكبير الى مدينة بابل ، وهو يطارد ملك الفرس في عام 331 ق. م . حينما بقي شهرا في بابل ،وامر بتعمير مدينة بابل وكذلك مدينة نينوى .
وفي العصر الحديث ومن اجل تقدير هذا العالم البابلي المبدع ،لاكتشافاته العلمية قبل حوالي 2500 سنة، قرر علماء الفلك الاوربيين المعاصرين، تسمية اكبر فوهة بركانية في القمر باسم (كيدينو)، وتبلغ مساحتها 56 كم مربع .
اهم المصادر
(1)Aaboe,Asgar in Cambridge Ency. Of Ancient History(2nd ed 1991) ch. 26B (Babylonian Mathmatics,astrology and Astronomy.
(2)Lendering,Jona ''Kindinnu,the Chaldaeans,and Babylonians .Astronom'' citation with the same title.
573 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع