أضطهاد العلماء والمفكرين :3- مار شمعون بر صباعي (ق4 م)

                                        

                       الأستاذ فؤاد قزانجي

 أضطهاد العلماء والمفكرين :3- مار شمعون بر صباعي (ق4 م)
 

            

مدخل

عندما يذكر الجاثليق مار شمعون بر صباعي، يذكر اول اضطهاد رهيب واجهه مسيحيوا المشرق او العراق القديم في العصر الفارسي- المسيحي (50-637 م.) ،اذ كان المسيحيون في بلاد الرافدين في العهد الفرثي وبداية العصر الفارسي -المسيحي اي بين نهاية القرن الاول ومنتصف القرن الرابع للميلاد ،يتألفون من الاراميين الذين كانوا يسكنون في جنوب بلاد بابل منذ القرن العاشر قبل الميلاد،ومعهم الكلديون او البابليون، وكذلك الاشوريون الذين كانوا في شمال العراق القديم . وكانوا قد  اقاموا عدة مراكز دينية اي اسقفيات ،وانتشروا في المدن الرئيسية مثل اربيلا وكرخ-سلوخ (كركوك) وكشكر وديرقنى (مقابل الكوت) وحيرتا او الحيرة وفرات-ميشان( مقابل البصرة) وحديثا(بجوار شرق الموصل) ودير(بدرة وجصان) وغيرها من المدن والبلدات ، وكانت لغتهم السريانية-الشرقية ،على الرغم من انهم كانوا تحت الاحتلال الايراني .

الاضطهاد الاربعيني
 بدأ الاضطهاد بعد فترة من اعلان الامبراطور قسطنطين الكبير في بيزنطة ( اي في ما يعرف اليوم تركيا وسوريا) مرسوم ميلانو في عام 312 ،وتحوله من الوثنية الى المسيحية قبيل وفاته في عام 334 م . ولما توفي ، جهز شابور الثاني ملك الساسانيين الذين كانوا قد احتلوا العراق منذ بداية القرن الثالث للميلاد،جيشا كبيرا للاستيلاء على شمال غربي سوريا. وقبل تحركه اعتقد ان المسيحيين في بلاد الرافدين سينتصرون لجيش الروم بعد تحريض الموباذانات ( الكهنة المجوس) له للفتك بهم . ولذلك جرى اضطهاد منظم لكافة كبار رجال الدين والشخصبات المسيحية وخاصة في منطقة ميشان في جنوب غربي فارس. وبدأ الاضطهاد في 339-340 م. الذي استمر حوالي اربعين سنة ، وجرى اسشهاد العديد من المسيحيين  وتدمير او الاستحواذ على بعض الكنائس والاديرة ، كما افادنا المؤرخ  سوزومين(تاريخ الكنيسة /ج2/ص9-14) من القرن الرابع . ثم عاد الاضطهاد على قسوته في زمن الملك بهرام الخامس(420-438) استمر لمدة سنة كاملة. واضطر الامبراطور البيزنطي ثيودوسيوس ان يوقع معاهدة ليضمن الحرية الدينية لكن ذلك كان من دون جدوى.اما يزدجرد الثاني 438-457 الذي تولى العرش بعده،فانه استمر باضطهاد المسيحية خاصة في العامين 445-446 . (*)

 كان رئيس الكنيسة المسيحية في العراق  وايران  مار شمعون بر صباعي الجاثليق، و وكذلك على منطقة آمد (الجزيرة ) بين العامين323-341 للميلاد ، بعد وفاة الامبراطور قسطنطين الكبير الذي كان قائدا متميزا وحد الامبراطورية الرومانية ،بعد   انتصاره في الحرب مع منافس له ،وكان قد أمر بوضع علامة الصليب على اتراس جنوده، وحينما انتصر،اصدر مرسوم ميلان الذي اعطى بموجبه حرية الاديان بما فيها المسيحية .
لما توفي قسطنطين ،تشجع ملك الفرس الساسانيين شاهبور (سابور) الثاني واستعد لمحاربة بلاد الروم . وقد اصدر مرسوما بموجبه فرض مضاعفة الجزية على المسيحيين . وجاء في مرسومه “ حالما تتلقون مرسومي ، طبقوه فيما يخص فرض جزية مضاعفة على المسيحيين، لأنهم ساكنون في ارضنا وموالين لمذهب القيصر ،عدونا.” فاحضروا الجاثليق شمعون بر صباعي وطلبوا منه ان يكتب رسالة الى جمبع المسيحيين في العراق وفارس ان يستجيبوا لمرسوم الملك حالا، والايموت ، فقال لهم :”ليس من حقي  ان اطلب من الشعب المسيحي ان  يدفع هذه الجزية المضاعفة، ان لي الحق ان اطالبهم بما يقتضيه الايمان والتعليم الحق فقط ، ولذلك فانني لا استطيع اجبارهم لأن معضمهم فقراء.” (1) فلما اخبروا الملك ما اجاب به الجاثليق شمعون ،امرهم ان يجلبوه الى قصره الصيفي في كرخ-ليدان (**) مع جميع رجال الدين المسيحيين الذين يعرفونهم .
فتم جلب الجاثليق شمعون ومعه من الاساقفة والقسس وغيرهم، بلغ عددهم مائة وتسعة من رجال الدين، من بينهم القي القبض على كلا من كدياب وسابينا من اساقفة بيت لافاط ،ويوحنا اسقف مدينة كرخ-ميشان (كراسين او المحمرة) ، ويوحنا اسقف هرمز اردشير ، وبوليدع اسقف مدينة فرات-ميشان ،قرب الخليج ، وسبعة وتسعون قسا وشماسا ، فقال لهم اما ان تامروا اتباعكم ان يدفعوا ضعف الجزية،او ستقتلون وستقطع رؤوسكم ، فلما رفضوا ،اخذهم حراس الملك وحزت رؤوسهم جميعا : وكان ذلك في يوم1 نيسان من عام 341  (2) ، وكان قد اعتبر يوما للشهداء . ولم تنته القتول فلقد استمرت المجزرة حوالي اربعين سنة حتى وفاة هذا الملك الجزار ،اذ استشهد خلال حكمه بين 10000-16000 من المسيحيين في العراق وفارس،كما جاء في التاريخ الكنسي لسوزمين الفلسطيني، معظمهم  من المتعلمين في المدارس المسيحية، ومنها مدرسة نصيبين العليا275-330 . كان من بينهم كوشتازاد رئيس حجاب الملك، ويوسي رأس صناع الملك ومعه ابنته المسيحية، وجهات تربو اخت الجاثليق شمعون ، وميلس اسقف مدينة السوس(سوسا ) القديمة.
وقد استمرت القتول فتبعهم في العام الذي يليه الشهيد شاهدوست ورفاقه الاكليريكين وكذلك برشيبا الذي كان رئيسا لاحد الاديرة مع رهبانه البالغين 342 راهبا، وقتل نرساي اسقف شهرقرث  في عام344، و استشهد يوحنا اسقف اربيل في عام344، وقتل ابراهيم اسقف في حدياب سنة345 ، واستشهد الجاثليق بر بعشمين ومعه افراد كنيسته في عام346 ، والقديسة تقلا ومعها اربع راهبات في عام 347 ، ومار قرداغ  حاكم ولاية حدياب في عام359 الذي آمن بالمسيحية فامر الملك الجزار برجمه بالحجارة ،وكانت من التقاليد الزرادشتية . وقد وصلتنا رواية استشهاده في القرن السادس ، وقد شيدت كنيسة في مكان استشهاده في اربيل . ويضاف الى هذه السلسلة من الشهداء مار بهنام واخته سارة،ورفاقه الاربعين في عام 359 ،حيث بني على مثواه ديرا ظل باقيا حتى الوقت الحاضر. ومقتل باسوس واخته سنة 388 ضاعت الرواية التي كتبت عنهما ،لكن البطريرك بهنام الحدلي قرأها ونظم قصيدة عن استشهادهما في عام 1404 على الارجح .

سيرته
يرجح ان شمعون بر صباعي ميشاني الاصل، ولد في مدينة سوس. كان والده قد اشتهر بصبغ الحرير ،كما يذكر ماري بن سليمان. كانت المسيحية قد انتشرت في غرب ايران اي منطقة  بيت-هوزاي ( ميشان) ، اصبح شمعون ساعورا في زمن الجاثليق (فافا) وبعد ذلك صار اسقفا ثم تقدم في منزلته الكنسية ، و لاول مرة في زمانه تتوحد المسيحية في العراق وايران تحت اشرافه ،بعد ان انتخب مطرانا وجاثليقا على الارجح في عام 323  وبقي يسوس الرعية بحرص وايمان لمدة ثمانية عشرة سنة  حتى استشهاده في عام341 . كما ذكر ابن العبري في تاريخه الكنسي  انه كان قد سافر مع بعض الاساقفة لحضور مجمع نيقية في عام 325 ،ولكن الامر مشكوك فيه لان المسيحيين في بلاد الرافدين لم يتوحدوا  مع مسيحي بلاد الروم الا في (مجمع اسحق) الذي عقد في سلوقية-طيسفون بعد موت الملك شاهبور الثاني ،والذي انعقد في مفتتح القرن الخامس اي بعد ان  مقتل مار شمعون  .
بعد مقتله ظل كرسي العراق وميشان شاغرا في ساليق. لكن بعد عام انتخب المسيحيون (بربعشمين) ،ولما سمع الملك الساساني شاهبور الجزار ،امر بقتله ايضا مع مجموعة جديدة من القسس والشمامسة فقطعت رؤوسهم ايضا . لذلك انتخب انتخب رئيسا للكنيسة سرا المطران شاهدوست الذي كان ساعورا ومساعدا الى شمعون بر صباعي.
 تتميز شخصية شمعون بصموده امام الموت مما اعطى مثالا على عدم الاستسلام الى التهديد بالموت وقطع الرؤوس، كما عرف بثقافته وقدرته على ادارة وتوحيد مئات الالاف من المسيحيين في جميع انحاء العراق وجنوب غربي ايران اي منطقة ميشان الارامية .

مؤلفاته
1- ذكر المفهرس العراقي الاول عبد يشوع الصوباوي، ان شمعون الف بضعة رسائل دينية،الا ان  تلك الرسائل لم تصل الينا .
2- رتب الصلوات في القداس .
3- كتب خمسة تراتيل دينية ظلت تتلى في الكنيسة المشرقية ،هدفها شد العزم للمسيحيين الذين اضطهدوا في القرن الرابع للميلاد . اولها (بك يارب الكل) وثانيها (يا عالم افكار البشر) وثالثها (يارب ذو القدرة ) والخامسة  (سبحانك ربي لأنك خلقتني) (3) .
4- مؤلف  بعنوان (كتاب الاباء) يناقش فيه شمعون، المراتب السماوية والارضية . اطلع عليه المستشرق الالماني ساخاو ونشره في برلين عام 1885 بعد ان ترجمه الى الالمانية ، ولم يترجم الى لغة اخرى حتى الان. (4)

اهم المصادر والهوامش
(*) الموسوعة الكاثوليكية،باللغة الانكليزية .(اضطهاد المسيحية في المشرق)
1- ساكو ،الاب د. لويس . آباؤنا السريان . بغداد : مطبعة الطيف، 1998 (ص55-60 )
(**) مدينة كرخ ليدان هي مدينة بناها الاسرى الرومان وكان بينهم مسيحيون،دعوها بيت-لافاط واقاموا بها اكثر من كنيسة ،وتقع جنوب غربي ايران اي في منطقة بيت هوزاي او الاهواز ،وتسمى اليوم اطلالها (شاه آباد) ،وكانت كرخ ليدان اسقفية .
2- كتاب  الفرض الكلداني (الحوذرة رقم 3 الصفحات 232-233 ) .
3- دوفال، روبنس . تاريخ الادب السرياني، ترجمة الاب لويس قصاب. بغداد، منشورات مطرانية السريان الكاثوليك، 1992 ،ص 144-145 .
4- رايت،الوجيز في تاريخ الادب السرياني .دهوك،دار المشرق الثقافية،2012 ص27 .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

832 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع