اضطهاد العلماء والمفكرين : 16- طه حسين عميد الادب العربي

                                     

                 الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

من ابرز الشخصيات الادبية العربية في منتصف القرن العشرين، هو الاديب العربي الكبير طه حسين . وكان قد عرف باسلوبه ( السهل الممتنع) ،اطلق عليه المصريون (عميد الادب العربي) .

                

ولد طه حسين في عام 1889 ، وفقد بصره حينما كان في الثالثة من عمره . ونشأ محبا للتعلم والتثقف في شتى المجالات مثل الدين واللغة والادب، تدرج في الدراسة حتى تخرح من الازهر ،ثم دخل كلية الاداب،بجامعة الملك فؤاد، وحصل على الدكتوراه في الادب العربي .ثم طمح ان يكمل ثقافته في اوربا فسافر الى فرنسا للدراسة في جامعة السوربون . وهناك التقى بفتاة فرنسية مسيحية ،اهتمت به، فتحولت صداقتهما الى زواج ،وكانت طيلة وجود طه في الجامعة تقرأ له وتعلمه الفرنسية . تخرج من جامعة السوربون حاصلا على شهادة الدكتوراه في الفلسفة الاجتماعية: عبد الرحمن ابن خلدون نموذجا ، وذلك في عام 1918  ولما عاد عين استاذا في كلية الاداب بجامعة فؤاد الاول .(1)
في عام 1924 الف طه حسين كتابا جدليا ،احدث ضجة دينية وادبية في مصر والعالم العربي : وهو (في الشعر الجاهلي) . وابرز الممآخذ عليه الفكرية والدينية هي :
1-  ان بعض الابيات الشعرية الحكمية من الشعر الجاهلي، وجدت في التراث الاسلامي .
2- لم يؤكد رواية مجيىء الرجل الصالح ابراهام (ابراهيم) الى الجزيرة العربية ،لانه لم يعثر على اي نص يؤيد ذلك بما فيها التوراة والانجيل والمدونات التاريخية .
3- اكد انه لم يكن الاسلام اول الاديان في بلاد العرب .
 فقامت ضجة دينية وفكرية هوجم فيها فكر طه حسين  ، واتهمه الازهر بالاساءة الى الاسلام ،وحرك دعوى ضده ، واحيل الى محكمة امن الدولة ، وفصل من عمله وذلك في عام 1926 . ونظرا لشخصيته البارزة في المجتمع العلمي المصري وثقافته سعى القاضي (محمد نور ) جهده ان يخفف من غلواء الاتهامات بان اولا يصدر قرارا يجعل اراء طه حسين مشكوكا فيها ، وانه سيتدارك الامر ويصحح هذه الاراء التي جاءت في كتابه الجدلي . ولذلك اشار القاضي البارع الى ان طه حسين “لم يكن يهدف  من آرائه هذه التشكيك في الاسلام، ولكنه لشدة تأثره بالعلماء الغربيين، اخذ بعض النصوص عنهم ، وقد تخيل مما ليس حق، بانه حق ، او مالايزال في حاجة الى اثبات انه حق” ، ثم اوصى القاضي طه حسين ان يصحح خطأه ،واضطر طه ان يحذف من كتابه تلك الابيات التي كانت  ، وأعاد نشره وسماه ( في الادب الجاهلي) . كما انتقده اساتذة مسلمون من خارج مصر من بينهم الدكتور فرهاد ديوسالار الاستاذ في جامعة آزاد الاسلامية الذي كتب مقالا باللغة الانكليزية يحلل تجاوز طه حسين لما مسموح له في الدين ،اذ قام بزرع الشبهات حول العصر الاسلامي الاول ، مستخدما بعض الاساطير ، مقلدا الغربيين في الشك واتشكك، وخاصة في حياة امرىء القيس وشعره . وخلط مابين الحقيقة والخيال. (ص134)
 وبعد ان قعد طه حسين في بيته وعلى الرغم من معاناته ، وقد خسر عمله الجامعي ومكانته ، قرر تاليف كتاب عن نشأة الرسول ،ليخفف من غلواء الازهر وكذلك منتقديه وتكفيرهم له . وسعى ان يعمل محاضرا في الجامعة الامريكية . وبعد صدور كتابه الجديد ادرك المصريون المنتقدون ، ان طه حسين رجلا مؤمنا، وان كتابه كان المقصود منه ابداء رأي جدلي قابل للمناقشة والرد بصورة عقلانية . فأعيد بعد سنتين الى كلية الاداب، ثم اصبح عميدا للكلية في عام 1930 .
 في عام 1935 الف كتابه (من بعيد ) عن رحلاته بين الاعوام 1923-1930 ، فاثار هذا الكتاب ايضا جدلا وانتقادا  لاذعا من قبل بعض الكتاب المتعصبين و رجال الدين  ،حينما تحدث عن مفهوم الدولة والدستور، ولم يكن راضيا عن  مادة (دين الدولة )  وقال ان هذا الالزام يخلق جدلا صعبا بين شعب مصر . وتساءل طه حسين : “هل كتب على الانسانية ان تشقى بالعلم اوبالدين؟ والدين هو سلاح تستخدمه السياسة حين تنتصر لطرف وتضطهد الطرف الاخر  “.
في عام 1938 اثيرت عليه ضجة أخرى على اثر صدور كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) الذي خلاصته تذكر : ان الثقافة المصرية تعود الى حضارة البحر الابيض المتوسط ،ومنها الحضارة اليونانية التي بنيت عليها الاداب الاوربية وفلسفاتها الجديدة ،فما احرانا ان نعتمد عليها ونبني عليها مستقبل ادبنا العربي . وهكذا هاجمه العديد من الادباء والكتاب الرجعيين،واتهموه بالتعالي على  الكنوز الادبية العربية، في الماضي والحاضر . كما اتهموه ايضا بتفضيل الادب الغربي على الادب العربي وشتان بين الاثنين !؟ ولم يسترح طه حسين من الاتهامات الا بقيام الثورة المصرية في عام 1958 .
ألف طه حسين اكثر من خمسة كتب في الادب العربي وروايتين، وكذلك كتابين عن سيرته بعنوان (الايام )،كتبها باسلوب قصصي ممتع تصور كيف استطاع صبي ،وهو معوق ان ينموا ويكبر  ويزداد علما  وادبا وخلقا واخلاقا. وقد ترجمت الى الانكلبزبة بعد سنوات قليلة ، وذاع صيته في العالم، وهو من الشخصيات العربية المعاصرة القليلة التي كتبت عنها الموسوعة البريطانية .
وفي عام1952 عين وزيرا للتربية ، فعمل على جعل التعليم مجاني، والغى المدارس الخاصة التي كان لايدخلها الا ابناء الموسرين، كما اعطى للجامعة نوعا من الاستقلال . وفي عام 1967 نشر الجزأ الثالث من قصة حياته ، بعنوان (مذكرات) حينما صار عمره 78 عاما .(2)
يبدو ان طه حسين استمر في آراءه مستندا الى دعم الثورة المصرية ،اذ كان طه حسين في حماية الثورة ،ومن حسن حظه انه مات في نفس العام الذي مات فيه الزعيم المصري جمال عبد الناصر ، لان التعصب الديني كان قد عاد في حكم السادات الذي انتهى بالاتفاق مع اسرائيل ؟!
قدم له الرئيس جمال عبد الناصر قبل وفاته باشهر في عام 1973 ،اعلى وسام مصري، تاركا وراءه مؤلفات تاريخية وادبية ونقدية رائعة لاتقل عن(45) كتابا متميزا وعشرات المقالات في الادب والفكر والتاريخ العربي والتربية والتعليم اضافة الى روايتين .
خلف طه حسين ولدا وبنتا هما مؤنس وامينة . وبعد وفاته كتبت زوجته بالفرنسية مذكراتها مع طه حسين ، كان من الكتب المهمة في القاء الضوء على جوانب من حياة المفكر العربي المتميز طه حسين بعنوان (معك ) . وترجمت ابنته الكتاب الى العربية مع مقدمة تتحدث فيه عن رأيها بابيها  .(3)
بعد وفاة جمال عبد الناصر ومجيىء الرئيس انور السادات ، طفق كثير من الكتاب المصريين يهاجمون طه ويتهمونه بشتى الاتهامات ،فالف الكاتب انور الجندي كتابان نقديان (طه حسين وحياته في الميزان) ثم اردفه (محاكمة فكر طه حسين ) معتبرا اياه خارجا على الاسلام لان طه حسين قد شكك في وجود دليل تاريخي يشير الى مجيىء النبي ابراهيم الى الجزيرة العربية.
يذكر ان موسوعة ويكبيديا ، قد اشارت الى ان طه حسين قد ترك الاسلام في اواخر ايامه . وربما ذلك كان صحيحا لانه في  تلك الفترة قعد في بيته ولم يخرج الا حينما ذهب لتسلم وسام النيل من يدي الرئيس جمال عبد الناصر .
  ويذكر ان الحكومة المصرية قد اشترت بيته وجعلته متحفا لتتذكر عميد الادب المصري، واحد المفكرين المتميزين في العالم العربي واسمت المتحف (الرامتان ) اي الواحتان . وهناك مدرسة وشارع وقاعة باسمه ،كما اقيم له تمثال ،كلها في عهد جمال عبد الناصر .
اخر من كتب عنه الاستاذ حسونة المصباحي قائلا : “ لطالما كانت الانسانية والتاريخ لقاحا وتفاعلا للحضارات، اما العالم العربي اليوم ، متمثلا في الاصولية ، قد يشكل حاجزا لمعتنقيها ومجتمعاتهم امام التقدم والانفتاح على الاخر . وكان العلامة طه حسين قد تبادل الرسائل مع اندرية جيد الذي حصل على جائزة نوبل في الادب في عام 1946 ، قائلا له ان ازدهار الاسلام في القرن العاشر ،جاء لتلاقحه مع التراث الاغريقي والسرياني والفارسي والهندي .” (4 )

اهم المصادر
1-Taha Hussain , Ency. Britannica
2- ويكبيديا: ملحق،اشخاص خرجوا من الاسلام (طه حسين) .
3- www. Almuslih.org.taha hussain
4- المصباحي، حسونة .طه حسين لاندرية جيد”لقد اخطأتم عندما تعرفتم على المسلمين...” جريدة الشرق الاوسط 20 تموز 2001

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

809 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع