رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة / الحلقة الثامنة
الأمن الوطني العراقي من وجهة النظر الأمريكية
عام
بالنظر للنتائج السلبية للإستراتيجية الأمريكية الأولى والتي نفذت كأسوأ خيارات إدارة المحافظين الجدد (الحزب الجمهوري الأمريكي) للحرب على العراق، فقد سعت مؤسسات الأمن القومي الأمريكي لدراسة معمقة لنتائج السياسة أعلاه، وبناء إستراتيجية أمريكية جديدة تعتمد أساساً على وحدة العراق وطناً وشعباً بدلاً من مشروع تفكيك العراق، فكانت البداية خارطة طريق وضعتها لجنة عليا برئاسة عضوي مجلس الشيوخ والتي سميت باسميهما أي لجنة (بيكر – هملتون)، وحين وصلت إدارة الرئيس أوباما (الحزب الديمقراطي الأمريكي) شرع العمل وفق الإستراتيجية الجديدة، وكانت ملامحها قد استنتجتها في دراسة سابقة ملخصها هو:
1- مما لا شك فيه أن أهم أسباب وصول الحزب الديمقراطي الأمريكي إلى البيت الأبيض وتشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس أوباما يعود للفشل الذريع لإستراتيجية الإدارة الأمريكية السابقة (للجمهوريين) برئاسة الرئيس السابق (جورج . و. بوش) فمنذ قرار غزوه للعراق في ربيع عام 2003م ومروراً بسبع سنوات عجاف تلته، عاش فيها شعب العراق أسوأ وضع كارثي في تاريخه الحديث نال سوء الأوضاع فيه دولة العراق بكافة مؤسساتها، حتى أصبح العراق وفق المعايير الدولية ثاني أفشل دولة في العالم من مجموع (180) دولة منتمية لمنظمة الأمم المتحدة وتمزق المجتمع العراقي وسط فوضى سياسية وأمنية عاصفة، أودت بمرتكزات الأمن القومي (الوطني) العراقي كافة، فأصبح العراقيون في معظمهم في عين تلك العاصفة، فكانت خسائرهم البشرية والمعنوية والمادية لا تحظى من هول اتساعها، وفي الوقت نفسه تصدعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، وبات مكوثها في القمة الدولية موضع شك كبير، وعليه أصبحت القضية العراقية إحدى أهم التحديات التي تواجهها الإدارة الأمريكية الجديدة منذ وصولها إلى السلطة في / /فسعت بكل ما أوتيت من قوة من أجل إيجاد إستراتيجية عملية في مواجهة الوضع العراقي الصعب والمعقد جدا، تتمحور على المسلك الأمثل لإنهاء الحرب في العراق، التي كانت خياراً سيئاً للإدارة الأمريكية السابقة حسب وصف الرئيس الجديد اوباما في خطاب القاهرة الشهير بتاريخ 4/6/2009، وهذه الإستراتيجية الجديدة قد رسمت خارطة الطريق لها لجنة (بيكر – هملتون) منذ سنتان تقريبا، والتي تمثل الجزء المهم من العقل المفكر لمؤسسات الأمن القومي الأمريكي الذي تعطل تحت الضغط المعنوي لأحداث 11/9/2001.
قيود وتحديات إستراتيجية الخروج من العراق
2- أجمع الكثير من المفكرين والمحللين الاستراتيجيين الأمريكان على انه ليس من السهل على الإدارة الأمريكية الجديدة التخلص من الإرث السيئ للإدارة السابقة، حيث تجد نفسها مضطرة للتعامل مع قضايا لم تكن مسئولة عنها بالتأكيد لكنها انتقلت إليها آلياً، لمساسها بمرتكزات الأمن القومي الأمريكي في العراق ومنطقة الشرق الأوسط وأهمها ضمان مصادر الطاقة والأمن الإسرائيلي وأمن الحلفاء المعتدلين في المنطقة، في حين تشكل كل من إيران وتنظيم القاعدة أخطر التهديدات على تلك المصالح القومية الأمريكية، ناهيك عن تأثير روح العداء المتزايد للسياسات الأمريكية في العراق والعالمين العربي والإسلامي، ويمكن تلخيص تلك القيود والتحديات بما يأتي:
أ- الحيلولة دون اتخاذ قرارات جديدة تؤسس على قرارات الإدارة الأمريكية السابقة فتنقض الحجج السياسية التي كانت وراء نجاح الإدارة الأمريكية الجديدة للديمقراطيين في الوصول للبيت الأبيض.
ب- صعوبة ضمان نجاح المشروع السياسي والاستراتيجي الأمريكي في العراق، وصعوبة استعادة التوازن الاستراتيجي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
ج- تعذر إصلاح النظام السياسي الجديد في العراق (المشكلة السياسية في العراق هي أم المشاكل والقضاء على الفساد الإداري) الذي حقق أرقاماً خيالية أساءت للسلطة الأمريكية في العراق كثيرا، ثم صعوبة إعادة التوازن السياسي من خلال مشروع مصالحة حقيقي وعملي، يؤمن تلقائيا عودة الكفاءات العراقية المهمة للمساهمة في إعادة بناء مؤسسات الدولة.
د- صعوبة إصلاح المؤسسات الأمنية والدفاعية في العراق بوصفها الحالي حيث بنيت على أسس خاطئة، واتصفت كقوات غير مهنية وطائفية وعرقية، مخترقة بقوة من قبل بعض المؤسسات الأمنية العقائدية الإيرانية، ولذلك فهي غير قادرة على المحافظة على الأمن العراقي ولو بدرجة معقولة.
هـ- ضرورة إنهاء النفوذ الإيراني الكبير في العراق على كل المستويات، وإنجاح إستراتيجية احتواء إيران لتقليص نفوذها الذي يشكل تهديدا متصاعدا للمنطقة العربية برمتها، لضمان عدم هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية أمام قوة إقليمية طموحة جدا بقياسات العالم الثالث، أي (إيران).
و- عدم تمكين تنظيم القاعدة والمجاهدين الادعاء بهزيمة دولتين عظميتين هما الاتحاد السوفيتي (السابق) والولايات المتحدة الأمريكية على التوالي، وذلك بتطوير أساليب محاربة الإرهاب لضمان القضاء عليه خلال أسرع وقت ممكن.
ز- تقليل النفقات العامة للتواجد الأمريكي في العراق، وتنقية وتفعيل مشاريع إعادة الإعمار المستنزفة بالفساد الإداري والمالي في العراق.
الأهداف الرئيسية للإستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق
3- بصورة عامة هناك ثبات في الأهداف الرئيسية الأمريكية في العراق، لضمان المصالح القومية الأمريكية التي يصعب تجاوزها، غير أن المهارة ستكمن في طرائق وسبل تحقيق تلك الأهداف، وهذا كان واضحا خلال النظرة المتأنية لخطاب الرئيس اوباما في القاهرة بتاريخ 4/6/2009، ويمكن تحديد تلك الأهداف بما يأتي:
أ- نجاح المشروع السياسي والاستراتيجي الأمريكي في العراق، بالتعويل على الحلول السياسية والدبلوماسية وبأقل جهد عسكري ممكن.
ب- إصلاح النظام السياسي وتقليص الصراع السياسي في العراق، من خلال تنشيط مشروع مصالحة وطنية حقيقي، ينهي الاصطفاف العنصري والطائفي.
ج- إنهاء الحرب الرسمية في العراق، وسحب القسم البشري الأكبر من القوات الأمريكية من العراق، يرافق ذلك تطوير الكفاءات الأمنية والدفاعية العراقية، للتركيز على الهدف الاستراتيجي الخطير بالقضاء على تنظيم القاعدة في موطنه وكل مصادر التهديد الأخرى.
د- تقليص النفوذ الإيراني في العراق من خلال توسيع الدعم الأمريكي – العربي للعراق.
الأهداف الثانوية للإستراتيجية الأمريكية في العراق
4- يمكن إجمال الأهداف الثانوية للإستراتيجية الأمريكية في العراق بما يلي:
أ- المحافظة على ما منجز من آليات النظام الديمقراطي الفتي في العراق ثم تطويره قدر المستطاع وتهيئة الظروف السياسية العملية لإعادة التوازن للعملية السياسية في العراق، وإجراء ما يمكن لتعديل قواعد العملية السياسية من خلال تعديل الدستور، وتشجيع المبادرات المؤدية لتوسيع المشاركة السياسية من الأطراف الرافضة للعملية السياسية وخاصة التي مثلت جزءاً مهماً في المقاومة العراقية السياسية والمسلحة.
ب- العمل على إصلاح المؤسسات الأمنية والدفاعية، وجعلها أكثر مهنية وانتزاع الصفة الطائفية عنها، مع إبقاء قوات الضربة الأمريكية في العراق التي في معظمها من القوات الجوية وقوات النخبة لأمد بعيد، وتوسيع الجهد الاستخباري، والإشراف على إدارة العمليات الأمنية والعسكرية واتخاذ الإجراءات العملية لتنفيذ قرار انسحاب القسم الأكبر من القوات الأمريكية من العراق في موعد أقصاه بداية عام 2012.
ج- وضع آليات للتوصل إلى اتفاق شامل حول استقرار العراق والمنطقة بمشاركة أوروبية فعالة، وتشمل كافة الدول المجاورة للعراق خاصة التفاوض المباشر مع كل من إيران وسوريا.
د- إصلاح النظام الاقتصادي في العراق وخاصة في المجال النفطي.
هـ- مواجهة الأزمات الإنسانية العراقية، والسعي لتشكيل مجموعة عمل دولية للمساعدة في معالجة هذه الأزمات وفي مقدمتها إعادة المهجرين في الداخل ومن الخارج.
و- الحيلولة دون توسيع الخلافات السياسية والإدارية بين الأحزاب السياسية الكردية والقيادات المركزية، وتأجيل المشكلات الخطيرة للمستقبل القريب (كمشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها) وبالتعاون مع الأمم المتحدة.
الأهداف المكتسبة للإستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق
5- في حالة تحقيق الأهداف الرئيسية والثانوية يمكن تحقيق عدد من الأهداف المكتسبة وأهمها:
أ- تحسين سمعة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق والمنطقة.
ب- كسب عام لمعظم القوى العراقية الرافضة للمشروع السياسي الأمريكي في العراق.
ج- ضمان جعل العراق سوقاً اقتصادياً أمريكيا كبيرا، يعوض نسبة مهمة من الخسائر الاقتصادية الأمريكية للمرحلة السابقة.
د- ضمان صادرات النفط العراقي وفق آليات تتفق والسياسة النفطية الأمريكية، من ناحيتي الإنتاج والتسعيرة والتسويق.
هـ- بروز هيئة لمشروع سياسي وطني عراقي جديد يتجاوز الصراعات الدينية المذهبية والعنصرية قدر الإمكان، تساعد على دفع العملية السياسية بسمتها الديمقراطية نحو الأمام، وبما يضمن نجاح المشروع السياسي الأمريكي في العراق والمنطقة.
و- توفر الفرص المعقولة لإصلاح النظام الإداري والاقتصادي في العراق بشكل عام، من خلال إعادة هيكلة المؤسسات العامة للدولة، وتحديثها نحو مستوى الحكومة الالكترونية للحد من ظاهرة الفساد الإداري والمالي، والسعي لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار المعطلة بالفساد العام.
ز- توفير الفرص لإصلاح نظام التعليم، ومنح واسعة للزمالات الدراسية في الجامعات والمعاهد الأمريكية والأوروبية بعيدا عن المحاصصة العنصرية والطائفية، لتطوير الثقافة العراقية وفق معايير منسجمة مع الثقافة الأمريكية والغربية وبأقل ما يمكن من التقاطع.
فيما يلي أهم الأفكار المطروحة من وجهة نظر وزارة الدفاع الأمريكية
6- إن جميع ما سيرد هنا ملخص عن مجمل دراسات معمقة أعدتها الدوائر البحثية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية ضمنها مؤسسة رَند: أو (إن مؤسسات مهمة من منظومة صناعة السياسة الأمريكية قد بينت الخطوط العريضة لوجهة النظر الأمريكية الجديدة للأمن الوطني العراقي ومدى تأثيره على الأمن القومي الأمريكي)، وأهم هذه الخطوط هي:
أ- إن المصالح الأمريكية تتمثل اليوم بـ: وحدة العراق وتطوره الاقتصادي والديمقراطي وأمن الطاقة والوصول إلى موارد الطاقة في العراق والخليج العربي، واحتواء وهزيمة الحركة الجهادية العنيفة على رأسها تنظيم القاعدة، والسلام بين العراق وجيرانه بما في ذلك إيران وتركيا، ومكانة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
ب- أصبح العراق أكثر أمناً واستقراراً ولكن ليس بالمستوى المطلوب لإعادة الحياة بمشاريع بناء المؤسسات الوطنية والإعمار وتطوير الاقتصاد الوطني وديمومته بما يؤمن تبادل المصالح الدولية.
ج- خطر اندلاع العنف بين المجموعات العراقية المنخرطة الآن في العملية السياسية، لازال قائماً وخاصة بعد رفض الماسكين بالسلطة نتائج الانتخابات الأخيرة ووضع العراقيل نحو تشكيل الحكومة الجديدة، مع استمرار العمليات الإرهابية التي تنال العراق وخاصة العاصمة بغداد رغم الضربات الموجعة التي وجهت لقيادات ومفاصل تنظيم القاعدة في العراق.
د- تمتلك الفصائل الرئيسية داخل العملية السياسية وخارجها قدرات مسلحة تكفي لإغراق العراق (مرة أخرى) في أتون حرب أهلية بل وتهديد بقاء الدولة العراقية الجديدة، ولا زال الصدريون يحتفظون ببعض القدرة على تعبئة الشيعة المحرومين في مدينة الصدر وأماكن أخرى من خلال جناحهم المسلح (جيش المهدي)، والذي قد تمت هزيمته من قبل قوات الأمن العراقية، إلا انه أعاد تنظيمه مؤخراً، أما إعادة قيام تمرد سنيّ واسع النطاق أو غير محتمل.
هـ- الصراع الكردي – العربي هو الأكثر خطورة، وقد يؤدي إلى انهيار العراق ويمكن تجاوزها وحلها بقانون الفدرالية الصحيحة وبالعمل بالدستور.
و- حاول رئيس الوزراء نوري المالكي أن يمدّ نفوذه وسلطته عبر وضع حلفاء يعتمد عليهم في القوات الأمنية، بالإضافة إلى إنشاء أجهزة أمنية موازية وخطوط مباشرة للسلطة عبر مرسوم تنفيذي بدلاً من التشريع من خلال البرلمان، وإنشاء مجالس دعم عشائرية في أرجاء البلاد، وعليه ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعارض بشدة التوجهات السلطوية وعدم السماح للمالكي البقاء في رأس السلطة.
ز- إذا كانت الحكومة العراقية القادمة مشابهة لحكومة المالكي، قد تزداد قدرة القوات الأمنية العراقية بشكل كبير وهذا الأمر بمجمله يعني سيطرة الشيعة (حزب الدعوة) وهو ما يعني بالمقابل خضوع السنة والأكراد لحكم التحالف الشيعي (حزب الدعوة)، ولكن هذا اليوم بعيد المنال إذا تشكلت حكومة بهيمنة الليبراليين وخصوصاً مع الضغوطات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة القادمة.
ح- تواجه الولايات المتحدة حقيقة مهمة مفادها، إن قدرتها على منع صراع واسع النطاق بين اللاعبين السياسيين الرئيسيين قد أصبحت محدودة، وستضمحل مع انخفاض الوجود العسكري الأمريكي، مما ينبغي إحكام عملية سياسية عراقية تؤمن وصول القوى الليبرالية لقيادة الدولة العراقية والدور الأهم للولايات المتحدة الأمريكية لضمان الاستقرار السياسي خلال دعمها لتحسين وتطوير قدرات الأمن العراقية وإعادة تنظيم الجيش العراقي بالاستفادة من الخبرات الأصلية في الجيش السابق.
ط- الحقيقة التي توضح سيطرة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي على الوظائف الأمنية الرئيسية وكذلك الحال بالنسبة لقوات الأمن العراقية، تبين أن خطر وجود قوات أمن عراقية قوية ولكنها متحزبة، يمكن أن يكون اكبر وأسوأ، وهو ما قد يمثل مهمة صعبة وحساسة أمام الولايات المتحدة والأحزاب السياسية الأخرى المشاركة في الحكم.
نهاية الوجود الأمريكي قد تغير الاستراتيجيات الخاصة بالأطراف والجهات الرئيسية العراقية الفاعلة
7. هناك مسألة مهمة تحيط بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وتمكن هذه المسألة في الأمن والاستقرار الداخلي في العراق، وعلى الرغم من أن خطة الانسحاب الأمريكي تم تصميمها بعناية وحذر لتجنب إضعاف أمن العراق، إلا أن نهاية الاحتلال الأمريكي قد تغير الاستراتيجيات الخاصة بالأطراف والجهات الرئيسية العراقية الفاعلة، وكلاً منها لديها ما يكفي من القوة المسلحة لتكون قادرة على تحطيم السلام الداخلي للعراق، وفي ضوء احتمالات انعدام الأمن في العراق فإن الولايات المتحدة لا تستطيع اتخاذ موقف سلبي أو القيام برد فعل لاستباق الأخطار والعمل بشكل هادف، لذلك فإن صانعي السياسة الأمريكية بحاجة إلى إطار عمل تحليلي وديناميكي من أجل فحص ودراسة الدوافع المتغيرة والمتحولة بالنسبة للفاعلين السياسيين وقدراتهم، التي يمكن أن تؤثر على الأمن في العراق.
تعريف المصالح الأمريكية في العراق
8. أن النقطة الأساسية في إطار العمل هذا هي المصالح الأمريكية ومن المهم تعريف وتحديد تلك المصالح، وقد ميزنا ما بين سلامة الأمريكيين (من المدنيين والجنود) والمصالح الأمريكية الأخرى، التي تتضمن وحدة العراق وتطوره الاقتصادي والديمقراطي وأمن الطاقة والوصول إلى موارد الطاقة في العراق والخليج العربي، واحتواء وهزيمة الحركة الجهادية العنيفة، والسلام بين العراق وجيرانه بما في ذلك إيران وتركيا، ومكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
أصبح العراق أكثر أمناً واستقراراً
9. إن آفاق ومضامين تلك المصالح الأمريكية في العراق هي أفضل في الوقت الحاضر عما كانت عليه منذ بدء الاحتلال عام 2003، وبكل المقاييس فقد أصبح العراق أكثر أمناً واستقرار عقب موجة العنف التي شهدها العراق خلال الفترة ما بين 2006 – 2007، وعلى مدى العامين الماضيين انقلبت معظم العشائر السنّية ضد تنظيم القاعدة في العراق، كما ساهمت زيادة القوات الأمريكية بداية عام 2008 في عملية (الطفرة) في الحد من عمليات القتل الطائفي في بغداد، وجرى وقف إطلاق النار بين جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر والمجموعات المسلحة الأخرى.
10. عملت قوات الأمن العراقية على قمع الجماعات الشيعية الخاصة المتشددة والمدعومة من إيران وذلك بدعم من الولايات المتحدة، وقد عملت الفصائل السياسية الرئيسية (وهي الأكراد والسنّة والشيعة) على نبذ العنف (إلى حد كبير وليس بشكل نهائي) لصالح المشاركة السياسية من أجل تحقيق مخططاتهم وبرامجهم ووصل الأمر إلى حد التعاون فيما بينهم لمواجهة المخاوف المشتركة لديهم بما في ذلك التطرف والإرهاب، وفي الوقت الذي يزداد فيه تعطش المتطرفين (مثل تنظيم القاعدة في العراق والجماعات الخاصة) للعنف ضد الأمريكيين والعراقيين إلا أنهم أخذوا يفتقرون في الوقت الحاضر إلى الوسائل المادية والدعم الشعبي فضلاً عن الدعم الخارجي لإعادة إشعال الاقتتال الواسع النطاق بين الفصائل السياسية.
خطر اندلاع العنف ببين المجموعات العراقية المنخرطة الآن في العملية السياسية
11. ورغم التزام المتطرفين بالعنف إلا أنهم يفتقرون إلى الوسائل، في حين تمتلك الفصائل الرئيسية قدرات مسلحة تكفي لإغراق العراق (مرة أخرى) في أتون حرب أهلية بل وتهديد بقاء الدولة العراقية الجديدة. فهناك ما لا يقل عن مئة ألف من المسلحين السنّة السابقين أو أفراد برنامج (أبناء العراق)، إلى جانب خمسة وسبعين ألفاً من البيشمركة الكردية، وهناك أربعون ألف شخص من أعضاء جيش المهدي. ومع اشتراك الفصائل الرئيسية في النظام السياسي العراقي حالياً بما في ذلك الحكومة العراقية وقوات الأمن العراقية فإن العداوات ستكون مستمرة والاقتتال فيما بينها أمر وارد بشكل كبير. ورغم ذلك فقد نشأ نظام يزداد قوة يوماً بعد يوم في وجه المتطرفين والرافضين من خارج النظام، ويمكن استشفاف الدعم الشعبي المتزايد لهذا النظام غير العنيف من انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة حيث صوت السنّة بأعداد كبيرة في هذه الانتخابات، وقد نجحت السياسات الحكومية المتعلقة بالقانون والنظام وحققت الأحزاب العلمانية نجاحاً جيداً في تلك الانتخابات.
عوامل استقرار وأمن البلاد
12. وباختصار يبدو العنف المتطرف أكثر احتمالاً ورجحانا، ولكنه أقل تأثيراً من العنف ما بين المجموعات العراقية المنخرطة الآن في العملية السياسية، ويعتمد استقرار وأمن البلاد بشكل رئيسي على:
أ. ما إذا كانت جماعات المعارضة الرئيسية (خصوصاً السنّة والأكراد) ستستمر في النافسة داخل النظام السياسي والتخلي عن القوة.
ب. ما إذا كانت الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة ستزيد من قوتها السياسية والعسكرية والمتنامية بشكل فاعل، ومسؤول، وحيادي، ودستوري.
خطورة الفجوة الأمنية المؤقتة الناتجة من الانسحاب الأمريكي قبل اكتمال قدرات القوات العراقية
13. قد يتسبب ظهور فجوة أمنية مؤقتة نتيجة انسحاب القوات الأمريكية، قبل أن تتمكن قوات الأمن العراقية من الحلول محلها بشكل فاعل، أو قيام الحكومة بنمط من السلوك يتمثل بإساءة استخدام السلطة، في دفع جماعات المعارضة الرئيسية إلى اختيار القوة بديلاً عن السياسة السلمية.
عوامل اندلاع العنف بين المجموعات العراقية المنخرطة الآن في العملية السياسية
14. بالنسبة لهذه الجماعات فإن تفصيل خيار السياسة السلمية على القتال أصبح مرتبطاً بالحسابات الإستراتيجية أكثر من موضوع هزيمة الطرف الآخر. وهناك مجموعة من العوامل التي قد تؤدي أي منها إلى إعادة التفكير بهذا الخيار ومن تلك العوامل.
الفشل الانتخابي أو في قبول نتائج الانتخابات ... المصاعب الاقتصادية ... الظلم ... النزاعات حول الأراضي والموارد ... التحولات في موازين القوة المسلحة ... المعاملة القاسية أو الاستفزاز من قبل الحكومة العراقية أو قوات الأمن العراقية. وعلى الرغم من أن هجمات المتطرفين لوحدها أمر غير مرجح في إثارة القتال بين الجماعات العراقية الرئيسية، إلا أن هناك اعتبار أساسي يتمثل في أن ذلك الأمر قد يعمل بشكل أو بآخر على تأجيج الخلافات بين الجماعات.
تقييم خطر الاقتتال بين الجماعات العراقية الرئيسية
15. فيما يتعلق بتقييم خطر الاقتتال بين الجماعات العراقية الرئيسية، ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار مسألة مهمة وهي: انسحاب القوات الأمريكية وتنامي قدرات قوات الأمن العراقية، فتطورها سيجعلها تتفوق على جميع القوات المسلحة الأخرى في العراق، مثل جيش المهدي وأبناء العراق والبيشمركة. وعلاوة على ذلك فإن بعض الأحزاب التي تحصل على دعم خارجي قد لا تعاني من تناقص هذا الدعم مع انسحاب القوات الأمريكية. ولأن القدرات العسكرية الأمريكية سوف تنخفض، بشكل أسرع من تنامي قدرات قوات الأمن العراقية بشكل فاعل، الأمر الذي سيؤدي إلى بروز فجوة أمنية. السؤال المهم والأساسي هنا: الكيفية التي ستؤثر فيها هذه الفجوة والثغرة الأمنية المحتملة في الحسابات الإستراتيجية للمجموعات الثلاث، التي تمتلك قوات كبيرة: السنّة وأبناء العراق ـ الصدريون وجيش المهدي ـ الأكراد والبيشمركة. وإلى حدٍ ما ساهمت القوة العسكرية الأمريكية في احتواء أو ردع تلك الفصائل، إلا أن الانسحاب الأمريكي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الفرص المتاحة لتلك الفصائل في تحقيق أهدافها عن طريق القوة، خصوصاً إذا لم تصل قوات الأمن العراقية إلى مستوى إلحاق الهزيمة بتك الفصائل. وبالنسبة للجماعات التي قدمت لها القوات الأمريكية ضمانات وتطمينات مثل الأكراد ومؤخراً أبناء العراق، فإن الانسحاب الأمريكي يمكن أن يؤدي إلى الحدّة وربما التهوّر في تصرفات تلك الجماعات. ولأن تلك الجماعات سوف يلجأون إلى القوة في أي حال من الأحوال فإن الفجوة الأمنية ستكون أقل أهمية وتأثيراً على عنف أولئك القوة. ولكن نقول مرة أخرى إن ذلك من غير المحتمل أن يؤدي إلى عدم استقرار العراق.
خطر الاقتتال بين الجماعات العراقية يمكن أن يتنامى مع استبدال القوات الأمريكية بقوات عراقية ضعيفة
16. وباختصار فإن خطر الاقتتال بين جماعات المعارضة الرئيسية والحكومة العراقية يمكن أن يتنامى مع استبدال القوات الأمريكية بقوات أمن عراقية أقل قدرة وأقل اعتماداً. وقد يكون هذا الخطر مصحوباً بالديناميكيات المرتبطة بكيفية علاقة تلك الأطراف الفاعلة مع بعضها البعض في مجال القدرات والتصورات والسلوك. وحتى لو كانت تلك الأطراف تشترك في النظام السياسي إلا أن انعدام الثقة سيستمر بين السنّة والشيعة والأكراد ويمكن أن يؤدي سوء التقدير إلى دوامة جديدة من العنف.
ولكي نكون أكثر تحديداً بشأن المخاطر في العراق، نجد أنه في هذا الوقت لا زال يحتفظ الصدريون ببعض القدرة على تعبئة الشيعة المحرومين في مدينة الصدر وأماكن أخرى، إلا أن جناحهم المسلح جيش المهدي قد تمت هزيمته من قبل قوات الأمن العراقية، ورغم إن ذلك لا يحول دون وقوع العنف على مستوى منخفض، لكنه يجعل العنف الواسع النطاق من قبل جيش المهدي أقل احتمالاً بالنسبة للصدريين. وعلاوة على ذلك توجد هناك إشارات على أن رئيس الوزراء نوري المالكي يتحرك لاستيعاب واستمالة التيار الصدري للعملية السياسية، وقد لا يعني هذا زيادة طائفية الحكومة العراقية، إلا أنه قد يقلل ويحد من تهديدات المتشددين الشيعة للأفراد الأمريكيين، فضلاً عن تخفيض خطر الاقتتال الداخلي الشيعي، وإنكار أن ذلك يمنح الحكومة العراقية عذراً وتبريراً لاستغلال السلطة وتقليص الفرص المتاحة للدسائس الإيرانية.
إعادة قيام تمرد سنّي واسع النطاق أمر غير محتمل
17. ومن جانبهم يعمل السنّة على توسيع مشاركتهم في النظام السياسي والإدارة المحلية والبرلمان والحكومة العراقية نفسها وقوات الأمن العراقية، ومع هذا الاتجاه ومع منع الحكومة العراقية من شن حملة على أفراد برنامج أبناء العراق واستهدافهم، فإن إعادة قياد تمرد سنّي واسع النطاق أمر غير محتمل. ويبدو أن تنظيم القاعدة في العراق قد فقد قدرته على تحريض العنف بين السنّة، وإذا ما قام تنظيم القاعدة في العراق باستهداف القادة السنّة المعتدلين مثلما فعل في الماضي فإن ذلك سيتسبب في إغضاب أفراد (أبناء العراق) بدلاً من تعاونهم. وإذا ما أستمر السنّة في قبول النظام السياسي الجديد في العراق، وحصولا على قوة سياسية فإن ذلك قد يعني ظهور كتلة سنّية مستعدة لتحل محل الأكراد في الائتلاف الحاكم مع الأحزاب الشيعية.
الكرد وأثرهم في تفادي انهيار العراق (دولةً ومجتمعاً)
18. على الرغم من الحكم الكردي بإنشاء دولة كردية مستقلة إلا أن العواطف ممكن أن تتلاشى في ظل تعاظم المصالح والمنافع للمجتمع الكردي العراقي في الوقت الذي يعد فيه مثل هذا الأمر مرغوباً، إلا أن التقارب السنّي - الشيعي يمكن أن يؤدي إلى إثارة الأكراد بشكل حاد خصوصاً تجاه نظام سياسي وقوات أمن ذات هيمنة عربية، الأمر الذي يجعل الصراع بين العرب والأكراد أكثر احتمالاً. وبذلك قد تبرز الخطوط العرقية على حساب الخطوط الطائفية في العراق، مع مساعي العرب لفرض السيطرة على الدولة العراقية وضمان المصالح العربية، وبالمقابل سيصمم الأكراد على المقاومة. وفي ظل هكذا ظروف قابلة للاشتعال ستكون هناك فرص كبيرة لاشتعال الاقتتال بين الطرفين خصوصاً مع وجود الثروة النفطية. وعلى الرغم من أن العرب والأكراد العراقيين لا يريدون خوض حرب فيما بينهم، ولكنهم قد يجنحوا إليها بسبب أحداث معينة أو نتيجة التصلب المتبادل. إن الصراع الكردي ـ العربي هو الأكثر خطورة، وقد يؤدي إلى انهيار العراق.
محاولة رئيس الوزراء نوري المالكي مدّ نفوذه وسلطته
19. إذا ما حصلت مواجهة بين المجموعات الشيعية الحاكمة والمجموعات الكردية أو السنّية، فإن تلك المجموعات الشيعية الحاكمة وخصوصاً حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي، يمكن أن تتصلب في مواقفها وتوسع سلطاتها الحاكمة وتتجاوز الحدود الدستورية لسلطة الدولة، فضلاً عن استخدام أدوات ووسائل السلطة الواقعة تحت تصرفها، لتخويف أو سحق المعارضة والسيطرة على النظام السياسي. في الوقت الذي يتم فيه استخدام عنف المتطرفين أو وجود الميليشيات كأسباب وذرائع، إلا أن الهدف الرئيسي في هذا السيناريو يتمثل في تنافس السياسيين الرئيسيين، وقد حاول رئيس الوزراء نوري المالكي أن يمد نفوذه وسلطته عبر وضع حلفاء يعتمد عليهم في القوات الأمنية، بالإضافة إلى إنشاء أجهزة أمنية موازية وخطوط مباشرة للسلطة عبر مرسوم تنفيذ بدلاً من التشريع من خلال البرلمان، وإنشاء مجالس دعم عشائرية في أرجاء البلاد لغرض سيطرته على أمور البلاد بشكل تدريجي وإخضاع الجميع إلى الأمر الواقع.
إن مشاعر القلق تجاه الخطوات التي أتخذها رئيس الوزراء لممارسة السيطرة المباشرة على القوات المسلحة والعلميات الأمنية ورغم أن الخط الفاصل ما بين الاستخدام الشرعي واللاشرعي لقوة الدولة وسلطاتها غير واضح، إلا أن هناك مؤشرات لقياس ما إذا تم عبور ذلك الخط وإن أحد تلك المؤشرات هو:
أ. استخدام الحكومة العراقية لقوات الأمن العراقية ضد الأحزاب التي تعارض سياسة الحكومة بشكل غير عنيف، حتى إذا كانت تلك الأحزاب والأطراف تمتلك قدرة مسلحة على القيام بالعنف أو حتى إذا كانت مشاركة في الحكم لغرض تقليص نفوذهم وقوتهم بشكل تدريجي.
ب.هناك مؤشراً آخر مهما يتمثل في: تجاوز الحكومة للقنوات الوزارية المناسبة وكذا الحال بالنسبة للإجراءات والضوابط والتوازنات فيما يتعلق بترتيب وتنظيم والسيطرة على العمليات الأمنية.
يلاحظ إن المؤشر الأول يعتمد على التعسف في استعمال السلطة غير واضح الآن في العراق، إلا أن المؤشر الثاني موجود (ويعمل به). وما يثير القلق بشكل خاص، الخطوات التي اتخذها رئيس مجلس الوزراء لممارسة السيطرة المباشرة على القوات المسلحة والعمليات الأمنية، والتحايل على مجلس الوزراء فيما يتعلق باتخاذ وصنع القرارات، كما هو مطلوب وفقاً للدستور العراقي، بالإضافة إلى إنشاء قوات كوماندوز استخباراتية وعسكرية (قوة مكافحة الإرهاب) خارج نطاق وزارتي الدفاع والداخلية، ترفع تقاريرها بشكل مباشر إلى رئيس الوزراء (أكثرهم من منتسبي حزب الدعوة).
ينبغي على الولايات المتحدة أن تعارض بشدة التوجهات السلطوية
20. إن خطر قيام عنف واسع النطاق من جانب مجموعات المعارضة الرئيسية في العراق يمكن أن يتصاعد مع تعسف الحكومة (حزب الدعوة) في استعمال السلطة. قد تزداد قدرة قوات الأمن العراقية وخاصة من عناصر حزب الدعوة بشكل كبير وهذا الأمر بمجمله يعني سيطرة الشيعية (حزب الدعوة) وهو ما يعني بالمقابل خضوع السنّة والأكراد لحكم الشيعة (حزب الدعوة)، ولكن هذا اليوم بعيد المنال خصوصاً مع الضغوطات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة والتي تحدد من قدرتها على بناء قوات مسلحة قوية فضلاً عن التوترات العرقية والطائفية داخل قيادة الجيش. ينبغي على الولايات المتحدة أن تعارض بشدة التوجهات السلطوية، ليس فقط من أجل القيم الأمريكية فحسب، وإنما كذلك من أجل المصالح الأمريكية، التي قاتلت من أجلها وضحّت بالكثير في سبيلها على أرض العراق.
سوف لن تكون قوات الأمن العراقية قادرة على هزيمة البيشمركة على الأراضي الكردية لسنوات قادمة ولا تستطيع هزيمة المتطرفين بشكل كامل في المستقبل المنظور
21. هناك عامل حاسم وأساسي فيما يتعلق بتقييم المخاطر المحتملة للجهات الفاعلة ألا وهو: تغير موازين القوة المسلحة فعلياً في الواقع وفي تصورات صانعي القرار للمجموعات الرئيسية. بالنسبة لقوات الأمن العراقية فقد استطاعت احتواء المتطرفين ولكنها لا تستطيع هزيمتهم بشكل كامل في المستقبل المنظور. ويمكن للمتطرفين الذوبان بشكل مؤقت داخل السكان أو الدول المجاورة. أما بالنسبة لجيش المهدي والتهديدات الناجمة عنه فقد استطاعت قوات الأمن العراقية احتواء تلك التهديدات وستصبح قادرة على هزيمة تلك التهديدات (إن لم تقم ذلك بالفعل)، وبإمكان قوات الأمن العراقية احتواء عنف أفراد حركة أبناء العراق، وقد تصبح لديها القدرة على هزيمة (أبناء العراق) ربما باستثناء المناطق ذات الأغلبية السنّية. تحاول قوات الأمن العراقية (حزب الدعوة) على إبعاد البيشمركة ومنعها من الاستيلاء على المناطق المتنازع عليها بالقوة، ولكنها سوف لن تكون قادرة على هزيمة البيشمركة على الأراضي الكردية لسنوات قادمة.
الخطر الأكبر سينشأ عندما يعتقد الأكراد بأن القوة ستكون أفضل من السياسات السلمية لتحقيق أهدافهم.
22. إن هذا التحليل يعتقد بأن الخطر الأكبر، وبمزج درجة الاحتمال مع الأهمية ، سينشأ عندما يعتقد الأكراد بأن القوة ستكون أفضل من السياسات السلمية لتحقيق أهدافهم، بشرط عدم الانتظار لحين تمكن القوات العراقية الحكومية (حزب الدعوة) أو الشيعة من هزيمة البيشمركة. وفي نفس الوقت، لا يمكن استثناء العنف الواسع النطاق، من قبل أبناء العراق، على الرغم من ضيق الفرصة وعدم التمكن من التوصل إلى النتائج المطلوبة. إن فرصة جيش المهدي للكسب من استخدام القوة، ربما تكون قد فاتت.
ميزان القوة المسلحة سوف لن يتغير بشكل كبير لصالح قوات الأمن العراقية، إلى الحد الذي يؤدي على خضوع الأكراد والسنة بشكل تام
23. تعتمد مثل هذه الحسابات الإستراتيجية بشكل كبير على قدرات قوات الأمن العراقية الذي حالياً بيد حزب الدعوة أو (الشيعة) وعلى الكيفية التي تستخدم بها الحكومة العراقية تلك القوات. في الوقت الذي يؤدي فيه وجود قوات أمن أقوى إلى ثني مجموعات المعارضة الرئيسية، إلا أن استخدام قوات الأمن العراقية لسحق أو إجبار المعارضة السياسية على الرضوخ للحكومة التي يقودها الشيعة (حزب الدعوة)، يمكن أن يدفع إلى إثارة رد فعل عنيف وقد تتفاقم الأمور بشكل أسوء. إن ميزان القوة المسلحة سوف لن يتغير بشكل كبير لصالح قوات الأمن العراقية، إلى الحد الذي يؤدي إلى خضوع الأكراد والسنة بشكل تام. وقد تكون المخاطر بالنسبة لأمن العراق مصحوبة بالكيفية التي تتفاعل من خلالها تهديدات محتملة، فعلى سبيل المثال، استئناف التمرد السنّي من قبل حركة (أبناء العراق)، قد يدفع الحكومة إلى تشديد سيطرتها وبسط سلطتها، فضلاً عن استخدام قوات الأمن العراقية خاصة الشيعية بشكل أكثر عدائية ضد السنة على اقل تقدير.
ضرورة إجراء ديناميكي للأمن الداخلي في العراق
24. وعلاوة على ذلك قد يؤدي عنف سنّي واسع النطاق إلى إثارة التشديد والعنف الشيعيين. وبالمقابل فإن قيام حكومة عراقية أكثر سلطوية وتوحداً (الشيعة والسنّة) قد يدفع الأكراد إلى الانسحاب من النظام السياسي العراقي، وسحب القوات والقادة الأكراد من قوات الأمن العراقية والتركيز على كردستان أكبر وأكثر قوة واستقلالاً، سيؤدي إلى قيام مخاطر كبيرة، وهذه المخاطر تؤكد الحاجة على ضرورة إجراء تحليل ديناميكي للأمن الداخلي في العراق.
الولايات المتحدة الأمريكية وكيفية الحفاظ على مصالح أمنها القومي في العراق
25. بالإضافة إلى المخاطر المحتملة على مصالحها الإستراتيجية، فإن الولايات المتحدة تشعر بالقلق على أمن قواتها ومدنييها في العراق. هناك إمكانية كبيرة لوقوع هجمات مباشرة على القوات الأمريكية المنسحبة من قبل المجموعات المتطرفة (مثل تنظيم القاعدة في العراق والمجموعات الخاصة) والتي ينظر إليها باعتبارها المستفيد الأكبر من التراجع الأمريكي يتجسد خطر تنظيم القاعدة في العراق بشكل أساسي من الشمال إلى بغداد، أما بالنسبة للمجموعات الخاصة فيتجسد خطرها من بغداد إلى الجنوب.
يعتمد تنظيم القاعدة في العراق على أسلوب التفجيرات الانتحارية أما المجموعات الخاصة فتعتمد بشكل رئيسي على القنابل المزروعة على الطريق وقذائف الهاون والصواريخ، ويمكن أن يقوم كلاهما بشن هجمات على الأفراد العسكريين والمدنيين إذا ما توفرت الفرصة لذلك. ومع ذلك لا يمتلك كل من تنظيم القاعدة في العراق ولا المجموعات الخاصة القدرة على القيام بهجمات متواصلة أو عرقلة الانسحاب الأمريكي بشكل جدي. وعلاوة على ذلك فإن كلاهما عرضة لخسائر كبيرة من قبل القوات الأمريكية وقوات الأمن العراقية.
أما بالنسبة لجيش المهدي فمن غير المرجح أن يتمكن من شن هجمات رئيسية على القوات الأمريكية أثناء انسحابها وسيتعرض أفراده إلى الهزيمة إذا ما حاولوا القيام بذلك. ولن يستسلم أفراد (أبناء العراق) إلا إذا أدركوا أن القوات الأمريكية ستدعم قوات الأمن العراقية ضدهم أو ضد السنّة بشكل عام على الرغم من أن قوات البيشمركة الأقل احتمالاً لاستهداف القوات الأمريكية، إلا أن العداوات ما بين القوات الكردية والقوات الحكومية قد تهدد أي أمريكي يقع في الوسط مثل المستشارين والمدنيين، ويمكن أن يساعد وجود المستشارين الأمريكيين مع بعض القوات العراقية المسلحة، كعامل في بناء الثقة وتجنب الصراع.
الضائقة الاقتصادية في العراق يمكن أن تساهم في زيادة الميل نحو العنف
26. ويمكن أن تؤثر المصاعب الاقتصادية الحالية للعراق في تلك المخاطر. إن انخفاض أسعار النفط وضعف الاقتصاد العراقي يمكن أن يعملا على تقليل الاستثمار الحكومي والخاص، فضلاً عن زيادة البطالة وتقليص التمويل بالنسبة لقوات الأمن العراقية، والضائقة الاقتصادية في العراق يمكن أن تساهم في زيادة الميل نحو العنف خصوصاً في حالة وجود الظلم والتنافس من أجل المال والصراع على الموارد النفطية، وانخفاض المدخولات والعوائد يمكن أن يؤثر سلباً في جهود الحكومة لتطوير قدرات قوات الأمن العراقية، التي يعتبرها الأكراد الأكثر تهديداً بالنسبة لهم، مثل القوة الجوية والدبابات.
قدرة الولايات المتحدة على منع صراع واسع النطاق بين اللاعبين السياسيين الرئيسيين قد أصبحت محدودة، وستضمحل مع انخفاض الوجود العسكري الأمريكي
سيبرز الدور الأهم للولايات المتحدة من خلال دعمها لتحسين وتطوير قدرات الأمن العراقية / خطورة وجود قوات أمن عراقية قوية ولكنها متحزّبة.
على أية حال، تواجه الولايات المتحدة حقيقة مهمة مفادها، إن قدرتها على منع صراع واسع النطاق بين اللاعبين السياسيين الرئيسيين قد أصبحت محدودة، وستضمحل مع انخفاض الوجود العسكري الأمريكي. سيبرز الدور الأهم للولايات المتحدة من خلال دعمها لتحسين وتطوير قدرات الأمن العراقية والعمليات التي تنفذها تلك القوات. ولكن هذا الأمر سوف يساهم في أمن واستقرار العراق بشرط أن تتصرف قوات الأمن العراقية بمسؤولية وبعيداً عن التأثيرات السياسية ولصالح الدولة العراقية الموحدة. الحقيقة التي توضح سيطرة رئيس الوزراء الحالي على الوظائف الأمنية الرئيسية وكذلك الحال بالنسبة لقوات الأمن العراقية، تبين أن خطر وجود قوات أمن عراقية قوية ولكنها متحزّبة وخاصة لحزب الدعوة وعامة للشيعة، ويمكن أن يكون أكبر وأسوأ، وهو ما قد يمثل مهمة صعبة وحساسة أمام الولايات المتحدة.
أبعاد التعاون العسكري الأمريكي ـ العراقي الطويل الأمد
27. وفي ضوء ذلك فإن التعاون العسكري الأمريكي ـ العراقي الطويل الأمد، الذي يمتد إلى ما بعد انسحاب القوات الأمريكية (في حالة موافقة الطرفين) ينبغي أن يتولى تنفيذ ثلاثة مهام رئيسية:
أ.بناء القدرات: المساعدة في تدريب وتجهيز القوات الأمنية وتقديم المشورة لها فضلاً عن الدعم العملياتي لتلك القوات.
ب. بناء الشخصية: الشراكة في تعزيز المؤهلات والصفات المهنية والمساءلة وضبط النفس والقدرة المؤسساتية للقوات الأمنية العراقية والوزارات التي تحكمها.
ج. بناء الثقة: من الشفافية والاتصالات المفتوحة
ضرورة تقديم المزيد من الأفراد من قبل الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة لضمان المساعدة في تجنب سوء الفهم بين الحكومة العراقية والأكراد إن المهمة الثالثة ونعني بها هنا بناء الثقة، تنطبق بشكل خاص على إثنيين من قوى الدولة في العراق والمنصوص عليها دستورياً، وهما قوات الأمن العراقية التابعة للحكومة العراقية وقوات الأمن الداخلي (مثل البيشمركة) التابعة لحكومة إقليم كردستان. عن إمكانية تصاعد العداوات بين هذه القوى (في حالة تزايد التوترات الكردية - العربية وتفاقمها) أمر خطير وكبير بشكل كاف يدفع الولايات المتحدة (أو بدلاً عن ذلك الأمم المتحدة) على ضرورة تقديم المزيد من الأفراد لضمان المساعدة في تجنب سوء الفهم بين تلك القوى وسوء التقدير والحوادث والأزمات (وتطبيق الدستور كفيل بحل هذه الإشكالية).
إن تنفيذ هذه المهام الثلاث سوف لن يتطلب بقاء التشكيلات القتالية الأمريكية في العراق إلى ما بعد الموعد النهائي المتفق عليه للانسحاب، وبدلاً من ذلك يتطلب الأمر وجود مهنيين كبار ومدربين بشكل جيد في كافة المستويات وتطوير علاقات طويلة الأجل مع النظراء العراقيين، وربما اتفاقية جديدة يتم التوصل إليها لاحقاً.
هذا التحليل يقود إلى الاستنتاجات التالية:
أ.استمرار الإرهاب المتطرف بغض النظر عن الانسحاب الأمريكي، ولكن من غير المرجح وقوع صراع واسع النطاق إلا إذا تأثرت إحدى المجموعات الرئيسية أو أكثر بأعمال الإرهاب والاستجابة بشكل مفرط وعشوائي لذلك الأمر. ونظراً لمدى صعوبة منع مثل هذه الأعمال، فينبغي على الولايات المتحدة استخدام نفوذها الدبلوماسي والعسكري للحفاظ على الإجماع والتوافق في الآراء لتفادي مثل هكذا ردود أفعال.
ب. بصورة أعم يمثل إبقاء المجموعات الرئيسية في العملية السياسية أمراً أساسياً وحاسماً لضمان سعي تلك المجموعات إلى تحقيق مصالحها بشكل سلمي، وينبغي الحكم على السياسات والأفعال الأمريكية استناداً إلى تأثيرها على هذا الهدف.
ج. إن خطر الصراع الكردي ـ العربي كبير لدرجة تكفي إلى دفع الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها واستخدامها أينما كان، لحث كل من الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان على تجنب القتال بين البيشمركة وقوات الأمن العراقية. يشمل ذلك المشاركة الدبلوماسية في تسوية ومعالجة النزاعات بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بحل مشكلة المناطق المتنازع عليها بشكل يرضي جميع الأطراف وذلك بالحوار مع جميع الأطراف والتخطيط لعلاقات استشارية عسكرية طويلة الأمد فضلاً عن بناء الثقة بين هذه القوى باتفاق جميع الأطراف.
د. تشجيع القيام بالمزيد من التقارب السنّي ـ الشيعي أمر ينبغي أن يحظى بالأولوية إذا مثلت نتائج الانتخابات فوز القائمة العراقية فرصة تحقيق ذلك، وخاصة المجتمع السني في الوقت الحاضر وخاصة بعد المشاركة الواسعة للسنة في الانتخابات الأخيرة.
هـ. أن المعاملة العادلة من قبل الحكومة العراقية لأفراد (أبناء العراق) بما في ذلك تدريبهم على أسلوب الحياة المدنية أمر مهم وحيوي. المجتمع السني في الوقت الحاضر ليس عرضة لتأثيرات المتطرفين في الوقت الحاضر، ورغم الانسحاب وتراجع النفوذ الأمريكي إلا أنه بإمكان الولايات المتحدة الحفاظ على الأمور وفق ذلك الترتيب.
و. ينبغي على القوات الأمريكية عدم التركيز بشكل كبير على قدرات قوات الأمن العراقية في الوقت الحاضر لتحل محل القوات الأمريكية، بسبب تشكليها الحالي وسيطرة الشيعة (حزب الدعوة) على جميع مفاصلها، وهو ما يجعلها تفقد البصر تجاه الخطر المتمثل في إساءة استخدام قوات الأمن العراقية، سواء من قبل الحكومة أو من قبل قادتها تجاه المعارضين لسياساتهم.
ز. ينبغي على القوات الأمريكية القيام بوضع منهج مؤلف من ثلاث مهام أساسية لمستقبل التعاون العسكري الأمريكي ـ العراقي وتتمثل تلك المهام في: بناء القدرات والشخصية والثقة، وعلى الولايات المتحدة والحكومة العراقية وجميع الجهات الفاعلة الأساسية وضع الأساس لتعاون دفاعي بين الولايات المتحدة والعراق عند اكتمال الانسحاب (عندما يحين الوقت المناسب) مع مثل هذه الجهود، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون قادرة على المساهمة في تقوية وتعزيز الأمن والاستقرار الداخلي للعراق بشكل مستمر، حتى لو قامت بسحب قواتها من العراق.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
12 نيسان 2010
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابعة:
http://www.algardenia.com/maqalat/14246-2014-12-28-11-14-44.html
4730 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع