قصة اخر مرة لبست الخاكي في مثل هذا اليوم قبل 15 عاما...

                                      

                               سلام توفيق

في خريف 1999 صدر بيان من مديرية التعبئة والاحصاء يقضي بالزام العراقيين تولد 1964 باداء خدمة الاحتياط الثالثة اعتبارا من 2-1-2000 ولمدة 60 يوما ...

لم استغرب الامر اطلاقا حينذاك فالنظام كان يتفنن في التسعينات بالحاق الاذى بابناء الشعب من خلال مسميات مزيفة كيوم النخوة والبيعة وجيش القدس وغيرها
كانت الغاية الحقيقية منها هو الهاء المواطن العراقي وجعله يفهم دوما انه مشروع دائم للاستشهاد دفاعا عن الوطن الذي يعيش مرحلة مصيرية عصيبة والى نهاية هذه الاسطوانة التي مللنا من سماعها طوال عقود وان يفهم انه ملك للنظام ومغامراته ...اما مسالة كيف ستعيش عائلة ذلك المواطن الذي يضطر لترك عمله ودكانه وبسطته ليلتحق بمعسكرات التدريب فذلك اخر ماكان يفكر به النظام... والانكى من ذلك ان تلك المعسكرات كان الملتحقون بها ياخذون دروسا في السير العسكري - يس يم- وفي احسن الاحوال تفكيك وتركيب بندقية الكلاشينكوف مع ان المتدربون خدموا في فترة الحروب وهم متمرسون كل في صنفه
التحقت يوم 2-1-2000 بعد ان اخترت قاعدة القيارة الجوية حيث كان الملتحقون يختارون معسكرات قريبة على مناطق سكناهم وكان التدريب المزعوم ايضا للمستجدين الذين التحقوا توا بالخدمة وليس حسب صنوفنا...لم يكن صعبا على العاقل ان يفهم بان هذا الاستدعاء هو ليشعر النظام بانه لازال يحتفظ بهيبته وسطوته وقدرته على اركاع واذلال ابناء الشعب المساكين ... وان الذي سيدفع الثمن هو المواطن الفقير المعدم فالاغنياء وابناء الطبقة الوسطى سيدفعون الرشاوى للضباط -وهذا جزء من خطة النظام لاشباع جيوب بعض الضباط الذين انحرفوا للاسف عن الخط النزيه لسيرة الضابط العراقي -
نظرت في الوجوه المتعبة حولي ان بعضهم يبدوا انه تجاوز الخمسين !! اما القيافة فحدث ولا حرج لانهم ابلغونا اننا يجب ان نتدبر بدلاتنا العسكرية بانفسنا!! جنود بعضهم بالدشاديش وبعضهم يرتدي بدلات رياضية - تراكسوتات- وقسم اخر ببدلات عسكرية بالوان واحجام وصنوف مختلفة ..
تعرفت على النائب ضابط الذي كان مسؤولا علينا عن طريق صديق من منطقتي خدم معه وحدثني عنه بانه -لهلوبة- وفنان بالرشاوي واخفاء الجنود المتسربين وهمزة الوصل بين الجندي الراشي والضابط المرتشي مقابل ضمان حصته .. اتصلت به فسجل اسمي في مذكرته وطلب مني ان اكون جاهزا خلال 72 ساعة !! فقلت له ابشر
جمعونا في ساحة العرضات ليلقوا علينا خطبة الافتتاح واعلامنا بان الرشاوى ممنوعة!! كانوا مجموعة من الضباط الاركان الطيارين اصغرهم مقدم واكبرهم لواء وباشرنا باليس يم !! حتى ساعة النزول الواحدة ظهرا .. انبرى بعض الجنود قائلين للضابط المسؤول بانهم فقراء ولايملكون مالا للنزول او لشراء طعام وطلبوا توفير القصعة ويطقات منام ..انزعج الامر وامر بابقائنا جميعا حتى الثانية بعد الظهر موعد القصعة ورغم احتجاجنا فقد اصر على الامر حتى نضغط على الفقراء او نجمع لهم مالا !!
جاء موعد القصعة وكان قزانا واحدا فيه رز معجن يميل الى كونه شوربة لاتكفي لعشر عشر عددنا وقال تفضلوا هاي القصعة الي ردتوها!! اكل بعض الجنود من الذين شكوا حالهم وكنا جمعنا لهم مبلغا من المال يكفيهم للنزول !!
في اليوم التالي لم التحق لاني كنت رشيت النائب ضابط وفي اليوم الذي يليه جائنا ليبلغنا بان الامر يقول الرشوة ممنوعة لكن نحن بحاجة لمبلغ من المال لاعمار بعض مرافق القاعدة ولذلك نريد كل 3 جنود يدفعون 200 الف دينار سوية اي حوالي 67 الف لكل جندي مقابل اجازة مفتوحة الى نهاية الخدمة!! هذا هو الذي توقعناه ولاجله تم استدعائنا فكل له حصته من دافعي الرشاوى الا الفقير فانه سيزداد ذلا ومهانة في بلد الرشيد..لم يكن معي المبلغ لاني لم اداوم بالامس ولم ابلغ باحضار المبلغ فعرض احد الجنود ان يدفعه لي على ان ادفعه له في محله بمنطقة الدواسة بالموصل وكان يعمل مصلحا للدراجات النارية وهو موقف مشرف لانه لايعرفني ولا اعرفه!!
كان موعدنا اليوم الاخير من شباط نستلم الراتب وكتاب التسريح فاعطونا كتب التسريح اولا مقابل ان نتنازل او نتغاضى عن استلام رواتبنا وفعلا ذلك الذي حصل !!اما انا فذهبت الى النائب ضابط واعطيته الراتب 25 الف دينار وقلت له بعد غد سيلتحق شقيقي هنا لانهم طلبوا مواليد 1961 لنفس الخدمة!! واتوصى بيه
كنت بحاجة الى هذه الخدمة لاني تسرحت سنة 1991 مع من تسرح من وحدات وهمية وبكتب مزورة ولذلك كنت اصطدم بفقرة طلب صحة التسريح المفروضة على المتقدم للحصول على جواز سفر!!بعدها بايام اكملت اجراءات الجواز ورجعت لصديقي النائب ضابط لاحضر كتاب صحة التسريح فرحب بي كثيرا وابدى اسفه لان الامر غير متوفر!! ليوقع الكتاب فورقت له وجبة جديدة فتدخل عند المساعد للتوقيع وفعلا وقع المساعد بعد ان مرر له النائب ضابط بان نائب عريف سلام يبوس ايدك سيدي وهذه شيفرة معناها ان الضحية دفع الرشوة !!
اكملت اموري واختمرت فكرة الخروج من العراق الى غير رجعة لان الزمان لايعود للوراء وان العراق الذي عرفناه واحببناه ودافعنا عنه بشرف وبسالة قد اصبح في خبر كان وان القادم اسوء
وللاسف فان ماوصل اليه اليوم اسوء كثيرا من اسوء سيناريو كنت اتوقعه له
اما لماذا تركت الخدمة وتسرحت بكتاب مزور فهو موضوع مقالتي القادمة

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1010 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع