د.عبدالقادر محمد القيسي
التفاصيلُ وجزئيات التفاصيل التي وردت في مقابلة مهدي الغراوي كانت مساجلة إعلامية لتبرئة من يراد له التبرئة وتحمل عبء المسؤولية وحديثُ قائد الشرطة الأتحادية (لحد 28/3/2014) وقائد عمليات نينوى بعد ذلك،
وبما كشفهُ من غرائبِ الأمور لدى القيادة العسكرية العليا المتمثّلة بالفريق اول ركن (عبود كنبر) معاون رئيس اركان الجيش، والفريق أوّل ركن (علي غيدان) قائد القوة البرية، لابدّ أن يفتحَ ملفّاتٍ غامضة مضمونها قضايا أشدُّ إبهاماً، والمقابلة كشفت عن كارثة تاريخية وحوادث ومفارقاتٍ وتناقضات ومداخلاتٍ ومعلوماتٍ جديدة مؤلمة وكارثية تفاجأَ بها الجمهور العراقي والرأي العام والقادة العسكريين .
وكان القسط الأكبر من الحوار كيل اتهامات وتوزيعها على عدة أطراف (وقدم شهادات براءة عن القيادات العليا في الجيش والشرطة لذر الرماد في العيون ولتشتيت الراي العام المدني والعسكري عن دورهم البارز في سقوط الموصل) ودفاع عن النفس والجميع خائن وهو الوحيد (القائد العسكري الوطني الوحيد).
لقد سلمت الموصل او بيعت بدون قتال، ولو كان الغراوي ومعه قياداته قادة عسكريين حقيقيين مهنيين( من المفترض حراس للوطن) يعرفون بعلوم الحرب وحركة الاحداث ومجاميع العدو وتطورات الميدان واهمية المعلومة الاستخباراتية وكيف يعالجها ويبلغ مراجعه عبر التسلسل العسكري الهرمي الاصولي لكان قد تجاوز هذه النكسة (الوكسة كما سماها حسن العلوي) بأقل الخسائر، لكنه استهل معظم وقت اللقاء بمفردة (انا) وسعى الى تسجيل (بطولات) وهمية نسبها لنفسه دون وجه حق بعيدا عن المحافظة على الشرف العسكري الذي يحتم عليه ان يكون أمينا على مسؤوليته كقائد لعمليات نينوى.
أنّ عموم الجمهور كان يتابع بألم ضابط بهذه الرتبة وبهذه الصورة المؤسفة والكلام غير المترابط وكان هناك ضُعف بائن منْ قِبَلِ الغراوي أثناء حديثه وإجاباته في لقائه على قناة البغدادية ، بخاصة انه لا يجيد فنّ الحوار والحديث أمامَ الأضواء والإعلام ، وكان صدى الاتهامات الموجّهة اليه ماثلة وواضحة وكان يناور بالألفاظ والكلمات تحت اعتباراتٍ سيكولوجيةٍ يتحكّم فيها العقل الباطن، فشخصية الغراوي منطقا ومظهرا والتي ظهر بها اثناء اللقاء لاتتناسب مع شخصية قائد عسكري بقود جيشا تحت راية العراق؛ لانه ظهر بشخصية هزيلة وضعيفة ومشتتة بالرغمِ من أنّ ايّ قائدٍ عسكريٍّ آخر لمْ يكن ليتقبّل عباراتٍ شديدة اللهجة مثل التي استخدمها من ادار الحواِر معه وهو يجيب وكانه تلميذ امام استاذه.
ولا اريد ان اصف ما تحدث به الغراوي من الجانب العسكري كوني لست مختصا والموضوعُ بلا شَكٍّ مُتَشعِّب، وتتخلّله دهاليزٌ مادية ومعنوية كثيرة، وهي اكبرُ من الفريق الغراوي ومما ادلى وأفصحَ به من معلوماتٍ فائقة الأهمية، وأفضل ما قدمه الغراوي في شهادته للبغدادية كشفه عن حقيقة المؤسسة العسكرية في زمن القائد العام للقوات المسلحة السابق، ولكن ما يتضح بشكل لا يقبل اللبس في نهاية المطاف، أن الجيش العراقي الحالي في كثير من مفاصله، جيش منهك متهالك غير نظامي غير منضبط بأقصى حالاته وغير نظامي بأدنى مستوياته يفتقر للتنسيق والتعاون فيما بين تنظيماته وفرقه وغير مستعد لمواجهة المخاطر المفاجئة بل ليس لديه ستراتيجية لتدارك المخاطر والهجمات والمخاطر التي قد تحدق بالبلد كهذه، وكانت هناك ولا زالت عصابات ومافيات تتصارع فيما بينها على المنافع والمكاسب والمناصب دون ادنى وجود لشيء اسمه شرف العسكرية ودون وجود اي عقيدة يؤمن بها قسم كبير من هذا الجيش، وكشف في حواره هذا، مستوى العلاقات الهزيلة البعيدة عن أي منطق عسكري صحيح ومبنية على المصالح والصفقات والفساد بين قسم كبير من القادة والضباط في الجيش العراقي لو كان هنالك منطق عسكري صحيح في بلد اسمه العراق، وهو بحاجة الى أعادة تأهيله من أدنى درجة وتحت قيادة او مجلس عسكري وطني، بل يجب تغيير حتى الثقافة العسكرية .
من يتابع لقاء الفريق الركن مهدي الغراوي مع البغدادية يصل الى حقيقة مفادها ان الأموال الهائلة التي صرفت على المؤسسة العسكرية صاحبة التأريخ العظيم خلال السنوات الثمان الماضية (ثلث ميزانية العراق)، والتي كانت ولا زالت تأخذ من أفواه الفقراء والمساكين وتُصرف على فِرق وألوية وأفواج يقودها مجموعة من القيادات المنخورة والخاوية والبالية في أداء واجباتها العسكرية، وبالمجمل يستنتج أن المؤسسة السياسية بغالبية قياداتها وأعضاءها ورئاساتها في واد والمؤسسة العسكرية (الجاهلة في قسم كبير منها بكل ماله علاقة بالقيادة والإدارة وحسن التدبير)، وتفاصيلها في واد آخر، ووزير الدفاع بالوكالة لا يعرف شيء عن ضباطه وجنوده كونه مشغول بوزارة ثقافة البلد واصلا هو بلا صلاحيات ومعه رئيس أركانه، والكُل يكذب على الكُل والبعض الآخر يعمل بأجندة خاصّة به ومع أطراف مختلفة بعضها خارجي مرتبط بالإرهابيين والمليشيات والبعض الآخر ملزم بأجندة حزبه أو كتلته التي ينتمي إليها.
وسأتناول في مقالتي هذه من ناحية قانونية، ما عرضته قناة البغدادية عبر القائد العسكري مهدي الغراوي والذي قد يرتقي لمصطلح (الدولة الهزيلة) ونخضعه لمسطرة قانون العقوبات العسكري العراقي المرقم 19 لسنة 2007 وتعديلاته، وسنرى ان الكثير مما ورد في المقابلة لم يجري وفق السياقات العسكرية المتعارف عليها، وان الفريق الغراوي ربط براءته بتبرئة قادته الكبار دون ان يدرك انه لم يعد بالإمكان تبرئته لثقل ما جرى على ارض واهل العراق، وامل ان يتسع صدر من يهمه الامر لبعض ما ساذكره، وفق النقاط المدونة في ادناه:
وسنكمل في مقالتنا القادمة اهم المحاور الرئيسية انشاء الله
الدكتور
عبدالقادر محمد القيسي
525 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع