د. نسرين مراد
منذ عقود من الزمن سادت المنطقة العربية خصوصاً ثقافة الإرهاب، اتخذت هذه دوافع وحوافز ووقوداً؛ وطنياً ودينياً وقومياً ومذهبياً وسياسياً. مارست التنظيمات السياسية الإرهاب ضد أهداف مدنية، عدوّة وصديقة، ليست لها علاقة بالحرب والنزاعات.
معنى الإرهاب واضح لا لُبس فيه، ألا وهو التعرض للمدنيين العزل وممتلكاتهم لتحقيق مآرب سياسية؛ فشلت الأحزاب السياسية في تحقيقها في ميادين المواجهة. أزهقت التنظيمات المسلحة الأرواح، وخرّبت الممتلكات، ونكبت الأفراد والأُسر والجماعات والمؤسسات. أفادت الأعداء قبل الأصدقاء، ولم تجن المنطقة من هذه الأعمال سوى الفوضى والتخلف.
ازدادت ثقافة وظاهرة الإرهاب استفحالاً، مع حلول موجة الربيع العربي. أذاق الإرهاب الحكومي، إرهاب الدولة وإرهاب المنظمات المسلحة، المواطنين العزل كافة أشكال التعذيب والحرمان والقتل والتخريب. ساهم ذلك في تدمير مستقبل الأجيال وإلغاء خطط الإعمار والتطوير والتحديث.
خابت آمال الأجيال في تحقيق الحد الأدنى من الحرية والاستقلال واحترام حقوق الإنسان؛ خاصةً في حال وصلت التنظيمات السياسية المسلحة إلى سدة الحكم. باتت الأنظمة السياسية الاستبدادية أكثر أماناً واطمئناناً من أي من تلك التنظيمات؛ التي تزعم أنها تعمل على إعادة أمجاد الأمة. لم تفلح كافة الأساليب والطرق لكبح جماح التنظيمات التي تمارس الإرهاب.
كلما خسر تنظيم إرهابي موقعاً أو معركةً، تأهّب لخوض أخرى بديلة من حساب دماء الشعوب واقتصادها المنهك المدمَّر. كلما حوصر تنظيم إرهابي في بلد ما، فرخ تنظيمات أخرى في الدولة والإقليم والمنطقة والعالم. لا يفهم الإرهابيون لغةً أكثر من لغة الكي بالنار والحظر والمنع وإيقاع أقصى العقوبات ضد المخالفين.
للتنظيمات الإرهابية مؤسسات ووسائل وطرق تجعلها قادرة على البقاء والاستمرار في نهجها، وتفعيل أجنداتها الخطرة على الأمن والحياة. تحصل على دعم اقتصادي من هذه الجهة أو تلك؛ بالسر والعلن، أو الوفرة أو الضحالة.
لديها وسائل إعلامية تغذّي الجماهير، ومنها قد تحصل على متطوعين وأشكال دعم مختلفة. لديها حواضن تتناغم وتتماهى مع ما تعلنه، ومع ما تنوي القيام به. لها جمهور أغلبه من النوع المضلَّل بما يجري على الساحة، ما يجعله يظن أن ذلك التنظيم خير ما يمثل تطلعاته.
يرسم بعض التنظيمات الإرهابية صورةً ورديةً عن أعمالها ونواياها وطموحاتها وأهدافها. ذلك يجعل معارضيها أهدافاً سهلةً، مثل اتهامهم بالكفر الديني والقومي والوطني، وحتى الزندقة السياسية، في حال تناقضت معها الأفكار والأهداف والطموحات والتوجهات.
خطت الإمارات العربية المتحدة خطوةً فريدةً من نوعها، ثمة رائدة في طريق وضع حد للإرهاب بغرض حماية الأمن الوطني والقومي والإنساني. كان ذلك بفرض حظر صارم على تواجد وكافة أنشطة مجموعات يُشتبه في ممارستها للإرهاب للحصول على مكاسب سياسية.
الهدف هو ألا تصبح المنطقة، بما فيها من وضع سياسي واقتصادي واجتماعي حساس، هشيماً يغري التنظيمات الإرهابية لإشعال النار فيه. الشرق الأوسط بشكل عام والخليج بشكل خاص، هو أكثر المناطق عبر العالم حاجةً للسلام والاستقرار وتشجيع الاستثمار فيه.
أكثر المناطق حاجةً للسلام بالابتعاد عن إثارة النعرات السياسية والعنصرية والطائفية والدينية. جرّبت المنطقة واكتوت من تصرفات مجموعات غير منضبطة، لا تراعي في ممارسة الإرهاب إلّاً ولا ذمةً. على العالم أن يقف وقفة رجل واحد ضد الإرهاب بكافة أشكاله وألوانه ودوافعه وحوافزه. لا يخفى على أحد أن هنالك إرهاب دولة يقوم به الكثير من الدول، الكبرى ومتوسطة الحجم والصغيرة.
على العالم أن يضع تعريفاً واضحاً موحداً للإرهاب، وقانوناً صارماً يطبَّق على الجميع. أكثر من أي وقت مضى، كوكب الأرض بحاجة إلى توحيد كل القوى من أجل وأد هذه الظاهرة في مهدها، أو وقفها عند الحد الأدنى لها قبل القضاء النهائي عليها.
636 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع