هارون محمد
لا غرابة في السياسات الأميركية مع السنة العرب في العراق منذ احتلالها البغيض في أبريل 2003 إلى اليوم،
فهي التي أمرت بتهميشهم وملاحقتهم، عندما شكلت هيئة اجتثاث البعث بعد شهرين من الاحتلال وأوكلت مهمة قطع الأرزاق والأعناق إلى نفر غارق في اللؤم، ابتداء من أحمد الجلبي وجواد المالكي، قبل أن يغير اسمه إلى نوري، نزولا إلى جلال كجك الصغير وانتهاء بمثال الألوسي، والأخير عينة من طراز نادر دفع به خبير صهيوني في مفوضية الانتخابات إلى ساحة مجلس النواب، ثم تلقفه حزب حميد موسى الشيوعي سابقا وأدرجه في قائمته الانتخابية الأخيرة على طريقة (من قلة الخيل).
أميركا لا غيرها هي التي تعاونت مع إيران خامنئي ونجاد وقاسم سليماني على تقويض الدولة العراقية الحديثة التي شيدها السنة العرب بالجهد والتضحيات، وأسهموا في نهوضها مع إخوانهم الشيعة العرب، في وقت كانت المرجعيات والأحزاب والجماعات الشيعية والكردية تتمرغ في الوحل الإيراني منذ عهد رضا البهلوي مرورا بالخميني، وصولا إلى خامنئي.
أميركا هي دولة إمبريالية، لا وجدان عند رؤسائها ومسؤوليها ولا قيم إنسانية في دوائرها وأوساطها، وتذكروا كيف تعاملت مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر لأنه انحاز إلى شعبه وأمته؟ وكيف تآمرت على الملك فيصل بن عبدالعزيز لأنه تمنى أن يصلي في المسجد الأقصى قبل أن يموت؟ وكيف ذبحت الرئيس صدام حسين بأياد إيرانية لأنه قال “لا” مدوية في وجهها، والأمثلة لا تعد ولا تحصى، وكلها تكشف عن منهج عدواني يستهدف العروبة والإسلام المحمدي، ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 واستغلها بوش الابن ليضع أهل السنة جميعاَ وفي كل مكان في خانة الاستهداف.
أميركا أوباما تلعب اليوم في العراق على الحبال المرتخية لبعض السنة العرب من سياسيي الصدفة وأنصاف وأرباع الشيوخ والمتهافتين على الانتفاع المالي، وهي أيضا ترقص مع المهرجين الذين طفوا على مسرح الأحداث بعد الاحتلال وصاروا رؤساء ونواب ووزراء، وباتوا يصدقون مزاعمها الجديدة، بأنها أخطأت عندما تعاملت مع شيعة طهران وجاءت بهم إلى السلطة والحكم، وأنها تريد تصحيح ما وقعت فيه خلال سنوات ما بعد 9 أبريل 2003، كما ورد على لسان منسق التحالف الدولي ضد داعش الجنرال جون آلن في اجتماعين عقدهما في أربيل وعمان مع بعض الهاربين من بيوتهم ومناطقهم في الشهر الماضي.
والتصحيح كما يراه البيت الأبيض هو أن ينضوي السنة العرب تحت المظلة الأميركية وينخرطوا في قوات يقودها قاسم سليماني، تسمى الحشد الشعبي أو الحرس الوطني لمقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية الذي تؤكد جميع الأدلة والحيثيات أن عميل أميركا وإيران المزدوج نوري المالكي هو من سهل لوحدات أبو بكر البغدادي الاستيلاء على محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأجزاء كبيرة من ديالى وكركوك، عندما حشد القائد العام السابق للقوات المسلحة جيشا من (الفضائيين) لمواجهة قوات الدولة الإسلامية.
ولاحظوا النفاق الأميركي في العراق الآن، وكيف تتعاون مع بعض المحسوبين على السنة العرب ممن لا يقدر أكبر رأس فيهم الذهاب إلى بيته وبلدته ومنطقته في الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى وأقضية كركوك، بينما تتغافل عن آراء رموز وقيادات سنية عربية تدعو إلى الخير والصفاء، وتتجاهل دعواتهم المخلصة في التآخي الشعبي والتعايش السلمي، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم يلتفت أحد من المسؤولين الأميركيين الذين يريدون قتل السنة العرب في محرقة داعش، إلى تصريحات المرجع الديني الكبير الشيخ عبدالملك السعدي قبل خمسة أسابيع وقال فيها: إن القضاء على إرهاب ما يسمونه داعش لا يتم عبر إلقاء القنابل من الطائرات، بل بالقضاء على دوافعه وأسبابه من ظلم واعتداء وتهميش يتعرض له السنة، وما يزالون.
مضيفاً إذا كان التحالف الدولي جادا في إيجاد حل جذري لمشكلة العراق فعليه الجلوس مع أهل السنة من علماء وشيوخ عشائر وعسكريين سابقين وأكاديميين، وسياسيين مناهضين للعملية السياسية والاستماع منهم إلى مطالب المناطق السنية المنتفضة، مختتما تصريحاته بالقول: بعد أن نأخذ حقوقنا نعرف كيف سنتفاهم مع داعش فهذا شأننا، في حين أغلقت أميركا آذانها عن سماع ما قاله مفتي الديار العراقية الشيخ رافع الرفاعي عندما تساءل في مؤتمر للأزهر بالقاهرة: هل المطلوب أن نطرد داعش من مناطقنا لتأتي المليشيات الشيعية وتغتصب أعراضنا وبيوتنا وتشرد أهلنا؟ ولم تهتم بما كشفه عن التدخل الإيراني السافر ضد السنة العرب وتعرضهم، يوميا، إلى الذبح وحرق منازلهم وتهديم مساجدهم لترتفع عليها صور خامنئي.
لقد ثبت سياسيا وميدانيا أن أميركا وإيران ماضيتان في مشروعهما (التخادمي) المشترك في القضاء على السنة العرب في العراق، لأنهم ما زالوا يحملون روح المقاومة والمعارضة ضد واشنطن وطهران معاً، ولن يهدأوا إلا بنيل حريتهم وأخذ حقوقهم ولن ينخدعوا مرة أخرى في مقاتلة القاعدة أو محاربة داعش لحساب الجنرالين، بترايوس سابقا أو آلن حاليا، أو لمصلحة قاسم سليماني ونوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي.
وإذا كانت أميركا جادة فعلا في التخلص من تورطها المستمر في العراق، فعليها أن تسمع ما يقوله العلامة السعدي والمفتي الرفاعي والسيد عزت الدوري والأسير سلطان هاشم والمطارد طارق الهاشمي والملاحق محمد الدايني والمختطف أحمد العلواني والشيوخ خميس الخنجر وعلي الحاتم وعبدالناصر الجنابي وناجح الميزان، فهؤلاء أصحاب كلمة مسموعة والثقة بهم عالية، وليس أسامة أو أثيل النجيفي وسليم الجبوري وصالح المطلك ورافع العيساوي وأحمد أبو ريشة وأحمد الجبوري (أبو مازن) الذين انقرضوا وهم أحياء.
625 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع