بقلم : سعاد الورفلي*
سؤال يتصدر مقالتي : ماذا قدمنا للطفل العربي ؟
هل بعض المجهودات المبذولة لشريحة معينة للأطفال ؛ هي كل شيء ؟
اسمحوا لي بعرض تساؤلاتي واستغرابي العميق حول ما يحدث للطفل العربي ...
أطفالنا يعانون أكثر من الساسة أنفسهم !
هل تعلمون أن أوضاع البلدان العربية لها تأثير كبير وسيء على نفوس أطفالنا الصغار .
آهـ كم أبكيكِ أيتها الطفولة المسربلة بسرابيل الحزن والقتامة !
لقد صار أطفالنا يقاومون كي يفوزوا بحياة ناعمة رغدة هانئة .
وتالله إنهم يقطِّعون أنياط فؤادي بما يحدث لهم من مقاومة لظروف المعيشة ، ومن شتات وعدم استقرار نفسي واجتماعي !
تخيل معي أيها القارئ الكريم : أسرة فيها مجموعة أطفال صغار ..حال الوالدين : انشقاق ومشاكل وفرقة وتدخلات خارجية وداخلية ...؟؟ فكيف حال الطفولة في ذلك البيت المتردي ؟
كيف حال الطفولة في البيت العربي ؟
منذ سنوات كنا نمنِّى أنفسنا ببرامج أطفال مكثفة ومكتظة بالأفكار والبيئة العربية : لكن أطفالنا تربوا على ميراث الغرب !
لستُ متحاملة على أي شيء علمي نستورده ، لكنني ممتعضة من أننا أمة ننتظر الجديد من الخارج !
أين عقولنا ؟ علماؤنا ؟ المتخصصون في الشأن الاجتماعي والأسري والثقافي ؟
هل خصصت الثقافة شيئا تحت مسمى : أدب الأطفال : أعمال ودراسات . ورسوم تعليمية تنشيطية ؟
بتنا نأخذ كل شيء جاهز ؛ فيما يتعلق بالمجتمع العربي والطفل حتى وإن لم يتمشَ مع البيئة التي يحياها أطفالنا ....
أطفالنا الآن يذوبون كالشمع احتراقا أمامنا ...ونحن لم نسطع عمل أي شيء .
المتغيرات في الأمة العربية أثرت على الأطفال قبل الكبار : شتت ويتّمت وغرّبت أطفالا من بقاع شتى ، هناك أطفال يعانون ويلات البرد ، وهناك من يعانون أمراضا مزمنة : نفسية وسلوكية ووجدانية .
المؤلم أن ترى أطفالا بوجوه ناعمة : تحت أشعة الشمس الحارقة صيفا ، وتحت صقيع البرد شتاء : يتسولون ، أو يبيعون المناديل المعطرة كي يعطروا حياتكم التي امتلأت روائحا زكمت منها الأنوف !
من قتل الطفولة .؟ ومن تسبب لها في البؤس ؟
يقوم الأوربيون بدراسة أحوال الطفولة ويهيئون برامج تتكيف مع عقول أطفالهم وسنوات معيشتهم .
ذات مساء كئيب تصفحتُ بعض القنوات الأجنبية : فشدتني المواضيع التي تتحدث عن الطفل : بشكل عام ..إن الأطفال يستثيرونهم بشكل كبير ..فالطفل ثروة لايستهان بها عندهم وليتنا نفكر هكذا أيضا في الطفولة : رأيتهم يجمعون عائلات لديهم أطفال يعانون من الغباء ومن اضطرابات شتى ، وعائلات أطفالهم يعانون من أمراض معينة كالتوحد –مثلا- ويستضيفون (بروفيسور ) لمعالجة أوضاعهم ووضعهم في مؤسسات تهتم بهم وتقدم لهم خدمات جليلة وعظيمة كي يشْفوا من الحالات التي يمرون بها ..ليس الأمر عند هذا الحد وحسب ... إن البرنامج المُدار: ظل يتابع حال الأطفال حتى انتهاء دورتهم داخل المؤسسة ..وعادت الابتسامة على شفاه الأطفال قبل أهاليهم !!
يالنا من مقصرين ومجحفين بحق أولئك الأطفال ...الذين يتسمرون أمام الشاشات ويقتاتون مما تفضل به الغرب من رسوم ومشاهد تتمشى وبيئات أطفالهم وحياتهم الأسرية وتفكيرهم الخاص .
نعم نحن مجحفون : فلا برامج تتعلق بمعالجة أوضاع الأطفال الذين يعانون الويلات في أقاصي البلاد من كل الجهات ..بل البرامج التي تُعْقد من هنا وهناك : هي عبارة عن إشارات دون علاج ..دون أن يقدموا حلا أو بديلا لأوضاع متردية ...
كلنا نتحدث عن إمكانيات ورؤى وبرامج : لكننا لم نقدم شيئا
نتحدث عن خطط ومشاريع مستقبلية ، وأطفال اللحظة يذوبون كما تذوب الشمعة بين الشوراع ، وعلى الأرصفة ، وفي المخيمات .
طائفة كبيرة لايعرفون طريقهم للمدارس ! وآخرون قطعوا دراستهم بالمراحل الأولى نظرا لــ(العنف المدرسي – وعدم اهتمام المشرف الاجتماعي داخل المدارس بهؤلاء الأطفال – بل عدم اهتمام المؤسسة كلها : بالحالات النفسية والسلوكية التي يمر بها الأطفال – كذلك عدم اهتمام الأسرة : الأبوين بحالة الأطفال أثناء دخولهم للمدارس ومتابعة سير أعمالهم ودراستهم وتشجيعهم ).
أما الطائفة الأخرى: لعدم مقدرة الأسرة ماديا في أن تقحم أطفالها في مؤسسات تعليمية ذات اهتمامات جيدة وبرامج مركزة.
أطفالنا تتسرب طفولتهم من بين أيدينا : والسياسات لها دخل كبير فيما يحدث للأطفال على مستوى الرقعة الأرضية ، فقد امتلأت رؤوس الأطفال بهموم الكبار ، ومشاكلهم ، وحروبهم الضروس التي لم تنتهِ ولم تقف عند حد معين . وصارت السياسات تتحدث عن برامج اغتالت فيها برامج الطفولة ورواقهم وبيئتهم ومحيطهم : فغلب على شاشاتنا الوجوه الشاحبة والنفوس المليئة بأبخرة الضباب السياسي ، والمال والأعمال والبورصة ..وفي آخر المطاف : التفتنا فوجدنا : أطفالا أصيبوا بأمراض شتى _ وفي أحسن حالات أولئك الأطفال أوضاعا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية _ فقد أدى البذخ والمال في أن يشتري الطفل كل شيء مما يعود عليه بالوبال : كأن يأكل الطفل في المدارس ما صنع خارج البلاد !! من الأكياس الملونة والمعلبات المحفوظة لفنرة زمنية وقد جيء بها لتشبع غريزة الطفل الذي تستهويه الأشكال والألوان . والطامة الكبرى أن تأتي الدراسات لتخبر أن تلك المأكولات المستوردة فيها ما فيها من المواد السامة ، القاتلة المسببة لأنواع السرطانات والفيروسات – عافانا الله وإياكم –
لقد عجزنا يا سادة حتى عن توفير المادة الطيبة مأكلا ومشربا لأطفالنا !! هذا في حالات البذخ والرفاه ..إلى جانب البرامج التي لاتتناسب وعمر الطفولة وبيئتهم ومجتمعهم .
ليت شعري : ما يقدمه العرب من طازج الكلم والبرامج والثمار اليانعة ، تصرف ميزانياته الضخمة في شأن الطفولة والاهتمام الكبير بالطفل : بمؤسساته – ومدرسته – وأسرته – ولعبه – ووقته الثمين الذي يقضيه في التعلم على التلفاز.
ليت شعري : أن نخصص ميزانية : لمجلات وأدب الأطفال وكتاب الطفل .. ومعارض فنون الأطفال ، ونخصص الميادين التي تصرف فيها طاقات الطفل : كمدينة الملاهي (ولاننس أن اللعب للطفل مهم في تنمية مداركه وتشغيل خياله ، وتحريك وجدانه !! فلا نستهين بهذا الجانب ولانصغر من شأنه الكبير .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ) .
وقال : أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاعب الأطفال ويزرع في نفوسهم الفرح والمرح ولنا في سيرته الكثير من المواقف
فكان صلى الله عليه وسلم يَصٌفُّ عبد الله وعبيد الله وكثيراً من بني العباس في نسق معين (مثل المسابقات ) ثم يقول : من سبق إلي فله كذا وكذا قال : فيستبقون إليه ، فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم.
الإسلام جاء رحمة للجميع واهتم بالطفل وبالأسرة وبتربية الأطفال ونبه على الاهتمام بتلك النبتة الجليلة ، والبذرة الصغيرة وتعهدها بالرعاية والحماية والصيانة من منغصات الزمن الدائرة .
لكننا وكّلنا أمر أطفالنا لغيرنا فبتنا نحصد المكروه فيهم ...ونراهم يتساقطون كأوراق زهرة ذابلة ..ويذوبون كشمعة احترقت وذابت .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
*كاتبة وقاصة من ليبيا
712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع