د.عبدالرزاق محمد جعفر
أعمى بطريق مُظلم /الحلقة العشرون
ما ان تأكد "صابر" من انه الآن مع أقاربه في دائرة الكمارك والجوازات الأردنية,.. حتى عادت له الطمأنينة,.. وأتما الأجراءات الروتينية, وتوجها نحو العاصمة عمان, وأصر قريبة على أستضافته حتى الصباح لأستحالة العثورعلى فندق في مثل تلك الساعة المتأخرة,.. فوافق "صابر"على مضض ,..وفي الصباح الباكر, أنتقل الى فندق في وسط العاصمة عمان,.. وعلى الفور راجع (البنك), وسحب ما لديه من دولارات كان قد أودعها في حسابه أثناء عمله في ليبيا, ثم حجز تذكرة على الخطوط الجوية العربية الليبية الى طرابلس.
توجه "صابر" الى فندق (ليبيا بالاص) أي قصر ليبيا الذي نزل فيه في سبتمبر 1970,..وفي الصباح توجه الى جامعة الفاتح التي عمل بها في السبعينيات لمدة تسعة سنوات, وها هو الآن بطرابلس مرة أخرى,. في تموز1992,.. وفي ممرات الأدارة العامة للجامعة , التقى مع زميله العراقي أثناء الدراسة في موسكو ، فرحب به وقاده إلى بيته,وعرض عليه السكن في داره,حيث سـيغادر طرابلس هذا اليوم,.. فدبت عند "صابر" مشاعر الغبطة لكرم زميله,.. وصار بأمكانه أستقبال عائلته في أي وقت طالما توفر لهم السكن اللائق!
***
لم يوفق "صابر" بأعادة تعيينه,.. و بعد عدة أيام , كان في طريقه الى قسم الكيمياء ,.. وأذا به وجهاً لوجه مع نفس الدكتور الليبي الذي تعاقد معه في بغداد, سنة 1970,وتبادلا المجاملات, ثم طلب من الدكتور "صابر" مصاحبته الى مقهى القسم, وشكى له "صابر" من عدم تعيينه لحد الآن,.. فطلب منه الدكتور الليبي الجلوس في مكانه لحين عودته,.. وبعد ساعة واحدة,...عاد وبيده عرض عمل من رئيس قسم الكيمياء بجامعة الفاتح بطرابلس الذي اعتذرقبل أيام بعدم وجود شـاغـر!
فرح صابر واتصل فوراً بعائلته ( المكونة من زوجته واربعة اولاد وبنت), التي وصلت الى عمان قبل ايام , وأرسل لهم بالفاكس تذاكرالسـفـر للتوجه إلى طرابلس, و تم ذلك بمساعدة أحد معارفه منذ السبعينيات , و في اليوم التالي اسـتقبل كافة افراد العائلة بفرحة لا توصف !
***
لاقى "صابر" متاعب عديدة لأجل توفيرسكن لعائلته وإدخال أطفاله للمدارس , وفق مرحلة دراسـتهم ، وقد وجد صعوبات جمة في إدخال ولده " عوض", إلى كلية الهندسة بالرغم من المساعدات التي قدمها الزملاء, ولم يتم قبوله إلا قبل بدء امتحان الفصل الأول بأيام , بمساعدة زميل له كان اول عميد لكلية الهندسة, حيث قال لصابر, اذهب بملف ولدك وضعه امام العميد واطلب منه قبول ولدك وفق العرف الجامعي,..لأن الطالب بن أستاذ جامعة الفاتح !
كان "عوض", على اتصال بخاله, الأمريكي – العراقي الجنسية, من دون علم والده،وفي تموز(جولاي)1993، استلم الدكتور "صابر" أوراق قبول لولده من جامعة أمريكية، و كانت الفرحة كبيرة ,.. وانفتحت بوابة ألأمل لكل أفراد العائلة إذا ما وفق عوض بدراسته مسـتقبلاً وتمكن من سحب بقية أخوانه للعيش في كنفه.
***
أعلنت الأمم المتحدة في تلك الفترة ,.. حصاراً على ليبيا بسبب مشكلة, أطلق عليها اسم "لوكربي", حيث اتهمت ليبيا بإسقاط الطائرة الأمريكية "بان أمريكان" فوق مدينة في اسكتلندا أسمها " لوكربي " ومُنعت الطائرات من الإقلاع أو الهبوط في المطارات الليبية !
حاول "صابر" أن يوصل ابنه, إلى أي بلد فيه قنصلية أمريكية ، إلا أنه باء بالفـشـل نتيجة للشروط التعجيزية للحصول على تأشيرة أي بلد مجاور لليبيا!
وتشاء الصدف أن يَمُرَ "صابر" وولده من أمام القنصلية المالطية والتي رفضت مرتين أعطاء ولده تأشيرة خلال الشهرين الماضيين، ووجد صدفة باب القنصلية الرئيس مفتوحاً، وهبط من السيارة وتوجه مسرعاً للدخول فهرع نحوه الحرس ليمنعوه ، .. إلا أنه طلب مقابلة القنصل، وإذا بأحد الأشخاص الذين التفوا حوله يقول له :" أنا القنصل "!, ثم قاده إلى غرفته, وتبادل معه الحديث لمعرفـة المشكلة التي دعته لأقتحام السفارة ، وما ان استوعب القنصل المشـكلة ,حتى راح يـشرح له الأسباب التي منعـته من منح ولده تأشيرة الدخول إلى"فاليتا" عاصمة مالطا !,.. حيث أن عوض ما زال لم يبلغ الثامنة عشرة ، ولا يجوزمنحه التأشيرة إلا بوجود مرافق أو شخص ما في مالطا ليكون مسؤولاً عن تصرفاته !, وبعد مداولات قصيرة, بَينَ "صابر" للقنصل أستعداده لمرافقة ابنه، وهكذا اتفق الطرفان ووضعت التأشيرة (الفيزة) على جواز سـفـر صابر وابنه ودفع الرسوم وشكرالقنصل وودعه، وخرج ليبشر ولده,.. ولم يصدق ولده الخبر, إلى أن رأى بأم عينه التأشيرة "المالطية", وبعد أيام غادر "صابر" وولده إلى مالطا على ظهرباخرة صغيرة تسـمى ( الطوربيد ), المتجهة الى مالطا عند المساء, وبعد اثنتي عشرة ساعة وصلت الباخرة الى إلى ميناء العاصمة،" فاليتا "
***
عاد "صابر" بعد ثلاثة أيام إلى طرابلس بعد أن أتم ولده كافة الإجراءات وأدخله إلى معهد لدراسة اللغة الإنكليزية، وأطمأن على ولده برعاية زملاء عراقيين، وودع الجميع وكان يوماً عصيباً وفراغاً مرعباً , الا ان الأمل بلم الشمل كان هو البلسم !
بعد ثلاثة أشهر اتصل عوض بوالده ينبئه بوصول التأشيرة الأمريكية، فانهمرت منه دموع الفرح ، وبكى بكاءً مُراً لفترة وجيزة ، ثم تعوذ من الشيطان, وتوجه لداره ليعلم عائلته بالخبر, فعمت البهجة المفعمة بالألم , كما سـاد الفرح كافة الأصدقاء.
وصل عوض إلى أمريكا وهو على أبواب الثامنة عشرة من عمره، فبعد أيام من وصوله دعاه خاله لأحد مطاعم المدينة, وبعد لحظات جاءت زمرة من عاملات المطعم الجميلات يحملن الكعكة المزينة بالشموع وهنً ينشدنً أغنية :
"سنة حلوة يا جميل,..هابي – برث- د ًي - تو - يو!"
***
تحسـنت احوال "صابر"المعاشية فراح يفكر بزيارة ولده في أمريكا،إلا أن القنصل الأمريكي لم يوافق على منح جميع افراد العائلة سـمـة الدخول (الفيزة), ومنحها له فقط, فوافق على ذلك, وقرر السف ربمفرده لاستطلاع وضع ابنه ومعرفة إمكانية هجرتة والعائلة مستقبلاً إلى أمريكا !
***
في أوائل تموز(يوليو) سنة 1995، وصل "صابر" مطار اتلانتا في ولاية جورجيا الأمركية, ثم استقل طائرة داخلية إلى " باتون روج " فوصلها مساء ولم يجد احداً في انتظاره فأتصل بأبنه "عوض", وعلم بتوجههم إلى مطار ولاية لويزيانه (نيواورليانز)،..وبعد نصف ساعة ,.. حضر الركب الذي جاء لاستقباله... وكان لقاءً حاراً .
***
حاول "صابر" خلال تلك الفترة جمع العديد من عناوين الجامعات ومراسلتها وحصل على جواب من جامعة الولاية الموسومة بـ : (أل- أش- يو"LSU) , بمعية دكتور له نفس تخصصه.
وبعد أيام التقى "صابر" بامرأة تعمل في جوازات الجامعة وعلم منها سهولة تمديد أقامته لمدة سنة أخرى، إلا أن ذلك لا يعطيه الحق في دعوة أفراد عائلته، لأن العمل الذي يقوم به "صابر" ليس حكوميا، وإنما شخصي مع أستاذ بالجامعة, ففقد "صابر" الأمل بقدوم العائلة!
***
حار صابر, بين أمرين " أحلاهما أمرٌّ من الآخر ".. وحاول صابر أن يثني عزم ولده عن الزواج والعودة معه ليعيش بين إخوانه, إلا أن ذلك لم يلقَ استحساناً منه ونفذ رغبته,.. وهكذا تمت إرادة الأمرالواقع ، واستسلم "صابر" لرغبة ولده، وحضر حفلة الزواج التي أقامها خال عوض.
بدأ "صابر" يهيئ نفسه للأنتقال الى الجامعة وأجراء المقابلة,..
وما هي إلا لحظات قبل موعد توجه "صابر" الى الجامعه لألقاء محاضرته أمام لجنة خاصة للبحث العلمي ,.. حتى دق جرس التلفون ليعلن المتكلم عن وفاة( أم زوجة خال عوض)،... ولما علم "صابر" بذلك الخبر، اقترح تأجيل الموعد، إلا أن الخال أصرعلى الذهاب وترك زوجته بمفردها في المستشفى مع والدتها المتوفية !
***
وافق الأستاذ الأمريكي بجامعة (LSU) على عمل الدكتورصابر بمعيته وإعطائه مكاناً للعمل في مختبره، وبعد أشهر أَلَمَّ بمجريات العمل داخل قسم الكيمياء في تلك الجامعة وانسجم بالعمل مع كافة أعضاء هيئة التدريس وخاصة في فترة الغداء حيث كان يذهب مع مجموعة كبيرة من أعضاء القسم وكون مع معظمهم علاقات خاصة، وما كان يقلقه هو الطريقة التي بموجبها يستطيع دعوة عائلته التي تركها في ليبيا للعيش معه ، ومسالة تخبط ولده "عوض" في دراسته وفي عمله،... ولما فاتحه ثار بشكل عنيف!
وعلى اية حال, فقد رافق كل تلك العوامل شعور"صابر" الذاتي برغبة ابنه على عودته الى ليبيا ليكون مشرفاً على سير دراسة أخوته الأربعة الآخرين ,. وعدم ترك أمه بمفردها تعاني من تحمل المسؤولية ومشاكل ألأولاد التي زادت أضعافاً !
****
يتبع في الحلقة / 21 مع محبتي
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة..
http://www.algardenia.com/maqalat/14044-2014-12-14-22-38-56.html
732 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع