عبدالكريم الحسيني
احداث تموز 1958
عند مراجعة الاوضاع والمواقف السياسيه والامنيه والاقتصاديه في العراق عشية الانقلاب لانجد اي مؤشرسلبي يشير الى توقع حدث مثل الذي جرى بل على العكس كان الوضع يوحي بالثقه والامن وهذه احدى المميزات للعمليه التي تشير الى ان الانقلابيين قد حققوا المباغته وأمنوا الكتمان الازم للعمليه وهنا لابد من بعض الاستفسارات ستأتي لاحقا بعد توضيح ماجرى فعلا على الارض ..
لقد كان العراق في العهد الملكي يعتمد بشكل كبير على بريطانيا في المعلومات والتسليح والسياسه الخارجيه وقضايا الاستخبارات وكان الانكليز لهم باع طويل وكادر اجنبي وعراقي من الجواسيس يؤمنون لهم المعلومات الازمه في جميع مفاصل الدوله وفي جميع الاتجاهات ..
لقد كانت الخطه العسكريه التي اعدها الانقلابيون تتالف من تشكيلين من الوية المشاة هما لواء المشاة \19 وامره الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ولواء المشاة \20 وامره الزعيم الركن احمد حقي محمد علي والتي كانت مكلفه بالذهاب الى الاردن ضمن الخطة المشتركه للدفاع عن الاردن ,, تم تكليف العقيد الركن عبد السلام محمد عارف امر الفوج الثالث لواء العشرين بترتيب ازاحة امر اللواء الزعيم احمد حقي محمد علي واستلام قيادة اللواء وهذا ما تم فعلا وازاحة العقيد الركن ياسين محمد رؤوف الخشالي امر الفوج الثاني في نفس اللواء وبذلك اصبح اللواء بيد عبد السلام عارف وتقضي الخطه العامه ان ينفذ لواء المشاة \20 الانقلاب ويبقى لواء المشاة \19 بالاحتياط عندما يتطلب الموقف ,, وزع عبد السلام عارف الوحدات على اهدافها لغرض التنفيذ وحدث ذلك بالتحديد في منطقة خان بني سعد وهنا يبرز لدي سؤال مهم جدا ...... من المعروف في العلم العسكري ان اي خطه مهما كانت لعمليه بسيطه اومتوسطه او كبيره ان تتم بعض الاجراءات الازمه لضمان نجاح الخطه :
1 . ان يكون هناك خطة بديله وقد يكون اللواء \ 19 هو منفذ الخطه البديله التي تعددت الروايات بصددها وانا اميل الى انها كانت لانهاء الانقلاب وافشاله عند الشعور بعدم قدرة لواء العشرين على النجاح لاثبات حسن السيره وموالاة قاسم للنظام الملكي والعمل من اجل فرصه اخرى .
2 . الاحتياط بعيد نسبيا عن الاهداف وخاصة بمقاييس تلك الفتره ووسائل النقل المتيسره وقابلية التنقل المحدوده ويحتاج الى اكثر من (4 – 6 )ساعات للتدخل المؤثر وخاصة ان الهدف منطقه مبنيه وهي العاصمة بغداد .
3 . توزيع القوات للواجبات اي تخصيص القطعات لكل هدف لم يكن موفقا ولايوحي ان صاحب الخطه يفقه مبادىء القتال ومثال على ذلك ان الهدف الرئيسي ( القصر الملكي ,, الرحاب ) والذي يحميه لواء الحرس الملكي الذي يعادل بقوته فرقه عسكريه من فرق تلك الايام ان يخصص الانقلابيون سريه مشاة زائد فصيل زائد لهذا الهدف .
4 . لااعرف كيف يقوم قائد او آمر قوه عسكريه بعمليه هجوميه مهما كانت وليس لديه مستلزمات المعركه الرئيسيه ( العتاد – الوقود – الماء – الارزاق ) لقد كان لدى الجنود ( 3 – 4 ) اطلاقات لكل منهم للبنادق وثلاث قذائف 106 ملمتر .. كيف يمكن لحركه عسكريه ان تنجح مقابل قوه كبيره مضافا اليها دعم بريطا ني محتمل جدا ؟
5 . من المفروض ان تكون الخطه العامه بوقت مبكر وهناك اسس للخطه متفق عليها واستحضارات العمليه ولايمكن لمثل هذه العمليات ان تتم بشكل اني ومستعجل .وما حصل في خان بني سعد هو تعديلات نهائيه على الخطه ..
6 . لايمكن لاي عملية تغيير في دوله من العالم الثالث ان تتم بدون اسناد ودعم خارجي او على الاقل موافقة الاطراف الخارجيه وفقا لمصالحا وهناك تجارب عديده تجاوزت هذا العامل وسجلت فشلها ..
. هذا الاجراء وهذه الخطه تجعلنا اما احتمالين .. الاول . ان يكون وكيل امر لواء الحرس الملكي (العقيد طه البامرني ) متفق مع الانقلابيين وهذا لم يثبت من خلال ما نشر لضباط الاحرار او غيرهم حول ما حصل . والثاني . ان هناك جهة دوليه متنفذه في العراق تسند الانقلابيين بحيث كانت الخطه على هذا الشكل (الهزيل والمتسرع .. والامر الاخر والذي يعزز ما ذكرته اعلاه فان مفتاح نجاح العمليه كان يكمن باعتقال العائله المالكه ونوري سعيد وتامين السيطره على الحرس الملكي لكي لاتتكر احداث مايس 1941 وهذا يتطلب قوه كبيره جدا فهل من المناسب ان تكلف سرية مشاة معززه بسريه اخرى ناقصه من فوج اخر ولاتحمل من العتاد سوى عدد محدود جدا من الاطلاقات وبدون اسناد جوي وبدون مدفعيه ولااحتياط قريب علما ان من وضع الخطه هو عبد السلام عارف معلم اقدم في كلية الاركان . وهناك جانب اخر للموضوع هل من المعقول والمنطق والاعتبارات ان يرسل ضابط برتبة نقيب ليتفاوض مع الملك ومع امر الحرس الملكي اليس المفروض ان يكون مع القوه ضابط برتبه كبيره تتمكن من فرض كلامها وهيبتها في مثل هذا الموقف الذي يصوره البعض اشبه بالفزعه والفوضى .. هذه اسئله اعتقد انها تستحق المناقشه لانها سوف توصلنا الى واحده من الحقائق التاليه :
1 . اما ان يكون الانقلابيين قد قرروا الانتحار وهذا لم يكن واردا فيما يخص عبد الكريم قاسم ولكنه قد يكون واردا لدى عبد السلام عارف .
2 . احتمال ان يكون هناك ضوءا اخضر لتنفيذ العمليه من جهه اجنبيه او اقليميه لها القدره في التحكم بالقراروالنتائج على الارض .
3 . ان يكون الحظ قد لعب دوره في نجاح العمليه مع قناعتنا بأن العسكر لايؤمنون بالحظ في اعداد الخطط وتنفيذها .
4 . الميزه الوحيده التي هي في صالح الحركه انها امنت المباغته في التنفيذ على الاقل للنظام الحاكم في العراق وليس للاخرين على الصعيد الدولي او الاقليمي ..
بعد استعراض الموقف على الارض لابد من التطرق للموقف الاقليمي والدولي بصدد ما حدث ,
1 . الموقف البريطاني لم يكن بمستوى الحدث ولم تكن لبريطانيا ردة فعل تذكر كما لم تهدد حتى بالتدخل وفرض شروط .
2 . كذلك الحال مع الولايات المتحده الامريكيه وايران ماعدا موقف الاتحاد السوفيتي الذي كان مؤيدا للتغيير في العراق .
3 . لم تقطع كل من بريطانيا وامريكا العلاقات مع العراق بل على العكس كانت لقاءات السفير البريطاني متكرره اسبوعيا لقاسم .
4 . الاردن لم يكن موقفه كما هو متوقع وهو في اتحاد مع العراق وفيه قواعد بريطانيه ولديه على الاقل قوات قادره ان تؤثر في تغيير ما جرى ..
5 . الموقف المؤيد الوحيد والقوي كان من الجمهوريه العربيه المتحده على لسان عبد الناصر .
6 . الكويت لزمت الصمت لانها المستفيد الاول مما جرى لانه سيرمي موضوع الاستفتاء والانضمام الى العراق خارجا .
نتائج الانقلاب السياسيه
1 . انهاء الاتحاد الهاشمي الذي كان مقررا ان يكون دوله قويه في الشرق الاوسط لما فيه من موارد هائله تحت حجة انهاء الملكيه في العراق وفي هذا مصلحة واضحه لاسرائيل والغرب وحكام الكويت .
2 . استمرار العداء بين العراق ومصر وسوريا كما كان موجودا في العهد الملكي بل واكثر شدة مما كان .
3 . تدهور العلاقات بين العراق وايران اكثر مما مضى وحدثت بعض المناوشات على الحدود .
4 . عودة الحركه الكورديه الى العمل المسلح بعد ان انتهت في العهد الملكي .
5 . اضطراب الوضع السياسي في العراق وعدم وضوح السياسه العامه للبلاد بسبب الديكتاتوريه .
6 . قضية الكويت والقرارات المخطوءه بشأنها والتي ادت الى الاعتراف عالميا بدولة الكويت حيث كانت قرارات قاسم مبررا لاعلان الكويت كدوله وتضييع حقوق العراق فيها .
تدهورت العلاقات بين اصحاب الانقلاب وتضاربت المصالح والولاءات والاتجاهات واقصي عددا منهم واعدم عددا آخر وسجن اخرين ونكل قاسم بما تم الاتفاق عليه وجرت عملية انهاء حركة الضباط الاحرار بشكل مؤسف وخاصة قادتها ومؤسسيها ورزخ العراق تحت حكم ديكتاتوري عسكري لمدة خمسة سنوات فقد فيها الكثير من المنجزات الديمقراطيه والبناء والاعمارواسس لثقافة القتل والسحل والفوضى والصراع السياسي المصحوب بلغة القتل وفرض الافكار بالقوه وظهور المليشيات لاول مره في العراق وتسيد الريف على المدينه وانحسار التطور الاجتماعي والاقتصادي بشكل واضح وتخلف العراق نتيجة هذا الحدث سنوات الى الوراء او ظل يراوح والى يومنا هذا ,,
والى الحلقه الرابعه....
عبد الكريم الحسيني
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثانية..
http://www.algardenia.com/maqalat/13889-2014-12-05-07-58-15.html
1199 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع