د. نادية جمال الدين
لا يوجد نظام تعليم فى العالم المعاصر لا يهتم به أصحابه أولا يبحثون حول تحسينه وجعله ملبيا لاحتياجات المتعلمين الآنية والمستقبلة وقادراً على تلبية احتياجات المجتمع بكل جوانبه
والتعليم كما ينبغى أن ينظر إليه الآن هو أمن مصر القومي، إنه حقاً الأمل الباقى والدرع الواقية بكل متطلباتها ويمد الوطن بمن سيتحملون أمانة العمل فى كل مؤسساته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بل كل المؤسسات المسئولة عن أمن الوطن الداخلى والخارجى وحمايته. نظام التعليم الوطنى ببساطة هو الذى يعد المواطن المصرى ليكون إنسانا ومواطناً بالفعل ينتمى لوطنه ويحميه ويدافع عنه ويصونه.
ولذا نطرح هنا السؤال: ماذا يعنى الهجوم المستمر على التعليم ومنذ قرابة العشرين عاما الماضية دون توقف؟ وانتقل هذا الهجوم من الثانوية العامة، ومكتب التنسيق والتعليم الأساسى .فالتعليم الجامعى دون تقديم حلول ناجعة ودون توقف عن إشعار القائمين عليه والمتعلمين بالفشل وخيبة الأمل. إن الهدم المستمر والنقد الذى لا يقدم وجهة نظر للبناء لا يؤدى فى النهاية إلا إلى فقدان المواطن الثقة فى نظام التعليم، وفقدان المتعلمين للشعور بالجدوى منه ،وفقدان ثقة سوق العمل فى خريج هذا النظام دون تقديم بديل.
إن الخطر الحقيقى يكمن فى أن هناك تقصيرا فى التعامل مع نظام التعليم والتمسك بالرؤية التى قدمها اللورد كرومر فى نهاية القرن التاسع عشر؛ حيث الإصرار على الحديث عن التعليم من منظور سوق العمل وحده أى أنه لإعداد الموظفين، والإصرار على أن التعليم المجانى هو سبب المشكلات ،والاتجاه إلى القول بأن التعليم الدولى والبكالوريا الدولية هى الحل!!!.
التعليم هو أمن مصر القومى دون منازع والتعليم فى حاجة إلى رؤية وطنية ضاربة فى جذور الوطن منطلقة للمستقبل، والتعليم ليس نظاماً مستقلاً عن غيره من النظم المجتمعية ، التعليم فى حاجة إلى قراءة واعية فى ضوء المتطلبات المفروضة علينا وعلى غيرنا والناجمة عن التغيرات الهائلة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا الرقمية بكل معطياتها.
إن الأمر الذى أريد أن ألفت الأنظار إليه هو أن الهجوم المستمر على التعليم مع اللجوء إلى التعديلات السريعة وعدم الاستقرار فى سياساته دون محاولة البحث عن علاقة هذا بالمتعلمين والتغيرات الحادثة بين الأجيال وأيضا التغيرات المتوالية فى العصر الرقمي، كل هذا أدى إلى تراحع الثقة فى التعليم الوطني، وإحجام التلاميذ عن الذهاب للمدرسة وهجرها فى المرحلة الثانوية تحديداً ، وشعور المعلم بالإهانة وعدم التقدير المعنوى والمادى وانصراف بعضهم بوازع غير أخلاقى إلى الدروس الخصوصية والتظاهر بالعمل فى المدرسة. هرب التلاميذ إلى نفس المعلم حيث يلقى الدروس فى مراكز تعليمية تنتشر بصورة مخيفة فى جميع الأحياء لتقدم بأجر مكره عليه ما لا يجده فى المدرسة من حرية ومرونة فى مواعيد الدراسة وإمكان اختيار من سيعلمه. ترك القادرون المدارس العامة أو الحكومية واتجهوا إلى المدارس الخاصة والمدارس بلغات أجنبية، فالمدارس الدولية فالحرص على هذا النوع من التعليم من الفئات القادرة والرضا عنه جعلنا ننظر إلى التعليم المصرى على أنه لا يقدم مفيداً، وتعلو لغة المال وترتفع ؛ حيث الهجوم على التعليم الذى تقدمه الدولة فى مدارسها لأنه مجانى أو ينبغى أن يكون تعليماً فنياً رغم عدم نجاحه على مدى سنوات طويلة فى تقديم المطلوب لسوق العمل الذى تتغير متطلباته وبسرعة وباستمرار مما لا يمكن المدرسة من ملاحقته، فالمدرسة وجدت للتعليم وليس للتدريب على آلات وأعمال روتينية تتراجع. نتمسك بصيغ لمجرد التعود على وجودها دون قدرة على اقتراح البديل أو الرغبة فى الخروج عن المألوف، ويتحدث العالم عن التعليم الجامعى والبحث العلمى ونغرق نحن فى الحديث عن الفئات المحرومة وتقديم نماذج مستوردة لا تقدم للفقراء سوى المزيد من الحصار والاستبعاد وليس الانصاف وتكافؤ الفرص، سنظل نتحدث عن التعليم بينما العالم يتحدث عن التعلم مدى الحياة ويسعى إليه مستخدماً منجزات العصر التكنولوجية بكل أنواعها.
إن الهجوم المستمر على التعليم لن يؤدى إلا إلى مزيد من التردى والشعور بالدونية ويدفع من يقدرإلى الهروب منه، ويسيء إلى سمعة المواطن والوطن عالميا.. فمن ذا الذى سيقبل بمعلم مصرى أو طبيب أو مهندس وأهل وطنه لا يثقون فيه ويصرون على أن تعليمه (متخلف).
لا أدعو إلى الاستكانة أو ليس فى الإمكان أبدع مما نحن فيه ولكن أدعو وبإصرار إلى التفكير بشأن ما نقوله ونفعله ونريده من التعليم ووجوب أن يكون هناك رأى عام يتفق على الإجابة عن سؤال محدد هو لماذا نعلم؟!
أقول التعليم لابد أن يكون من أجل غرس الأمل فى الإنسان بأن مستقبله ومستقبل وطنه يرتكز عليه ويستمر من أجل بقائه ولبقاء آمن للوطن الذى يعيش فيه إنها الدعوة التى أطلقها من هنا وأرجو أن تجد صدي، أن يكون التعليم فى أقدم بلد زراعى لغرس الأمل فكيف نفعل هذا؟! وبعد هذا تأتى خطوات كثيرة تترتب على الإجابة التى سوف نختارها فى ضوء متطلبات الإنسان واحتياجات الزمان وضرورات أمن مصر القومى ؛فالتعليم بكل مؤسساته وخريجيه هو مفتاح الآمن القومى الأساسى ولا بديل.
803 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع