عدنان حسين
"وضع العراق على مؤشر الفساد العالمي يشهد تحسناً طفيفاً" .. هذا العنوان اختارته إحدى الوكالات الإخبارية المحلية أمس لأحد أخبارها، لكنه عنوان مخادع في الواقع.
إنه يعطي انطباعاً أولياً بان خطة حكومية لمكافحة الفساد، مثلاً، قد بدأت تؤتي أُكُلها لكي يغادر العراق مقعده الدائم على مدى السنوات الأخيرة بين مجموعة الدول الخمس الأولى الأكثر فساداً منتقلاً الى مجموعة الدول الخمس الثانية أو الثالثة.
تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير يُظهر ان دولتنا لم تزل تحتفظ بموقعها في القائمة لكن السودان قد تقدّم عليها هذه المرة بدرجة واحدة فقط، أي ان السودان أصبح أكثر فساداً منّا بعدما كنّا أكثر فساداً منه، لكننا والسودان والصومال وكوريا الشمالية لم نزل نتربع ( بكل فخر واعتزاز!) على عرش الفساد العالمي.
للمرة الرابعة أو الخامسة أسمع من النائب أحمد الجلبي الذي يترأس اللجنة المالية في مجلس النواب ما معناه ان مجموع رواتب النواب والوزراء وسائر أصحاب المناصب العليا في الدولة وتقاعدهم الذي استثار الرأي العام خلال السنة المنصرمة لا تمثل كلفتها السنوية سوى نقطة في بحر ما يُسرق من المال العام على مدار السنين.
الجلبي الذي يحفظ الأرقام ويرددها بكسورها، كما لو كان "بالع" كومبيوتر، يقول ان عوائد الخزينة العامة منذ 2004 حتى الآن تجاوزت الـ 700 مليار دولار، وان مجموع المستوردات والنفقات العامة خلال الفترة نفسها قد تجاوز قليلاً الـ 500 مليار دولار. وبما ان الحكومة السابقة قد تركت لخلفها الحكومة الحالية خزينة خاوية، فان أكثر من 200 مليار دولار ظلت مفقودة الأثر تماماً.
الجلبي يؤكد ان مجلس النواب سعى مراراً وتكراراً الى تعقّب آثار هذه الثروة الهائلة التي تعادل موازنتي سنتين كاملتين، لكن جهوده طارت مثل ريشة في مهب الريح، فالهيئات ذات العلاقة بإمكانية العثور على أثر لهذه الثروة، كديوان الرقابة المالية مثلاً، لم تتعاون مع المجلس، فيما الحكومة كانت تُصاب بالذعر من أن تأخذ تحقيقات البرلمان مجراها الطبيعي.
في أروقة مجلس النواب والحكومة يجري التفكير الآن بفرض إجراءات تقشفية لمواجهة تداعيات الاحتلال الداعشي الكارثي وخواء الخزينة وانهيار أسعار النفط في السوق العالمية. والتقشف في ظروف كهذه خيار لا مناص منه، ولكن ما الذي يمكن أن توفره أشد إجراءات التقشف؟.. النائب الجلبي يقول ان ما بين 20 و25 ملياراً من الدولارات يمكن توفيرها سنوياً.. الرقم ليس صغيراً بالطبع لكنه لا يمثل أكثر من 10 بالمئة من ثروتنا المسروقة.
إذا كانت إجراءات التقشف ستتجنب الطبقات الفقيرة وتطال الطبقة العليا في السلطة والمجتمع وحدها، وبخاصة فئة سراق المال العام من مسؤولين حكوميين وبرلمانيين وشركائهم من رجال الأعمال، أو المقاولين بالأحرى، فهي خيار جيد، لكن الخيار الأفضل أن نتحرى مواقع جرذان المال العام ونقتفي آثار الثروات التي نهبوها لنستردّ بعضها في الأقل.
637 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع