زينب حفني
أجرت قناة «بي. بي سي» العربية بالآونة الأخيرة، مقابلة مع الممثلة العالمية صاحبة المواقف الإنسانيّة الشجاعة (أنجلينا جولي) التي لا يختلف اثنان على محبة الناس لها، وعلى شعبيتها الكاسحة في العالم بأسره.
وقد انتقدت أنجلينا في محور حديثها سياسة بلدها الولايات المتحدة الأميركيّة، المزدوجة المعايير، وعلى الأخص الملف المتعلق بقضايا التعذيب! ورأت بأن أي دولة تقود العالم في مجال الديمقراطيّة وتسعى لتحقيق العدالة على الكرة الأرضيّة، عليها أن تكون السبّاقة لأن تُصبح نموذجاً طيّباً يُحتذى به في مجال حقوق الإنسان. مُضيفة: إننا إذا أردنا أن نبقى قادة العالم، فعلينا محاسبة أنفسنا قبل محاسبة الآخرين، وذلك باتخاذ القرارات الصحيحة والالتزام بتطبيق القوانين الدولية.
أرادت أنجلينا بأسلوب دبلوماسي أن توجّه رسالة لوطنها، شرطي العالم الذي اعتاد ابتزاز الآخرين باسم احترام الحريات وتطبيق مبادئ الديمقراطيّة، فيقوم بالتلويح في وجه أي نظام بهذه الورقة، إذا تعارضت سياسته مع مصالح أميركا! وليس هذا فحسب بل نجد أنها تقوم بانتهاك حقوق الغرباء وتعذيبهم داخل أراضيها، مستبيحة لنفسها ما تستهجنه من الدول الأخرى، مبررة أفعالها بالمحافظة على أمنها القومي!
السؤال الذي يطرح نفسه بعيداً عن أنجلينا وبطولاتها الانسانيّة، هل حقق المجتمع الدولي حيّزاً ولو صغيراً من العدالة للإنسان خلال العام الذي أوشك على الرحيل؟ هل قلّت الحروب والمجازر التي نشاهدها يوميّاً على شاشات التلفاز، أم اتسعت رقعتها؟ ماذا عن المنازعات الطائفيّة والخلافات العرقية والاطماع السياسيّة؟ أقل من أسبوعين تفصلنا عن السنة الميلاديّة الجديدة، ويبدو أن العالم أراد أن ينسى الأحداث الداميّة التي مرّت به، ويرمي خلف ظهره أحزانه، بحرصه على أن تعمَّ الفرحة البيوت والشوارع والأبنية وتزيينها بالأنوار الملونة البرّاقة.
أجد أن العام الذي يتهيّأ لوداعنا من أسوأ الأعوام التي مرّت علينا! وأرى كما يرى الكثيرون بأن تنظيم «داعش» كان بطله الرئيسي بلا منازع، فقد شغل اهتمام الناس في كل مكان بمجازره الوحشية وانتهاكاته غير الآدمية. ويكفي أنّك ما أن تفتح تلفازك صباحاً إلا ويُفاجئك كم من الأخبار السيئة، فتتحسّر على الحرب الأهلية الدائرة بكل من سوريا وليبيا، وعلى انهيار الأمن بالعراق نتيجة الفتن الطائفيّة، وعلى ما يحدث بالعديد من البلدان الإسلاميّة الأخرى، وتشعر بانقباض في صدرك ويتسرّب الخوف لقلبك من المجهول القادم، وتتساءل.. وماذا بعد كل هذا الكم من المآسي؟!
وأعود إلى حوار أنجلينا جولي بوجوب مراقبة أنفسنا ومحاسبتها على أفعالها! نعم لو جميعنا مع انحسار العام الفائت وحلول العام الجديد الذي ينتظر الولوج إلى بوابة العالم، راقبنا أعمالنا وتصرفات أبناءنا لأصبح العام القادم أفضل. لو كل فرد منّا رفض الظلم وتمسّك بتحقيق العدالة في بيته وبين أسرته وبين زملائه بالعمل، بالتأكيد ستكون الحياة أنقى. لو كل إمرء منّا، رفض التنازل عن حقوقه الآدميّة وطرد الخوف من دواخله، وقال لا جهاراً لكلمة مضللة ولفكر فاسد ولمواقف مائعة، سيكون العام الجديد أكثر اطمئناناً وستختفي من دروبه الخلفيّة الفوضى الأخلاقيّة.
صحيح المصالح بين الدول لا تعترف بالأخلاق ولا تؤمن بقيم البشرية، لكن عندما يتطهّر كل بيت من أطماعه الذاتيّة، ويتصيّد كل فرد أغلاط وسقطات ضميره التي ارتكبها بحق الآخرين، سيعم السلام مجتمعات العالم، ولن يستطيع الساسة مهما كانت قوة نفوذهم، الوقوف بوجه المجتمعات السويّة، وستختفي الحروب والمجاعات والفساد الذي جعل مجتمعات العالم الثالث تحديداً بنهاية الصفوف. إنها مشكلة الضمائر عندما تموت، فالموت في أغلب الأحيان ليس خلاصاً من عذابات الدنيا، بل يكون البداية لانهيار الأرض بمن عليها.
599 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع