آحمد فخری
كلنا شاهد وسمع بالربيع العربي على شاشات الفضائيات، حيث تظاهر الالاف المؤلفة من البشر الغاضب على الانظمة الجائرة بشتى ارجاء الوطن العربي. واكثر هذه التظاهرات من حيث الكثافة البشرية كانت في مصر بميدان التحرير حيث قدرت بالمليون متظاهر. وفي احيان اخرى قدرت بمليوني متظاهر.
نحن كمستمعون ومشاهدون ليس لدينا اي دليل يجعلنا نصدق او نشكك بمثل هذه الاعداد المهولة. ويتوقع منا تصديق تلك المعلومات التي تردنا من وكالات الانباء الاجنبية والعربية.
وكذلك سمعنا بان السعودية تستقبل ثلاث ملايين حاج بفترة عيد الاضحى المبارك فتقوم بتجنيد مئات الالاف من البشر على شكل افراد شرطة ومتطوعون وطواقم طبية وطواقم تنظيف وماشابه. كل واحد من تلك الطواقم تقوم باعلى درجات الانضباط كي تنظم امور تلك الملايين من الحجاج. طبعاً مثل هذه الامكانيات يجب ان تساندها امكانيات مادية ضخمة جداً. فكل امور الحجاج محسومة. فقط لو علمنا ان قناني الماء (المجانية) التي توزع على الحجاج قد يصل عددها الى 3 مليون قنينة اذا ما اعتبرنا ان كل حاج سوف يستهلك قنينة واحدة فقط.
اليوم الثلاثاء التاسع من كانون الثاني كنت استمع للاخبار على محطتنا الوطنية الفضائية (العراقية) وسمعت خبراً شدني واثار دهشتي، مفاده ان النجف الاشرف قد استقبلت 13 مليون زائر هذا اليوم.
طبعاً الرقم كبير جداً وانا لم اكن اعرف اذا كان هذا الرقم دقيقاً ام انه مبالغ فيه لذا قررت ان اقوم ببحث علمي كي اتحقق من تلك الارقام التي تلقى الينا وعلينا تصديقها رضينا ام ابينا.
ان عملية حساب الحشود تتم بطرق شتى. اذا كانت الحشود لها اعداد مرصودة كما لو كانت جمهور لملعب رياضي مثلاً فان الرقم بامكانه ان يكون دقيقاً لان عدد التذاكر المباعة سيحصى بشكل دقيق فيكون الرقم النهائي شديد الدقة. اما اذا كانت عملية حساب مظاهرة ما سياسية او احتجاجية ضد نظام معين او ضد شركة ما وبفضاء مفتوح فان الرقم سيكون تقديرياً بلا شك. كذلك علينا ان نعرف الجهة التي توصل لنا الخبر. فاذا كانت تنحاز الى المتظاهرين فانها قد تضخم العدد بينما اذا كانت تنحاز الى الجهة المعاكسة فانها ستقلل من العدد.
هناك طريقة علمية مسلم بها تدعى طريقة جاكوب (مكتشفها يدعى هربرت جاكوب) لحساب الحشود. هذه الطريقة تتلخص كالتالي:
تقسم المساحة التي يقف بها المتظاهرون الى قواطع. يقدر ان الشخص الواحد يشغل حيزا يبلغ نصف متر بنصف متر اي ربع متر مربع. فتقسم المساحة الكلية على المساحة التي يشغلها الشخص الواحد اي ربع متر مربع فنحصل على الرقم التقديري النهائي. وتؤخذ في الاعتبار نسبة رص الحشود. فاذا كان الرص كثيفاً سيكون الرقم اكثر دقة اما اذا لم تكن الحشود مرصوصةً ومتفرقة فان الرقم سيكون اقل دقة.
فلو فرضنا ان عرض الشارع الاعتيادي يبلغ خمسة امتار فان عشرون شخصاً سيقفون مرصوصين جنباً الى جنب بهذا الشارع، لذا فان ثمانون شخصاً سيشغلون متراً واحدا من هذا الشارع. لذا فان الكيلومتر الواحد بامكانه ان يستوعب ثمانون الفاً من هذ الكثافة الشديد من البشر. إذاً فان ثلاث ملايين شخص بالامكان استيعابهم بسبعة وثلاثون ونصف كم هذا يعني اننا نأخذ بنظر الاعتبار ان الحشود تسير في الشوارع فقط ولا تسير على المنازل والمباني العامة (وهذا شيء منطقي).
ان مدينة النجف الاشرف بها شوارع كثيرة ومتعددة. لكنها ليست جميعا شوارع عريضة تصل الى خمسة امتار. اذا نظرنا الى جغرافية مدينة النجف الاشرف. فسنجد ان الشوارع الرئيسية فيها هي شارع الكوفة ويبلغ طوله عشرة كم وشارع المطار ثمان كم وشارع الحولي / القوسي بشقيه يبلغ اربعة عشر كم وشارع الكورنيش / الزركة اربعة عشر كم وطريق النجف/ كربلاء اثنا عشر كيلومترا. يصل المجموع 50 كم.
وبحساب نظرية جاكوب فان خمسون كم بامكانها استيعاب اربع ملايين شخص فقط، علماً ان البعض من هذه الطرق لا يصل عرضها الى اكثر من ثلاث امتار. مع ذلك سنعتبر الجميع يصل عرضه خمسة امتار. وبذلك فان الحد الاقصى الذي بالامكان ان تستوعبه مدينة النجف الاشرف لا يمكن ان يفوق اربع ملايين شخص. لذا فان 13 مليون شخص رقم يبلغ ثلاث اضعاف وربع الطاقة القصوى لاستيعاب المدينة حسب المنطق.
فلماذا هذه المبالغة يا قناة العراقية؟ هل الكذب على المشاهدين سيجعل منهم اكثر ايماناً بالدين او المذهب؟ هل المبالغة ستجعل من افراد المذاهب والاديان الاخرى اكثر غيرةً فيقومون بنبذ دينهم او ملتهم وتبني المذهب المقصود؟ هل تنتشر الديانات بالكذب او المبالغة او التلفيق؟
رفقاً بعقولنا يا اخواني. وكما يقول المثل حدث العاقل بما لا يعقل فان صدق، فلا عقل له. والمثل العراقي يقول، گلنا سكنجبيل بس مو هالثخن!
747 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع