د.سامان سوراني
صناعة الخراب الذي يتباكی الآن علی أنقاضه من أسهموا في إنتاجه بعقول ملغمة ومسلمات عمياء و توجّهات مقلوبة تتحول بعد الإنتصارات النوعية والمتتالية لقوات البيشمرگة الكوردستانية في أكثر من مكان علی ميليشيات الدولة الإسلامية ، عبدة الأقانيم الوهمية المقدسة ، الی عملة قديمة بعد أن كانت قبل فترة وجيزة أداة للقهر والإستبداد والإرهاب والإستئصال.
الكوردستانيون أثبتوا بأن تنظيم داعش ليس غولاً، بل تحدٍّ يمكن لقوات البيشمرگة التصدي له.
هذا التنظيم الذي صار سبب في زعزعة الإستقرار في مناطق واسعة من الشرق الأوسط بتهديها علی كل من سوريا والعراق ولبنان والأردن وأماكن أخری جذب في الماضي آلاف المقاتلين من الغرب الذين إستمدوا وحيهم من الدولة الإسلامية والذين سوف يكونون بعد هزائمهم في كوردستان مصدر تهديد لبلدانهم بعد عودتهم الیها.
نحن مع الرأي القائل بأن الإرهاب سيستمر ، لذا يجب العمل علی إستراتيجية طويلة الأمد لتحديد خطورتها والتصدي لمخططاتها أينما نشأت.
إقليم كوردستان يمارس اليوم مجموعة من الأدوات السياسية بطريقة تكمل بعضها البعض من أجل خلق الظروف المؤاتية لإرساء الأمن والإستقرار في المنطقة ويشارك بشكل فعال في صياغة إستراجية لتغيير وإضعاف الديناميات التي تنشط المد الإرهابي . ولإعاقة تدفق المقاتلين من مناطق الحرب مع داعش واليها يجب إستهداف الممولين والميسرين والوقوف ضد التحدي الذي يخلقه التنظيم والمؤدي إلى تسرّب عدم الاستقرار عبر الحدود الإقليمية. أما فيما يخص ملاحقة وضرب هذا التنظيم في خارج حدود كوردستان ومكافحة دفع الشباب إلى الأصولية فهذا أمر يحتاج الی التعاون مع الدول المحاذية لكوردستان والتحالف الدولي الداعم للعمليات العسكرية الكوردية.
إن صناعة الموت بإسم الإسلام والقومية هو ماقام به داعش بغزواتە وحروبە وممارساتە الإرهابية ومذابحه الجماعية في الكثير من المناطق الكوردستانية وهو ما أثبت بأن الإنسانية التي يدعونها توّلد الفقر والتفاوت والإستبداد ، بقدر ماتولد النزاع والعنف والإختلاف الوحشي.
العنف الذي أصدمنا بإرهابه ورعبه وقتله وتخريبه ليس مجرد تجسيد لصدام الثقافات ، أو مجرد تعبير عن فشل المجتمعات الإسلامية في ممارشن الديمقراطية والتحديث ، ولا الفاعلون هم مجرد حفنة من الإرهابيين يهددون مصير الشرق والغرب. إنها معضلة إنسانية ، التي باتت عاجزة عن معالجة دائها الأعظم ومشكلة المسلم الحداثي مع نفسه. المسلم الذي لايتعلم من أخطاءه ولايحسن صنع حياته أو إختراع مستقبله. فجذور العنف الداعشي يتجسد في نماذج الثقافة وقيمها وفي مسبقات الفكر ومؤسساته ، إنه يكمن في منطق المطابقة التامة وديكتاتورية الحقيقة النهائية وفي الحقول المفخخة بالتصنيفات العنصرية والمفاضلات الإصطفائية وكذلك في الخطابات الملغمة من منابر المساجد الملغمة بالإدعاءات المثالية والمزاعم اللاإنسانية. وفوضى الديموقراطية المعبّرة عن مصالح ضيقة والمسيّرة من القوى الخارجية، المتنازعة أصلاً، يجب أن تزول ، كي لا تسمح لنمو العقل الداعشي ، لإن الإحساس بالإحباط يدفع الفرد نحو العـودة إلى صـورة سلفيّة أسطـوريّة مغلـقة من الدين. علی الإقليم الإستمرار في سياسة تعزيز أسس المساواة الفرديّة والاجتماعيّة، أي المواطنة المتساوية والعدالة في التوزيع، وحتّى بعض أسس الإنسانيّة الشاملة.
ويجب التحضير لمرحلة ما بعد إنهيار الدولة الإسلامية والعمل علی تشجيع إيقاف خروج جيل من المتطرفين أكثر وحشية وبربريةً من خلال عدم تهميش التطرف في الإقليم والمناطق الكوردستانية الأخری.
لقد خلق داعش عقل إرهابي مبني علی الفوضوية وحوّل هذا العقل من مرحلة التنظيم الشبكي المبني على مرجعية شرعية مستقرة نسبياً ترفع شعارات ذات طابع ديني الی مرحلة الإنفصال والإستقلالية المحلية وخرج هذا التنظيم بفعله عن السيطرة الرمزية للمنظرين، الذين لم يكونوا أيضاً معتدلين في الفكر أو منطقيين في تزوير المفاهيم الدينية ، وتحول دولته الإسلامية بخروجها إلى ما يشبه الميليشيات أو عصابات من المرتزقة الخارجة عن القانون.
هذا الخروج يصعب علينا التنبؤ بخطوات العقل الإرهابي القادمة وحدود العنف الوحشي الذي قد يبذره في المنطقة ، حيث لا قيود ولا شروط ولا انتظار لرؤية شرعية ولا تأييد من قبل المتعاطفين في الخارج. مع كل ذلك علينا العمل علی تغيير "الفكرة العنفية المسيطرة" لتغيير الواقع واستبداله بواقع متخيّل يراد تحقيقه على الأرض قسراً.
وختاماً: مشروع الدولة الإسلامية فقد مصداقيته علی أرض الواقع وفي ضوء التجارب المدمرة. فهذه هي مصائره علی إختلاف نسخه ومنظماته التي تشهد علی أهله، يعني تحويل الفكرة الی مؤسسة للقتل والذبح والترهيب والهوية الی محمية فاشية عنصرية والخلافة الی إستراتيجية قاتلة وكلمة "لا إله إلا الله" الی فتن وحروب ودمار ووحشية.
الدكتور سامان سوراني
824 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع